الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : لا تفتح لهم أبواب السماء . يعني : لا يصعد إلى الله من عملهم شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس : لا تفتح لهم أبواب السماء قال : لا تفتح لهم لعمل ولا دعاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله : لا تفتح لهم أبواب السماء قال : وعني بها الكفار؛ إن [ ص: 385 ] السماء لا تفتح لأرواحهم ، وهي تفتح لأرواح المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن البراء بن عازب قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتح لهم بالياء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن جرير ، وابن حبان ، والحاكم ، وصححه والبيهقي في "البعث" ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل صالحا قال : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها فيقال : من هذا ؟ فيقولون : فلان بن فلان . فيقال : مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان ، فلا تزال يقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السابعة ، فإذا كان الرجل السوء قال : اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة ، وأبشري بحميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقال : من هذا ؟ فيقال : فلان ، فيقال : لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، ارجعي ذميمة ، فإنها لا تفتح لك أبواب السماء ، فترسل من [ ص: 386 ] السماء ثم تصير إلى القبر" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطيالسي ، وابن أبي شيبة في "المصنف" واللالكائي في "السنة" ، والبيهقي في "البعث" ، عن أبي موسى الأشعري قال : تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحا من المسك فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون : من هذا معكم؟ فيقولون : فلان ، ويذكرونه بأحسن عمله ، فيقولون : حياكم الله وحيا من معكم ، فيفتح له أبواب السماء فيصعد به من الباب الذي كان يصعد عمله منه ، فيشرق وجهه ، فيأتي الرب ولوجهه برهان مثل الشمس ، قال : وأما الكافر فتخرج نفسه وهي أنتن من الجيفة فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون : من هذا؟ فيقولون فلان ويذكرونه بأسوأ عمله فيقولون : ردوه فما ظلمه الله شيئا ، فيرد إلى أسفل الأرضين إلى الثرى ، وقرأ أبو موسى : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطيالسي ، وابن أبي شيبة ، وأحمد وهناد بن السري ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في "سننه" ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في كتاب "عذاب القبر" ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله ، وكأن على رؤوسنا الطير، [ ص: 387 ] وفي يده عود ينكث به في الأرض ، فرفع رأسه فقال : " استعيذوا بالله من عذاب القبر" . مرتين أو ثلاثا، ثم قال : "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم أكفان من كفن الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، وإن كنتم ترون غير ذلك فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب فيقولون : فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة ، فيقول الله : اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى . فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان له : وما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت ، فينادي مناد من السماء، أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة . فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره [ ص: 388 ] مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول له : من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : رب ، أقم الساعة ، رب أقم الساعة ، حتى أرجع إلى أهلي ومالي "، قال : "وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط من الله وغضب فتفرق في جسده ، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفتح لهم أبواب السماء . فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى . فتطرح روحه طرحا"، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق [الحج : 31 ] ، فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه . لا أدري ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، فينادي مناد من السماء ، أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار . فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق [ ص: 389 ] عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوءك ، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول : من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول : رب لا تقم الساعة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد : لا تفتح لهم أبواب السماء قال : لا يصعد لهم كلام ولا عمل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن سعيد بن جبير : لا تفتح لهم أبواب السماء قال : لا يرفع لهم عمل ولا دعاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن جريج : لا تفتح لهم أبواب السماء قال : لأرواحهم ولا لأعمالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : لا تفتح لهم أبواب السماء قال : إن الكافر إذا أخذ روحه ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء ، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء ، فهبط فضربته ملائكة الأرض فارتفع ، فضربته ملائكة السماء الدنيا فهبط إلى أسفل الأرضين ، وإذا [ ص: 390 ] كان مؤمنا رفع روحه ، وفتحت له أبواب السماء ، فلا تمر بملك إلا حياه وسلم عليه ، حتى ينتهي إلى الله فيعطيه حاجته ، ثم يقول الله : ردوا روح عبدي فيه إلى الأرض ، فإني قضيت من التراب خلقه وإلى التراب يعود ، ومنه يخرج .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية