الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3882 ] (87) سورة الأعلى مكية

                                                                                                                                                                                                                                      وآياتها تسع عشرة

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      سبح اسم ربك الأعلى (1) الذي خلق فسوى (2) والذي قدر فهدى (3) والذي أخرج المرعى (4) فجعله غثاء أحوى (5) سنقرئك فلا تنسى (6) إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى (7) ونيسرك لليسرى (8) فذكر إن نفعت الذكرى (9) سيذكر من يخشى (10) ويتجنبها الأشقى (11) الذي يصلى النار الكبرى (12) ثم لا يموت فيها ولا يحيا (13) قد أفلح من تزكى (14) وذكر اسم ربه فصلى (15) بل تؤثرون الحياة الدنيا (16) والآخرة خير وأبقى (17) إن هذا لفي الصحف الأولى (18) صحف إبراهيم وموسى (19)

                                                                                                                                                                                                                                      في رواية للإمام أحمد عن الإمام علي - كرم الله وجهه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحب هذه السورة: سبح اسم ربك الأعلى .. وفي صحيح مسلم أنه كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، و هل أتاك حديث الغاشية . وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما..

                                                                                                                                                                                                                                      وحق لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحب هذه السورة وهي تحيل له الكون كله معبدا تتجاوب أرجاؤه بتسبيح ربه الأعلى وتمجيده، ومعرضا يحفل بموجبات التسبيح والتحميد: سبح اسم ربك الأعلى. الذي خلق فسوى. والذي قدر فهدى. والذي أخرج المرعى. فجعله غثاء أحوى .. وإيقاع السورة الرخي المديد يلقي ظلال التسبيح ذي الصدى البعيد..

                                                                                                                                                                                                                                      وحق له - صلى الله عليه وسلم - أن يحبها، وهي تحمل له من البشريات أمرا عظيما. وربه يقول له، وهو يكلفه التبليغ والتذكير: سنقرئك فلا تنسى - إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى - ونيسرك لليسرى. فذكر إن نفعت الذكرى .. وفيها يتكفل له ربه بحفظ قلبه لهذا القرآن، ورفع هذه الكلفة عن عاتقه. ويعده أن ييسره لليسرى في كل أموره وأمور هذه الدعوة. وهو أمر عظيم جدا.

                                                                                                                                                                                                                                      وحق له - صلى الله عليه وسلم - أن يحبها، وهي تتضمن الثابت من قواعد التصور الإيماني: من توحيد [ ص: 3883 ] الرب الخالق وإثبات الوحي الإلهي، وتقرير الجزاء في الآخرة. وهي مقومات العقيدة الأولى. ثم تصل هذه العقيدة بأصولها البعيدة، وجذورها الضاربة في شعاب الزمان: إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى .. فوق ما تصوره من طبيعة هذه العقيدة، وطبيعة الرسول الذي يبلغها والأمة التي تحملها.. طبيعة اليسر والسماحة..

                                                                                                                                                                                                                                      وكل واحدة من هذه تحتها موحيات شتى; ووراءها مجالات بعيدة المدى..

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية