الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  51 حدثنا إبراهيم بن حمزة قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس أخبره قال: أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له: سألتك هل يزيدون أم ينقصون، فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  لم يضع لهذا ترجمة، وإنما اقتصر من حديث أبي سفيان الطويل على هذه القطعة لتعلق غرضه بها، وساقه في كتاب الجهاد تاما بهذا الإسناد الذي أورده هاهنا، ومثل هذا يسمى خرما، وهو أن يذكر بعض الحديث، ويترك البعض فمنعه بعضهم مطلقا، وجوزه الآخرون مطلقا، والصحيح أنه يجوز من العالم إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة، ولا فرق بين أن يكون قد رواه قبل على التمام أو لم يروه، قال الكرماني: فممن وقع هذا الخرم، قلت: الظاهر أنه من الزهري لا من البخاري لاختلاف شيوخ الإسنادين بالنسبة إلى البخاري، فلعل شيخه إبراهيم بن حمزة لم يذكر في مقام الاستدلال على أن الإيمان دين إلا هذا القدر، قلت: كيف يكون الخرم من الزهري، وقد أخرجه البخاري بتمامه بهذا الإسناد في كتاب الجهاد، وليس الخرم إلا من البخاري للعلة التي ذكرناها آنفا.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم ستة الأول: إبراهيم بن حمزة بن محمد بن مصعب بن عبد الله بن زبير بن العوام القرشي الأسدي المدني روى عن جماعة من الكبار، وروى عنه البخاري، وأبو داود، وغيرهما، وروى النسائي عن رجل عنه قال ابن سعد: ثقة صدوق مات سنة ثلاثين ومائتين بالمدينة، الثاني: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني، وقد مر فيما مضى، الثالث: صالح بن كيسان الغفاري المدني، وتقدم، الرابع: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وتقدم ذكره غير [ ص: 295 ] مرة، الخامس: عبيد الله بن عبد الله بتصغير الابن، وتكبير الأب ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، وقد مر ذكره، السادس: عبد الله بن عباس.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) منها أن فيه التحديث والإخبار والعنعنة، ومنها أن رواته مدنيون، ومنها أن فيه ثلاثة من التابعين، ومنها أن بينه وبين الزهري هاهنا ثلاثة أنفس، وفي الحديث المتقدم الذي فيه قصة هرقل شيخان هما أبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة.

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أنا قد استوفينا الكلام في هذا الحديث في أول الكتاب غير أن فيه هاهنا بعض التغييرات في الألفاظ نشير إليها فنقول: قوله: "هل يزيدون" وقع هنا "أيزيدون" بالهمزة، وكان القياس بالهمزة لأن أم المتصلة مستلزمة للهمزة، ولكن نقول: إن أم هاهنا منقطعة لا متصلة تقديره: بل أينقصون حتى يكون إضرابا عن سؤال الزيادة واستفهاما عن النقصان، ولئن سلمنا أنها متصلة لكنها لا تستلزم الهمزة بل الاستفهام قال الزمخشري: أم لا تقع إلا في الاستفهام إذا كانت متصلة فهو أعم من الهمزة، فإن قيل: شرط بعض النحاة وقوع المتصلة بين الاسمين، قلت: قد صرحوا أيضا بأنها لو وقعت بين الفعلين جاز اتصالها لكن بشرط أن يكون فاعل الفعلين متحدا كما في مسألتنا، فإن قلت: المعنى على تقدير الاتصال غير صحيح لأن هل لطلب الوجود، وأم المتصلة لطلب التعيين سيما في هذا المقام فإنه ظاهر أنه للتعيين، قلت: يجب حمل مطلب هل على أعم منه تصحيحا للمعنى وتطبيقا بينه وبين الرواية المتقدمة في أول الكتاب، قوله: "فزعمت" وفيما مضى: "فذكرت"، قوله: "وكذلك أمر الإيمان" ، وفيما مضى: "وكذلك الإيمان"، قوله: "هل يرتد" ، وفيما مضى: "أيرتد"، قوله: "فزعمت" ، وفيما مضى: "فذكرت"، قوله: "لا يسخطه أحد" لم يذكر فيما مضى.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية