الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمقصود هنا أن محبة هذه الأمور الحسنة ليس مذموما بل محمودا ، ومن فعل هذه الأمور لأجل هذه المحبة لم يكن مذموما ولا معاقبا ، ولا يقال إن هذا عمله لغير الله ، فيكون بمنزلة المرائي والمشرك ، فذاك هو الشرك المذموم . وأما من فعلها لمجرد المحبة الفطرية فليس بمشرك ولا هو أيضا متقربا بها إلى الله ، حتى يستحق عليها ثواب من عمل لله وعبده ، بل قد يثيبه عليها بأنواع من الثواب : إما بزيادة فيها في أمثالها ، فيتنعم بذلك في الدنيا ، ولهذا كان الكافر يجزى على حسناته في الدنيا وإن لم يتقرب بها إلى الله ، ولو كان فعل كل حسن إذا لم يفعل لله مذموما يستحق به صاحبه العقاب لما أطعم الكافر بحسناته في الدنيا إذا كانت تكون سيئات لا حسنات ، وإذا كان قد يتنعم بها في الدنيا ويطعم بها في الدنيا ، فقد يكون من فوائد هذه الحسنات ونتيجتها وثوابها في الدنيا أن يهديه الله إلى أن يتقرب بها إليه ، فيكون له عليها أعظم الثواب في الآخرة . [ ص: 197 ]

وهذا معنى قول بعض السلف : طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله . وقول الآخر لما قيل له : إنهم يطلبون الحديث بغير نية ، فقال : طلبهم له نية ، يعني: نفس طلبه حسن ينفعهم . وهذا قيل في العلم لخصوصيته ، لأن العلم هو الدليل المرشد ، فإذا طلبه بالمحبة وحصله عرفه الإخلاص لله والعمل له .

ولهذا قال من قال : هو من النظر الأول الذي هو مقدمة العرفان ، فإن القصد والنية مشروط بمعرفة المقصود المنوي به ، فإذا لم يعرفه بعد كيف يتقرب إليه؟ فإذا نظر بمحبة أو غيرها فعلم المعبود المقصود صح حينئذ أن يعبده ويقصده . وكذلك الإخلاص كيف يخلص من لم يعرف الإخلاص؟ فلو كان طلب علم الإخلاص لا يكون إلا بالإخلاص لزم الدور ، فإن العلم هو قبل القصد والإرادة من إخلاص وغيره ، ولا تقع الإرادة والقصد حتى يحصل العلم .

وعلى هذا فما ذكره الإمام أحمد عن نفسه هو حسن ، وهو حال النفوس المحمودة المستقيم حالها . ومن هذا قول خديجة رضي الله عنها للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتقري الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق .

فهذه الأمور كان يفعلها محبة لها ، خلق على ذلك وفطر عليه ، فعلمت أن النفوس المطبوعة على محبة الأمور المحمودة وفعلها لا يوقعها الله فيما يضاد ذلك من الأمور المذمومة ، لما قال لها : "قد خشيت [ ص: 198 ] على نفسي" . قالت : كلا والله لا يخزيك الله أبدا . . . . الحديث ، وهو في الصحيحين .

التالي السابق


الخدمات العلمية