ولما نهى سبحانه عن الإخلال بالأدب، وأمر بالمحافظة على التعظيم، وذكر وصف المطيع، أتبع ذلك على سبيل النتيجة وصف من أخل به، فقال مؤكدا لأجل أن حالهم كان حال من يدع عقلا تاما:
nindex.php?page=treesubj&link=32458_32460_29020nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4إن الذين ينادونك أي: يجددون نداءك من غير توبة، والحال أن نداءهم إياك كائن
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4من وراء إثبات هذا الجار يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان داخلها، ولو سقط لم يفد ذلك، بل كان
[ ص: 360 ] يفيد أن نسبة الأماكن التي وراءها الحجرات كلها بالنسبة إليه وإليهم على حد سواء، وذلك بأن يكون الكل خارجها، والوراء: الجهة التي تواريك وتواريها من خلف أو قدام.
ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم من العظمة في نفسه وفي تبليغ رسالات الله في هيئتها بمكان من العظمة بحيث لا يخفى على أحد. فليس لأحد أن يفتات فيها عليه ولا أن يعجله عن شيء، وكان نداؤه لذلك من وراء حجرة واحدة كندائه من وراء كل حجرة، جمع فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4الحجرات ولم يضفها إليه إجلالا له، وليشمل كوني في غيرها أيضا، والمعنى: مبتدئين النداء من جهة تكون الحجرات فيها بينك وبينهم فتكون موازية لك منهم ولهم منك، وهي جمع حجرة، وهي ما حوط من قطع الأرض بحائط يمنع ممن يكون خارجه من أذى [من] يكون داخله بقول أو فعل، فإنه يكون فيما يختص به من الاجتماع بنسائه أو إصلاح شيء من حاله، لا يتهيأ له بحضور الناس فيما يتقاضاه المروءة، وأسند الفعل إلى الجمع وإن كان المنادي بعضهم للرضى به أو السكوت عن النهي.
ولما كان الساكت [قد لا يكون راضيا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4أكثرهم أي:
[ ص: 361 ] المنادي والراضي] دون [الساكت] لعذر
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4لا يعقلون لأنهم لم يصبروا، بل فعلوا معه صلى الله عليه وسلم كما يفعل بعضهم مع من يماثله، والعقل يمنع من مثل ذلك لمن اتصف بالرئاسة فكيف إذا كانت رئاسة النبوة والرسالة عن الملك الجبار الواحد القهار.
وَلَمَّا نَهَى سُبْحَانَهُ عَنِ الْإِخْلَالِ بِالْأَدَبِ، وَأَمَرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى التَّعْظِيمِ، وَذَكَرَ وَصْفَ الْمُطِيعِ، أَتْبَعَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النَّتِيجَةِ وَصْفَ مَنْ أَخَلَّ بِهِ، فَقَالَ مُؤَكِّدًا لِأَجْلِ أَنَّ حَالَهُمْ كَانَ حَالَ مَنْ يَدَعُ عَقْلًا تَامًّا:
nindex.php?page=treesubj&link=32458_32460_29020nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ أَيْ: يُجَدِّدُونَ نِدَاءَكَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، وَالْحَالُ أَنَّ نِدَاءَهُمْ إِيَّاكَ كَائِنٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4مِنْ وَرَاءِ إِثْبَاتُ هَذَا الْجَارِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ دَاخِلَهَا، وَلَوْ سَقَطَ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ، بَلْ كَانَ
[ ص: 360 ] يُفِيدُ أَنَّ نِسْبَةَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي وَرَاءَهَا الْحُجُرَاتُ كُلُّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْكُلُّ خَارِجَهَا، وَالْوَرَاءُ: الْجِهَةُ الَّتِي تُوَارِيكَ وَتُوَارِيهَا مِنْ خَلْفٍ أَوْ قُدَّامٍ.
وَلَمَّا كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَظَمَةِ فِي نَفْسِهِ وَفِي تَبْلِيغِ رِسَالَاتِ اللَّهِ فِي هَيْئَتِهَا بِمَكَانٍ مِنَ الْعَظَمَةِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ. فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْتَاتَ فِيهَا عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يُعْجِلَهُ عَنْ شَيْءٍ، وَكَانَ نِدَاؤُهُ لِذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ حُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ كَنِدَائِهِ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ حُجْرَةٍ، جَمَعَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4الْحُجُرَاتِ وَلَمْ يُضِفْهَا إِلَيْهِ إِجْلَالًا لَهُ، وَلِيَشْمَلَ كَوْنِي فِي غَيْرِهَا أَيْضًا، وَالْمَعْنَى: مُبْتَدِئِينَ النِّدَاءَ مِنْ جِهَةٍ تَكُونُ الْحُجُرَاتُ فِيهَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَتَكُونُ مُوَازِيَةً لَكَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ مِنْكَ، وَهِيَ جَمْعُ حُجْرَةٍ، وَهِيَ مَا حُوِّطَ مِنْ قِطَعِ الْأَرْضِ بِحَائِطٍ يَمْنَعُ مِمَّنْ يَكُونُ خَارِجَهُ مِنْ أَذَى [مَنْ] يَكُونُ دَاخِلَهُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الِاجْتِمَاعِ بِنِسَائِهِ أَوْ إِصْلَاحِ شَيْءٍ مِنْ حَالِهِ، لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ بِحُضُورِ النَّاسِ فِيمَا يَتَقَاضَاهُ الْمُرُوءَةُ، وَأَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُنَادِي بَعْضَهُمْ لِلرِّضَى بِهِ أَوِ السُّكُوتِ عَنِ النَّهْيِ.
وَلَمَّا كَانَ السَّاكِتُ [قَدْ لَا يَكُونُ رَاضِيًا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4أَكْثَرُهُمْ أَيْ:
[ ص: 361 ] الْمُنَادِي وَالرَّاضِي] دُونَ [السَّاكِتِ] لِعُذْرٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4لا يَعْقِلُونَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصْبِرُوا، بَلْ فَعَلُوا مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُهُمْ مَعَ مَنْ يُمَاثِلُهُ، وَالْعَقْلُ يَمْنَعُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ لِمَنِ اتَّصَفَ بِالرِّئَاسَةِ فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ رِئَاسَةُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ عَنِ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.