الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ولا يعفى عن يسير من النجاسات إلا الدم ، وما تولد منه من القيح والصديد ) .

اعلم أن الدم وما تولد منه ينقسم أقساما . أحدها : دم الآدمي . وما تولد منه من القيح والصديد ، سواء كان منه أو من غيره ، غير دم الحيض والنفاس . وما خرج من السبيلين . الثاني : دم الحيوان المأكول لحمه . وظاهر كلام المصنف : العفو عنه ، والصحيح من المذهب في هذين القسمين : العفو عن يسيره . وعليه جماهير الأصحاب . وعنه لا يعفى عنه فيهما . وقيل : لا يعفى عنه إلا إذا كان من دم نفسه ، وهو احتمال في التلخيص . وقال الشيخ تقي الدين : ولا يجب غسل الثوب والجسد من المدة والقيح والصديد . ولم يقم دليل على نجاسته . حكى جده عن بعض أهل العلم طهارته . وعنه لا يعفى عن يسير شيء من النجاسات في الصلاة . حكاه ابن الزاغوني . الثالث : دم الحيض والنفاس . وظاهر كلام المصنف : أنه يعفى عن يسيره ، وهو صحيح ، وهو المذهب ، جزم به في المغني ، والشرح ، وابن رزين ، والمنور . وهو ظاهر الوجيز ، وقدمه في الرعايتين ، واختاره القاضي ، وهو ظاهر كلام جماعة ، لإطلاقهم العفو عن الدم .

وقيل : لا يعفى عن يسيره ، اختاره المجد ، وابن عبيدان ، وصاحب مجمع البحرين ، وقدمه في التلخيص . وأطلقهما في الفروع ، وابن تميم ، وابن عبيدان ، والزركشي ، ومجمع البحرين ، والفائق ، والحاوي الكبير . الرابع : الدم الخارج من السبيلين . وظاهر كلام المصنف : العفو عن [ ص: 326 ] يسيره ، وهو أحد الوجهين ، وهو ظاهر كلام ابن رزين في شرحه ، وجماعة والوجه الثاني : لا يعفى عن ذلك ، اختاره ابن عبدوس في تذكرته ، وصاحب التلخيص ، وجزم به في المنور ، وهو الصواب . وأطلقهما في الفروع ، والزركشي . الخامس : دم الحيوان الطاهر الذي لا يؤكل ، غير الآدمي والقمل ونحوه . فظاهر كلام المصنف : أنه يعفى عن يسيره ، وهو ظاهر ما قطع به في المستوعب ، والكافي ، والمحرر ، والإفادات ، والفائق ، وغيرهم ، وقطع به في المذهب ، والوجيز ، والنظم ، والحاوي الكبير ، وابن عبدوس في تذكرته ، والتسهيل ، وابن رزين ، وابن منجا في شرحه ، وقدمه في الرعاية الكبرى .

وقيل : لا يعفى عن يسيره ، وجزم به في مجمع البحرين ، وابن عبيدان . فإنهما قالا : وما لا يؤكل لحمه ، وله نفس سائلة ، لا يعفى عن يسيره . ويحتمله كلام الخرقي ، وهو ظاهر ما قطع به في التلخيص ، والبلغة . فإنه قال في المعفو عنه : من حيوان مأكول . وقطع الزركشي بأنه ملحق بدم الآدمي . وأطلقهما في الفروع ، وابن تميم . السادس : دم الحيوان النجس . كالكلب والخنزير ونحوهما ، فالصحيح من المذهب : أنه لا يعفى عن يسيره . وعليه الأصحاب . وفي الفروع احتمال بالعفو عنه كغيره . وقال في الفائق : في العفو عن دم الخنزير وجهان .

فوائد

الأولى : حيث قلنا بالعفو عن اليسير : فمحله في باب الطهارة دون المائعات على ما يأتي بيانه . الثانية : حيث قلنا بالعفو عن يسيره : فيضم متفرقا في ثوب واحد على الصحيح من المذهب ، وجزم به ابن تميم وغيره ، وقدمه في الفروع . وقيل : لا يضم ، بل لكل دم حكم ، وإن كان في ثوبين لم يضم على الصحيح من المذهب ، بل [ ص: 327 ] لكل دم حكم . وقيل : يضم ، قدمه في الرعاية . وأطلقهما ابن تميم . ذكره في باب اجتناب النجاسة . ويأتي إذا لبس ثيابا في كل ثوب قدر من الحرير يعفى عنه : هل يباح أو يكره ؟ في آخر ستر العورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية