الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في رجل لت سويقا بسمن]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في رجل لت سويقا بسمن وقال لصاحبه: أمرتني أن ألته بسمن بعشرة دراهم وقال الآخر: لم آمرك بشيء، يقال لصاحب السويق: إن شئت فاغرم عشرة دراهم وخذه، فإن أبى قيل للآخر: اغرم له مثل سويقه غير ملتوت وخذ هذا الملتوت، فإن أبى سلمه ولم يكن له شيء; [ ص: 5010 ] لأن الطعام يوجد مثله فلا تكون فيه شركة. وقال غيره: إن أبى صاحب السويق أن يعطيه ما لت به كان على اللات أن يغرم له مثل سويقه غير ملتوت.

                                                                                                                                                                                        ومحمل المسألة على أن ربه قال: سرق مني. فرأى ابن القاسم الاختلاف شبهة فلا يكون على حكم المتعدي. وجعله غيره متعديا فيحلف صاحبه ويغرم مثله جبرا. والأول أحسن أن ذلك أشبه مع أنه من أهل الصنعة.

                                                                                                                                                                                        وأرى إن أخذه صاحبه ودفع الأجرة أن يباع ويشترى من ثمنه مثل سويقه، فإن بقي مثل الأجرة فأقل أمسكه، فإن فضل أكثر وقف الفضل للآخر، ولا يجوز أن يمسك السويق فيكون على قوله قد سلم سويقا غير ملتوت ودراهم، والأجرة بسويق ملتوت.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا حلف صاحبه فنكل اللتات يباع هذا ويشترى من ثمنه سويق غير ملتوت، فإن فضل منه مثل أجرته كان له، وإن فضل أكثر من [ ص: 5011 ] الأجرة وقف الزائد، إلا أن يقول اللتات: هذا السويق صنعته كالأبزار في اللحم، والزيت في الإسفنجة، فيجوز لمن صار إليه منهما أن يحبسه ولا يبيعه.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: استأجرتك على لتاته بخمسة، وقال الآخر: بعشرة، ولم تعمل فيه إلا ما شارطتك عليه. أو قال: عملت فيه بعشرة ولم آمرك إلا بخمسة، كان القول قول اللات مع يمينه أنه أمره بعشرة وأنه فعل ما أمره به.

                                                                                                                                                                                        فإن نكل حلف الآخر أنه لم يأمره إلا بخمسة ودفع خمسة وأخذه، فإن صدقه أنه عمل فيه بعشرة كان بالخيار بين أن يغرم عشرة ويأخذ، أو يحلف أنه لم يأمره إلا بخمسة ويغرمه مثله إلا أن يرضى الصانع أن يسلمه ويأخذ خمسة.

                                                                                                                                                                                        وإن قال صاحبه: قد كان لي فيه سمن بخمسة وأنكره الآخر، فإن كان سلمه إليه ولته في غيبته حلف اللات أنه لم يكن فيه شيء وأخذ عشرة، وإن لم يسلمه أو أسلمه ولم يغب عليه حلف صاحبه أنه كان له فيه سمن مثل ما يقول، وأنه لم يستأجره إلا بخمسة وأخذه.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إن استأجره على صباغ ثوب، فقال: استأجرتك بخمسة. وقال الآخر. بعشرة، وأتى بما يشبه. وقال صاحبه: هذه الصفة التي وافقتك عليها بخمسة، أو قال: بعشرة دون ذلك الصبغ وأنت صبغت ما يساوي عشرة، فحلف الصباغ أو نكل أو قال صاحبه: كان لي فيه صبغ بخمسة وقد غاب عليه الصباغ أو لم يغب; [ ص: 5012 ] فالجواب على جميع ذلك على ما تقدم في اللتات.

                                                                                                                                                                                        فإن قال: الثوب الذي دفعته إليك غير هذا وهذا دون متاعي، حلف الصباغ أن هذا هو الذي قبض منه، وأنه استأجره صاحب الثوب عليه بعشرة إذا أتى بما يشبه في الصبغ، وأخذ عشرة ولا ضمان عليه. وإن نكل حلف صاحب الثوب أن صفة الثوب الذي كنت دفعت إليك كان على ما حلف عليه، ويغرمه قيمته، وتنفسخ الأجرة فيه إذا كان يتعذر خلفه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية