الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما إذا واعد في العدة ونكح بعدها]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا واعد في العدة ونكح بعد- في فسخ النكاح، وفي التحريم فيما بعد. فقال مالك في المدونة: فراقها أحب إلي، دخل بها أو لم يدخل وتكون طلقة ثم يخطبها بعد أن تحل. فجعل الفراق على وجه الاستحسان، ولم يحرمها.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيه قول ابن القاسم، فقال مرة: يفسخ بقضاء، وقال مرة: بغير قضاء. وقال محمد: قال أشهب: يفسخ ولا تحل أبدا.

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن؛ لأن العقد لم يكن في العدة، وهذا إذا كانت المواعدة مع الزوجة والأب في البكر أو السيد فأما من لا تتزوج إلا برضاها فلا.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في المرأة تطلق طلاقا رجعيا ثم تتزوج في عدتها ويراجعها زوجها الأول في العدة من قبل أن يفرق بينها وبين الآخر، قال: رجعته رجعة وليس له أن يصيبها حتى يستبرئها من الماء الفاسد بثلاث حيض إن كان دخل بها الآخر.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو ارتجع ثم أصاب قبل أن تنقضي عدتها من الآخر [ ص: 2227 ] لم تحرم؛ لأنه مصيب لزوجته وليس هو مصيب في عدة.

                                                                                                                                                                                        وكذلك المنعي لها يقدم زوجها فيفرق بينها وبين الآخر فيصيبها القادم في عدة الآخر فإنها لا تحرم؛ لأنه ليس بمتزوج في عدة.

                                                                                                                                                                                        وكذلك المرأة تزني فيصيبها زوجها في استبرائها من الزنا فلا تحرم عليه؛ لأن التزويج تقدم الزنا.

                                                                                                                                                                                        ولو طلق رجل زوجته طلاقا بائنا فتزوجت في العدة، لم يجز للأول أن يتزوجها وهي في عدتها فإن فعل كان فاسدا ويفسخ قبل الدخول وبعده، وتحرم عليه إن كان دخل بها في العدة منه أو من الثاني.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت في عدة من زنا فتزوجت ودخل بها، فقيل: تحرم. وقيل: لا تحرم، سواء حامل أم لا، قاله ابن القاسم، إلا في عدة التزويج خاصة، ثم رجع ابن القاسم فقال: إن كانت حاملا حرمت وإلا فلا. وقال أصبغ: لا أحب أن يتزوجها وإن لم تكن حاملا، ولا يقضى بذلك عليه؛ لأنه إذا كانت عدة النكاح تحرم فالسفاح أحرم.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب فيمن اغتصبت زوجته وهي حامل منه: لا بأس أن يصيبها زوجها. وقال أصبغ: أكرهه وليس يحرم. والأول أقيس؛ لأن الحمل منه، وإنما يكره أن يسقي ماءه ولد غيره، وليس يكره أن يسقي ماءه ولده لأجل أن ماء غيره سقاه. [ ص: 2228 ]

                                                                                                                                                                                        وقال فيمن طلق زوجته طلاقا رجعيا، ثم ارتجعها في عدتها، ثم طلقها كما هي في عدتها ولم تعلم برجعته فتزوجت ودخل بها، ثم فرق بينهما: فلا يطأها الثاني إذا أصابها في العدة من الطلاق الثاني. ولو كان الطلاق الأول بخلع، ثم تزوجها في عدتها، ثم طلق قبل أن يدخل بها، ثم تزوجت بعد أن أوفت العدة، كان الثاني نكاحا جائزا؛ لأنه ليس عليها إلا تمام العدة الأولى، بخلاف الأولى فإن عليها عدتين.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن صالح زوجته على إن طلبت ما أعطته عادت زوجة، فطلبت ذلك فراجعها فأصابها ثم فرق بينهما: فلا يصيبها أبدا.

                                                                                                                                                                                        وقال غير واحد من أصحابه: لا تحرم؛ لأن الماء ماؤه، وهو أحسن؛ لأنه قد كان له أن يتزوجها في تلك العدة بولي وصداق.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد في امرأة نسيت شوطا من الطواف الواجب حتى تزوجت ودخل بها ففسخ النكاح فعادت فطافت ثم اعتمرت وأهدت: فلا تحل للزوج الذي تزوجها أبدا، ثم وقف عن تحريمها.

                                                                                                                                                                                        وهذه مثل التي قبلها لا تحرم على زوجها لأن الماء ماؤه.

                                                                                                                                                                                        تم كتاب العدة بحمد الله

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية