الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب ما يستحب من الأضاحي وما يتقى من العيوب فيها

                                                                                                                                                                                        ويستحب أن تستفره الأضحية; لقول الله سبحانه: وفديناه بذبح عظيم [الصافات: 107]; ولأنها قربة فيستحب أن تكون من أعلى المكاسب لقول الله -عز وجل-: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [آل عمران: 92] وقياسا على العتق في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد سئل أي الرقاب أفضل؟ فقال: "أعلاها ثمنا" ، ولقوله: "لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم" .

                                                                                                                                                                                        وقال عروة بن الزبير - رضي الله عنه - لبنيه: يا بني، لا يهدين أحدكم، ولا يضحين بشيء يستحي أن يهديه لكريمه ، فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: فإن لله الصفاء والخيار .

                                                                                                                                                                                        وتجتنب العيوب يسيرها وكثيرها، والسلامة أفضل. فإن نزل; أجزأ إذا [ ص: 1576 ] كان يسيرا، ولم يجزئ إن كان كثيرا، والأصل في ذلك: حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده، وقال: "أربع: العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي" .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان العيب كثيرا من سوى هذه الأربع، فالمعروف من المذهب في المدونة وكتاب محمد وابن حبيب وغيرهما: أنه لا يجزئ; قياسا على الأربع .

                                                                                                                                                                                        وقال أبو الحسن ابن القصار وابن الجلاب وغيرهما من البغداديين : إنها تجزئ، وقصروا عدم الإجزاء على ما ورد في الحديث .

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن; لأن المراد اجتناب ما له قدر من العيوب.

                                                                                                                                                                                        والعيب على ضربين: عيب يكون بجميع الجسم، كالمرض والعجف، والجرب، والبشم، والهرم والجنون. [ ص: 1577 ]

                                                                                                                                                                                        والثاني: ما يكون ببعضها بالعين والأذن والقرن والفم من ذهاب أسنان أو بكم أو نثر، وبالصدع والذنب واليد والرجل. فأما ما يكون بجميع جسدها من المرض والعجف البين- فقد أحكمته السنة.

                                                                                                                                                                                        واختلف في معنى: "التي لا تنقي"، فقيل النقي: الشحم، فإن لم يكن بها شحم لم تجزئ ، وهو قول ابن حبيب ، وقيل: التي لا مخ فيها; فعلى هذا إذا كانت في أول ذهاب شحمها، وهي قوية لم يقل مخها تجزئ.

                                                                                                                                                                                        ولا تجزئ في الجرب البين; لأنه يفسد اللحم، ولا البشمة; لأنه يفسد لذلك لحمها أيضا، وهي كالمريضة التي تشرف على الموت، إلا أن يكون خفيفا.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد : تجزئ الهرمة . قال أصبغ : ما لم يكن هرما بينا . وأما الجنون، فإن كان لازما لم يجزئ، ولا يتقرب إلى الله -عز وجل- بمثل هذه، وإن كان يعرض المرة ثم يذهب، فذلك خفيف. [ ص: 1578 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية