الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6875 - حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أيوب ويونس ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس قال : ذهبت لأنصر هذا الرجل ، فلقيني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أنصر هذا الرجل . قال : ارجع ، فإني سمعت رسول

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 302 ] الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :" إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " . قلت : يا رسول الله ، هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال :" إنه كان حريصا على قتل صاحبه " .
                                                                                                                                                                                                                              [ انظر : 31 - مسلم : 2888 - فتح 12 \ 192 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              هذا أخرجه إسماعيل بن أبي زياد الشامي في " تفسيره " عنه . ورواه وكيع عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عنه . . فذكره ؛ قال : وحدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قال : أحياها ( من غرق أو حرق ، وفي لفظ : من كف عن قتلها فقد أحياها ) ، وعن ابن عباس أيضا : إحياؤها أن لا يقتل نفسا حرمها الله ، وقيل : يعطى من الثواب على قدر إحياء الناس كلهم .

                                                                                                                                                                                                                              وقال زيد بن أسلم والحسن : من وجب له قصاص فعفى أعطاه الله من الأجر مثل ( ما ) لو أحيا الناس جميعا . وقيل : وجب شكره على الناس جميعا . قال قتادة : عظم الله تعالى أمره .

                                                                                                                                                                                                                              وألحقه من الإثم هذا . وقيل : يمثل أي : الناس جميعا له خصماء . وقيل : معناه : يجب عليه من القود ما يجب إن قتل جميع الناس ؛ إذ لا يكون غير قتلة واحدة لجميعهم .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق البخاري في الباب أحاديث دالة على تغليظ القتل والنهي عنه :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها :

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبد الله - هو ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها " . أي : إثم ونصيب ، ومثله قوله تعالى : يكن له كفل منها [ النساء : 85 ] أي : نصيب ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 303 ] واشتقاقه من الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه إذا ارتدفه لئلا يسقط ، وإنما كان عليه ذلك لأجل ابن آدم من قتله هابيل ؛ لأنه أول من سن القتل واستن به القاتلون بعده ، وهذا نظير قوله - عليه السلام - :" من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني :

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث :

                                                                                                                                                                                                                              عن جرير - رضي الله عنه - مرفوعا مثله ، وأنه قال ذلك في حجة الوداع ، يستنصت الناس ، رواه أبو بكرة وابن عباس - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : حديث أبي بكرة أخرجه أبو داود ، عن إسماعيل بن علية ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عنه ، ثم قال : وحدثنا عمرو بن زرارة ، عن ابن علية به ، وخالفه حماد بن زيد والثقفي ، فروياه عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، ( عنه ) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، ( عن أبيه . قال ابن أبي عاصم : وحدثنا المقدمي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن قرة ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 304 ] عن ابن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ) . ولفظ الثقفي :" ستلقون ربكم ويسألكم عن أعمالكم ، فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض " .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن أبي عاصم : وثنا عن ابن عباس ، حدثنا حسين بن الأسود ، ثنا محمد بن الصلت ، ثنا مندل ، عن أسيد بن عطاء ، عن عكرمة ، عنه رفعه :" لا يقفن أحدكم موقفا يقتل الرجل فيه ظلما ، فإن اللعنة تنزل عليهم حتى يرفعوا عنه " .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : ليس مطابقا لحديث أبي بكرة .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              يريد كفارا بتحريم الدماء وحقوق الإسلام وحرمة المؤمنين ، وليس يريد الكفر الذي هو ضد الإيمان ؛ لما تقدم من إجماع أهل السنة أن المعاصي غير مخرجة من الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عبد الله القزاز : يريد إذا فعلوه مستحلين لذلك .

                                                                                                                                                                                                                              قيل : ويريد يفعلون فعل الكفار في قتال بعضهم بعضا . وقيل : يريد لابسة السلاح ، يريد كفر درعه يعني : إذا لبس فوقها ثوبا . وقيل : يكفر الناس ؛ فيكفر كفعل الخوارج إذا استعرضوا الناس ، كقوله :" من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " وقيل : كفارا بالنعمة ، فهو قريب من الكفر لعظم الذنب .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 305 ] الحديث الرابع :

                                                                                                                                                                                                                              حديث محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" الكبائر : الإشراك بالله ، ( واليمين الغموس ) ، وعقوق الوالدين " . أو قال :" اليمين الغموس " . شك شعبة . وقال معاذ : ثنا شعبة قال :" الكبائر : الإشراك بالله ، واليمين الغموس ، وعقوق الوالدين " . أو قال :" وقتل النفس " .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس :

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبد الصمد ، ( حدثنا شعبة ) ، ثنا عبيد الله بن أبي بكر ، سمع أنسا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" الكبائر " . وثنا عمرو ، أنا شعبة ، عن ابن أبي بكرة ، سمع أنسا ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" أكبر الكبائر : الإشراك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور " . أو قال :" شهادة الزور " .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف الكلام على ذلك وليست محصورة . قيل لابن عباس : هي سبع ؟ قال : هي إلى السبعين أقرب : وعنه أيضا إلى السبعمائة أقرب . وقيل : هي إحدى عشر .

                                                                                                                                                                                                                              وقال جماعة من أهل السنة : كل المعاصي سواء ، لا يقال صغيرة ولا كبيرة ؛ لأن المعنى واحد ، وظواهر الكتاب والسنة ترد عليهم . وقال تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه الآية [ النساء : 31 ] والغموس - بفتح الغين - التي تغمس صاحبها في الإثم ، أي : تغرقه في الإثم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 306 ] الحديث السادس :

                                                                                                                                                                                                                              حديث أسامة - رضي الله عنه - : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرقة من جهينة . . الحديث ، والمقتول مرداس بن نهيك .

                                                                                                                                                                                                                              سلف في المغازي ، وفي كتاب ابن أبي عاصم حديث يشعر أن القاتل غير أسامة ، ذكره من حديث شهر بن حوشب ، عن جندب بن سفيان البجلي . وفي " السيرة " : فلما شهرنا عليه السلاح أنا والأنصاري قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن أبي عاصم من حديث هشام بن حسان ، عن الحسن بن أبي الحسن أنه - عليه السلام - بعث خيلا إلى فدك فأغاروا عليهم ، وكان مرداس الفدكي قد خرج من الليل ، وقال لأصحابه : إني لاحق بمحمد : ( وأصحابه ) ، فبصر به رجل فحمل عليه ، فقال : إني مؤمن ، فقتله ، فقال - عليه السلام - :" هلا شققت عن قلبه ؟" قال أنس : إن قاتل مرداس ( مات ) فدفنوه ، فأصبح فوق القبر موضوعا ، ثم أعادوه ، فعاد ، ثم كذلك ، فرفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر به فطرح في واد بين جبلين بالمدينة ، ثم قال :" أما والذي نفسي بيده إن الأرض لتكفت أو تواري من هو شر من صاحبكم ، ولكن الله وعظكم " فأنزل الله في شأنه يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله الآية [ النساء : 94 ] ، وهذا ظاهر في أن قاتل مرداس غير أسامة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 307 ] وفي رواية يونس عن ابن إسحاق ( قال ) : حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد ، عن أبيه قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إضم ، فخرجت إلى نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة ومحلم بن جثامة ، فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على بعير له ، فسلم علينا بتحية الإسلام ، فأمسكنا عنه ، وحمل عليه محلم فقتله ؛ لشيء كان بينه وبينه ، وأخذ البعير ومتيعه ، فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرناه الخبر ، نزل فينا القرآن . وذكر الآية السالفة .

                                                                                                                                                                                                                              زاد ابن جرير أن محلما توفي في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفنوه فلفظته الأرض مرة بعد أخرى ، فأمر به - عليه السلام - فألقي بين جبلين وجعل عليه حجارة ، وقال - عليه السلام - :" إن الأرض لتقبل من هو شر منه ، ولكن الله أراد أن يريكم آية في قتل المؤمن " .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : وقد قيل : إن هذا ليس بمحلم ، فإن محلما نزل حمص بأخرة ، ومات بها أيام ابن الزبير .

                                                                                                                                                                                                                              والاختلاف في هذه الآية كثير جدا : نزلت في المقداد ، أو في غالب بن عبد الله الليثي ، أو في سرية ولم يسم القاتل ، أو أسامة ، أو محلم . وقيل غير ذلك ، والكل متفقون على أن قتله كان خطأ .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 308 ] ومرداس بن نهيك ، قال الكلبي فيه : الفدكي ، وقال أبو عمر : الفزاري . وقال ابن منده : مرداس بن عمر . وروى أبو سعيد قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فيها أسامة إلى بني ضمرة ، فذكر قتل أسامة له ، وعن ابن إسحاق : حدثني شيخ من أسلم ، عن رجال من قومه قالوا : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غالب بن عبد الله الكلبي - كلب ليث - إلى بني مرة وبها مرداس بن نهيك - حليف لهم من بني الحرقة - فقتله أسامة .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قتل أسامة لهذا الرجل إنما ظنه كافرا ، وجعل ما سمع منه من الشهادة تعوذا من القتل ، وأقل أحوال أسامة في ذلك أن يكون قد أخطأ في فعله ؛ لأنه إنما قصد إلى قتل كافر عنده ، ولم يكن عرف بحكمه - عليه السلام - فيمن أظهر الشهادة بالإيمان أنه يحقن دمه ، فسقط عنه القود ؛ لأنه معذور بتأويله ، وكذلك حكم كل من تأول فأخطأ في تأويله معذور بذلك ، وهو في حكم من رمى من يجب له دمه فأصاب من لا يجب قتله ؛ ( لأنه لا يرد ) عليه ، وما لقي أسامة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتله هذا الرجل الذي ظنه كافرا من اللوم والتوبيخ حتى تمنى أنه لم يسلم قبل ذلك اليوم آلى على نفسه أن لا ( يقاتل ) مسلما أبدا ، وكذلك ( تخلفه ) عن علي يوم الجمل وصفين ، فهو تعليم له ولغيره .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 309 ] ( والحدود ) في الأحرار من الرجال والنساء واحدة ، وحرمتهم واحدة ، ويبين ذلك قوله تعالى في نسق هذه الآيات : والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له [ المائدة : 45 ] فعلمنا أن العبد والكافر خارجان من ذلك ؛ لأن الكافر لا يسمى مصدقا ولا مكفرا عنه ، وكذا العبد لا يجوز أن يصدق بدمه ولا بجرحه ؛ لأن ذلك إلى سيده ، قال تعالى : فمن عفي له من أخيه شيء الآية [ البقرة : 178 ] .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : لما اتفق جميعهم أنه لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس ، كانت النفس أحرى بذلك ، ومن فرق منهم بين ذلك فقد ناقض ، وناقض أيضا أبو حنيفة : إذا قتل عبده فلا يقتل به عنده ، وقال ابن القصار ، عن النخعي : يقتل الحر بعبده وعبد غيره . قال : وحكي عنه أن بينهما القصاص في الأطراف ، وأظنه صحيحا ، فمذهب النخعي هذا مستمر لم يتناقض في شيء ؛ لأنه يقيد النفس بالنفس في كل نفس ، والأطراف أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله تعالى : ذلك تخفيف من ربكم ورحمة [ البقرة : 178 ] قيل : أخذ الدية ، وذلك أنهم كانوا في بني إسرائيل يقتصون ولم يكن بينهم دية ، فخفف الله عن هذه الأمة بالدية ، كما سلف في التفسير عن ابن شهاب ، فذلك تخفيف بما كتب على أهل الكتابين ، والمكتوب على اليهود أن لا يعفى عن قاتل عمد وأن يقتل قاتل الخطأ إلا أن يعفو الولي ، وعلى أهل الإنجيل ترك القصاص وأخذ الدية في العمد والخطأ ، وقيل : هذا في الرجل يقتل عمدا أو له أولياء فيعفو بعضهم فللآخرين أن يطلبوا من الدية بقدر حصصهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 310 ] واختلف إذا طلب ولي القوم الدية وأبى القاتل ، ففي " المدونة " : لا يجبر القاتل ، وليس لولي المقتول إلا القصاص ، وروى أشهب عن مالك : يلزم القاتل الدية شاء أو أبى .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله بعد ذلك فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم [ البقرة : 178 ] قال ابن عباس وغيره : يقتل ولا تؤخذ منه الدية .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              احتج لأبي حنيفة فيما سبق بقوله تعالى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ الآية [ النساء : 92 ] ، ثم قال : وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية [ النساء : 92 ] ، فلما كانت الكفارة واجبة في قتل الكافر الذمي وجب أن تكون الدية كذلك ، قال تعالى : وتحرير رقبة مؤمنة [ النساء : 92 ] كما قال في المؤمن فأراد الكافر ؛ لأنه لو أراد المؤمن لقال : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) وهو مؤمن ، كما قال : فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن [ النساء : 92 ] فأوجب فيه تحرير رقبة دون الدية ؛ لأنه مؤمن من قوم حربيين ، عدو للمسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : وتأول مالك هذه الآية في المؤمنين ؛ لأنه قال في " الموطأ " : ومن قتل مؤمنا خطأ ثم قال : فتحرير رقبة ثم قال : وإن كان من قوم بينكم وبينهم يعني : المؤمن المقتول خطأ ، ورد قوله هذا بعض من ذهب مذهب الكوفيين ، فقال : الحجة عليه أن الله تعالى قال في هذه الآية : فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 311 ] فقال ذلك على أنه لم يعطفه على ما تقدم من قوله : ومن قتل مؤمنا خطأ ؛ لأنه لو كان معطوفا عليه ما قال : وهو مؤمن ؛ لأن قوله : ومن قتل مؤمنا خطأ يغني عن وصفه بالإيمان ؛ لأنه مستحيل أن يقول : وإن كان المقتول خطأ من قوم عدو لكم وهو مؤمن . قالوا : وكذلك قوله : وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق غير مضمر فيه المؤمن الذي تقدم ذكره ، والتأويل مانع في الآية الكريمة للفريقين .

                                                                                                                                                                                                                              وأصل الديات التوقيف ، ولا توقيف في ذلك إلا ما أجمعوا عليه ، على أن أقل ما قيل فيه واجب ، وقد اختلفوا فيمن زاد ، والأصل تركه الدية .

                                                                                                                                                                                                                              وقد احتج أيضا له ما رواه الترمذي من حديث أبي ( سعيد ) البقال ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ؛ أنه - عليه السلام - ودى العامريين بدية المسلمين ، وكان لهما عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم قال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال في " علله الكبير " : سألت محمدا عنه وقلت له : أبو ( سعيد ) ، فقال : مقارب الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : ضعفه أيضا غيره ، ووافقه وكيع وأبو أسامة حماد بن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 312 ] أسامة
                                                                                                                                                                                                                              ، وخرج له الحاكم في " مستدركه " ، وذكره في جملة الثقات في عكرمة ، وقال ابن المبارك : كتبنا عنه لقرب إسناده ، وقال أبو موسى المديني في كتابه : وعابه الشافعي ، مختلف في حاله ويجمع حديثه . وقال أبو داود : كان من القراء . وقال الشافعي : صدوق فيه ضعف . وقال أبو زرعة الرازي : لين الحديث مدلس ، قيل : هو صدوق ، قال : نعم كان [ لا ] يكذب . وقال الجوزجاني : يكتب حديثه ولا يترك .

                                                                                                                                                                                                                              واحتج له أيضا بحديث أسامة أنه - عليه السلام - جعل دية المعاهد كدية المسلم ألف دينار . وعلته عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي . قال الدارقطني : متروك الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني من حديث أبي كرز عبد الله بن عبد الملك الفهري ، ثنا نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه - عليه السلام - ودى ذميا دية مسلم . ثم قال : أبو كرز متروك ، ولم يروه عن نافع غيره .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حبان : لا أصل له من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولفظه : دية ذمي دية مسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " مراسيل أبي داود " عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال : كان عقل الذمي مثل عقل المسلم في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 313 ] وعثمان ، حتى كان يعني صدرا من خلافة معاوية ، فغيرها على النصف من دية المسلم
                                                                                                                                                                                                                              ، وأسنده ابن عدي من طريق بركة بن محمد - وهو غير ثقة ولا مأمون - عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عنه ، بزيادة : فلما استخلف عمر بن عبد العزيز رد الأمر إلى القضاء الأول .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عمر : هذا أثر لا يثبته أحد من أهل العلم لضعفه .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرج أبو داود من حديث ابن وهب ، عن عبد الله بن يعقوب ، عن عبد الله بن عبد العزيز بن صالح الحضرمي ، قال : قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلما بكافر ، قتله غيلة ، وقال :" أنا أولى وأحق من أوفى بذمته " .

                                                                                                                                                                                                                              قال الجوزقاني في " موضوعاته " : هذا حديث منكر ، وإسناده منقطع ، ولا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال ابن القطان : عبد الله بن يعقوب ، وعبد الله بن عبد العزيز مجهولان ، لم أجد لهما ذكرا .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : روينا عن إبراهيم أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الحيرة ، فأقاده عمر بن الخطاب . قال وكيع : وثنا أبو الأشهب ، عن ( أبي نضرة ) مثله سواء ، وهذا مرسل .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 314 ] ومن حديث ابن أبي سليم ، عن الحكم بن عتيبة أن علي بن أبي طالب ، وابن مسعود قالا جميعا : من قتل يهوديا أو نصرانيا قتل به . وهو مرسل .

                                                                                                                                                                                                                              وصح عن عمر بن عبد العزيز ؛ كما روينا من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عمرو بن ميمون قال : شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمرائه في مسلم قتل ذميا ، فأمر بأن يدفعه إلى وليه إن شاء قتل وإن شاء عفا عنه . قال ميمون : فدفع إليه فضرب عنقه ، وأنا أنظر .

                                                                                                                                                                                                                              وصح أيضا عن النخعي كما روينا ، من طريق حماد بن سلمة ، عن حماد بن أبي سليمان ، عنه قال : المسلم ( الحر يقتل باليهودي والنصراني ) .

                                                                                                                                                                                                                              وظنه كافرا كما سلف ، وأن تشهده تعوذ من القتل ، ولم يذكر الكفارة ولا الدية . قال الداودي : إما أن يكون سكت عنه لعلم السامع ، أو كان ذلك قبل نزول الآية بالدية والكفارة .

                                                                                                                                                                                                                              ولما لقي أسامة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لقي من التوبيخ ، ود أنه لم يكن أسلم إلا ذلك اليوم ، آلى على نفسه أن لا يقاتل مسلما أبدا كما سلف .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              في إسناده حصين ، وهو ابن عبد الرحمن السلمي ، وفي الصحيحين أيضا حصين بن جندب ، أبو ظبيان الجنبي الكوفي ، تابعيان .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السابع :

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي الخير - واسمه مرثد بن عبد الله اليزني - عن الصنابحي - عبد الرحمن بن عسيلة : أبو عبد الله - عن عبادة بن الصامت قال : إني

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 315 ] من النقباء الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نزني ، ولا نسرق ، ولا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا ننتهب ، ولا نعصي ، بالجنة إن فعلنا ذلك ، فإن غشينا من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى الله
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث كان ليلة العقبة قبل أن تفرض الفرائض ، إلا الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( ولا نعصي ) هو بالعين المهملة ، وذكر ابن التين أنه روي بالعين و ( القاف ) . قال : واختار الشيخ أبو عمر العين ، وبأن أن الكلام قد فرغ ، وأن ( بالجنة ) متعلق بقوله : ( بايعناه ) بالجنة على أن لا نشرك . وذكرها ابن قرقول في " مطالعه " في العين والصاد المهملتين في الاختلاف وقال في العين ، كذا لأبي ذر والنسفي ولابن السكن والأصيلي ، وعند القابسي : ولا نقضي ، أي : ولا نحكم بالجنة من قبلنا ونقطع بذلك ، قال القابسي : وهو مشكل في كتاب أبي زيد . قال القاضي : الصواب بالعين كما تضمنته الآية ولا يعصينك في معروف [ الممتحنة : 12 ] .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( فإن غشينا من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى الله ) فيه دليل لأهل السنة أن المعاصي لا يكفر بها . وقد سلف .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثامن :

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من حمل علينا السلاح فليس منا " .

                                                                                                                                                                                                                              رواه أبو موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 316 ] والمراد بقوله : (" فليس منا ") أي : ليس بكامل الإيمان ، ولا قائم بجميع شرائطه .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث التاسع :

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - :" إذا التقى المسلمان بسيفيهما . ." الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الإيمان في باب : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا سندا ومتنا . وقل أن يقع له مثل ذلك ، وقد سلف في كتاب الإيمان معنى قوله :" القاتل والمقتول في النار " وإنما خرج على الترهيب والتغليظ في قتل المؤمن ، فجعلهما في النار ؛ لأنهما فعلا في تقاتلهما ما يئول بهما إلى النار إن أنفذ الله عليهما وعيده ، والله تعالى في وعيده بالخيار عند أهل السنة . ويأتي أيضا في كتاب الفتن بقية الكلام فيه . وقيل : المراد : من قاتل بغير تأويل على عداوة أو عصبية ، وأن من قاتل باغيا فقتل ، فلا يدخل في هذا الوعيد ؛ لأنه مأمور بالذب عن نفسه .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (" إنه كان حريصا على قتل صاحبه ") احتج به القاضي أبو بكر بن الطيب ، أن من هم بمعصية ووطن عليها وعزم ما قوي في اعتقاده وعزمه ، فكذلك هذا جعله مأثوما بالحرص على القتل ، وتأوله غيره على القتل على أنه إنما استوجب العقوبة بالفعل وهو التقاؤهما وتقاتلهما ، وعليه كثير من الفقهاء والمحدثين .

                                                                                                                                                                                                                              واحتجوا بقوله - عليه السلام - :" من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه " ، وقال القاضي : معناه أنه لم يوطن نفسه على فعلها .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية