الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وخير بين الأرش والقود إن كان القاطع أشل أو ناقص الأصابع أو كان رأس الشاج أكبر ) قيد بحالة القطع فجعلها قيدا في التخيير ; لأنها لو تغيرت بعد القطع لا يخير كما سيأتي بيانه وأطلق في الشلاء فشمل ما إذا كان ينتفع بها أو لا فلو قيد في الشلاء فقال شلاء ينتفع بها لكان أولى كما سنبينه أيضا أما الأول ، فهو ما إذا كانت يد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع ويد المقطوع صحيحة كاملة الأصابع ; فلأن استيفاء حقه متعذر فيخير بين أن يتجوز بدون حقه في القطع وبين أن يأخذ الأرش كاملا ثم إذا استوفى القصاص سقط حقه في الزيادة ، وقال الشافعي : يضمنه النقصان ; لأنه قدر على استيفاء البعض فيستوفى ما قدر عليه ، وما تعذر استيفاؤه يضمنه ولنا أن الباقي وصف فلا يضمن بانفراده فصار كما لو تجوز بالرديء مكان الجيد ، ولو سقطت يده المعيبة قبل اختيار المجني عليه بطل حقه ولا شيء له عليه ، فإن حقه تعين في القصاص لما مر أن موجب العمد القود عينا وحقه ثابت فيه قبل اختياره بخلاف ما إذا قطعت بقود أو سرقة حيث يجب عليه الأرش وقال الشافعي يجب عليه الأرش في الموضعين ; لأنه لما تعذر استيفاء الحق ظهر أنه كان مستحقا عليه بخلاف النفس إذا وجبت على القاتل فقتل بجناية أخرى حيث لا يضمن ، وأما الثاني ، وهو ما إذا كانت رأس الشاج أكبر بأن كانت استوعبت ما بين قرني المشجوج وفي استيفاء ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعل ، وفي استيفاء قدر حقه لا يلحق الشاج من الشين مثل ما يلحق المشجوج فيتخير ثم لو اختار القود يبدأ من أي الجانبين شاء ; لأنه حقه في ذلك المحل ، فكان له أن يتخير .

                                                                                        ولو كانت رأس المشجوج أكبر تخير أيضا لتقرير الاستيفاء كملا وفي السراجية ولا يقطع الإبهام بالسبابة ولا بالوسطى .

                                                                                        والحاصل أنه لا يؤخذ شيء من الأعضاء إلا بمثله من القاطع قال محمد في الأصل وإذا قطع الرجل يد آخر وفيها ظفر سوداء يجب القصاص ، وإن لم يكن ظفر يد القاطع مسودا ; لأن الاسوداد لا يوجب نقصانا في منفعة اليد ، وهي البطش ألا ترى أنه لو قطع إنسان يده خطأ كان على عاقلة القاطع نصف الدية وإذا لم يكن للاسوداد في الظفر أثر في نقصان دية اليد صار وجود هذا العيب وعدمه بمنزلة اليد الشلاء ، وإن كان نقصانا يوهن في البطش حتى يجب بقطعها حكومة عدل لا نصف الدية كان بمنزلة اليد الشلاء واليد الصحيحة لا تقطع بالشلاء وإذا قطع يد رجل عمدا ويد القاطع ناقصة فهذا على وجهين إما أن تكون ناقصة من حيث الصفة بأن كانت شلاء أو كانت ناقصة من حيث الأصابع بأن كانت ناقصة أصبع أو أصبعين ، فإن كان النقصان من حيث الصفة فالمقطوع يده بالخيار ، فإن اختار القطع فلا شيء له مع القطع عندهم جميعا ، وإن شاء لم يقطع واحد يده حتى يصل إليه بدل حقه على الكمال من ماله ، وكان الشهيد برهان الأئمة يقول إنما يثبت الخيار للمقطوعة يده في هذه الصورة إذا كانت اليد الشلاء مما ينتفع بها مع ذلك ، فأما إذا كانت غير منتفع بها فهي ليست بمحل القصاص فلا يخير المجني عليه حينئذ بل له دية صحيحة كما لو لم يكن للقاطع يد أصلا .

                                                                                        وبه يفتى وتفريع المسألة بعد هذا على حسب ما ذكرنا في العين والسن الكبرى وكذا لو كان القاطع صحيح اليد عند القطع فشلت يده بعد ذلك لا خيار للمجني عليه بين القصاص والأرش بل يقطع الشلاء أو يترك ولا شيء له ، وإن كانت ناقصة بعد القطع فهذا على وجهين إن كان النقصان حاصلا لا بفعل أحد ، وإن كانت ناقصة من حيث القدر فكذلك يتخير ، فإن اختار القطع فلا شيء له على القاطع وقال الشافعي رحمه الله : أخذ منه أرش ما كان فائتا من الأصابع هذا إذا كانت ناقصة وقت القطع فأما إذا انتقصت بعد القطع فهذا على وجهين إن كان النقصان حاصلا لا بفعل أحد بأن سقط أصبع من أصابعه بآفة سماوية الجواب فيه كالجواب فيما إذا كانت ناقصة وقت القطع ، وكل جواب عرفته ثم فهو الجواب هنا ، وإن كان بفعل أحد بأن قطع أصبعا من أصابعه ظلما أو قطع القاطع أصبعا أو قضى به حقا واجبا عليه فالجواب فيه كالجواب في اليد هكذا ذكر شيخ الإسلام في شرحه فهذا إشارة إلى أن للمقطوع يده الخيار في الفصول [ ص: 352 ] كلها غير أن النقصان إذا كان بآفة سماوية واختار قطع اليد لا شيء له من الأرش عنده ، وذكر شمس الأئمة الحلواني في شرحه أنه إن قطع أصبعه بقصاص وجب عليه في الأصبع فللمقطوعة يده الخيار ، وإن قطع يده ظلما فلا خيار للقاطع ، وليس له إلا القصاص .

                                                                                        وأشار إلى الفرق فقال : إذا قطع أصبعه قصاصا فقد قضى بها حقا مستحقا عليه فيصير متلفا بعد حق صاحب الحق فيكون له الخيار ولا كذلك ما إذا قطع يده ظلما ، وهذا الفرق إشارة إلى أنها لو سقطت بآفة سماوية فلا خيار له ذكر الشيخ أحمد الطواويسي في شرحه أنها إذا قطعت بقصاص فله الخيار وإذا قطعت ظلما أو بآفة سماوية فلا خيار له هذا إذا كانت يد القاطع قائمة وقت القطع فأما إذا كانت فائتة وقت القطع بأن قطع يمين رجل ولا يمين للقاطع فحق المقطوع في الأرش في ماله ; لأنه لا يجد عين حقه ، وكان له بدل حقه ، وإن كانت يد القاطع قائمة وقت القطع ثم فاتت بعد ذلك ، فهذا على وجهين أما إن فاتت لا بفعله بأن فاتت بآفة سماوية بأن وقعت فيها أكلة فسقطت أو قطعها إنسان ظلما أو فاتت من جهته بأن قضى حقا واجبا ، وإن أتلفه بنفسه بأن قطع يمينه ، فإن فاتت بعد القطع لا بفعله ، فإنه يبطل حق المقطوع يده ، وذلك ; لأن حق المقطوع يده في العين فيفوت حقه بفوات العين كالعبد الجاني إذا هلك وكمال الزكاة إذا هلك ولا يضمن القاطع يده ، وإذا قطع المفصل الأعلى من أصبع رجل عمدا أو اقتص منه ثم قطع أحدهما بعد ذلك يد صاحبه عمدا فلا قصاص بينهما ، وفي النوازل مقطوع الإبهام من يده اليمنى إذا قطع ساعد مثله لا قصاص .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية