الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد فتح الله سبحانه وتعالى باب التوبة لمن تخلف وعصا، بعد ذلك ذكر أناسا ممن تخلفوا لم يكتب عليهم الشقوة بل لا يزال الباب مفتوحا للتوبة، فإما يتوبون، وإما يعذبهم الله على نفاقهم وتخلفهم، فقال تعالى: وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم

                                                          ذكرنا أن الذين دعوا إلى الخروج إلى الغزوة التي كانت فتحا للطريق إلى بلاد الشام وما وراءها من الأرض التي كان الروم يسيطرون عليها، وأشرنا إلى أنه كان فيهم السباقون إلى المكرمات المهاجرون والأنصار، وكان فيهم المنافقون [ ص: 3440 ] المعوقون الذين يعتذرون المعاذير الكاذبة، ويحلفون الأيمان الفاجرة، ومنهم من كانوا مخلصين، واعترفوا بذنوبهم في التأخر، وقد ذكر في هذه الآية فريقا، قد أرجئ أمرهم ترجى منهم توبة.

                                                          يقول تعالى: وآخرون مرجون لأمر الله أي: ما قدر في علمه المكنون بالنسبة لهم، ومرجون أي: مؤجلون لأمر الله تعالى فيهم، وما قرره سبحانه وتعالى بالنسبة لهم وهو مطوي في علمه المكنون لهم، وخفي عنكم وعنهم، ومرجون أصلها مرجئون، قلبت الهمزة ياء وحذفت لوجود واو الجمع، وبعض المفسرين يقول إنهم من المنافقين، ويحتمل توبتهم فيتوب الله تعالى عليهم، ويحتمل أن يبقوا مصرين على نفاقهم ليعذبهم سبحانه، وبعض المفسرين ذكر أنهم من الفريق الذين اعترفوا بذنوبهم، وبعضهم ربطوا أنفسهم في سواري المسجد حتى بين سبحانه وتعالى قبول توبتهم ففك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وثاقهم، وآخرون لم يفعلوا ذلك، وهؤلاء الثلاثة المخلفون الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وسنذكرهم من بعد عند تفسير الآية التي تصرح بأمرهم، وإني أميل إلى الأول، فإن الثلاثة خصوا بآية تذكر حالهم.

                                                          وقوله تعالى: إما يعذبهم وإما يتوب عليهم (إما) هنا تدل على أن نهايتهم مترددة بين حالين، إما أن يستمروا على نفاقهم فيعذبهم الله تعالى، ومأواهم جهنم وبئس المصير، وإما أن يتوبوا فيتوب الله عليهم، ويفيض عليهم سابغ رحمته.

                                                          والتردد ليس بالنسبة لله تعالى فإنه يعلم مآلهم، إذ هو يعلم ما كان وما يكون، فيعلم ما سيئول إليه أمرهم من غير إخبارهم، إنما علمه إحاطة، وأعمالهم بإرادتهم.

                                                          وإنما التردد بالنسبة للمخاطبين والمتحدث عنهم، فإنهم لا يعلمون إلا ما يقع بالفعل، ويعاينونه، ولا يعلمون ما سيقع، وقدره الله سبحانه، ولذا ختم سبحانه [ ص: 3441 ] وتعالى الآية بقوله عز من قائل: والله عليم حكيم أي: عليم بكل ما يقع في المستقبل مما غيب عليكم، حكيم يقدر الأمور في نطاق حكمته، وهو العزيز الحكيم.

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية