الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في الطلاق الثلاث [ ص: 316 ] [ ص: 317 ] أمكنني ، وبقيت على ذلك مدة ... فلم أجد دليلا شرعيا يوجب إيقاع الثلاث بكلمة واحدة، لا من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع ولا من القياس.

أما القرآن ... إلا على طلاق يستلزم الرجعة إذا كان بعد الدخول ... الثالثة، كما قال أحمد بن حنبل في آخر الروايتين: تدبرت القرآن فلم أجد فيه إلا طلاقا رجعيا، ولا يدل قط إلا على طلقة واحدة.....

وقد ادعى طائفة من العلماء أنه يدل على وقوع الثلاث، واحتجوا بأنه أمر بالطلقة الواحدة، كما في قوله: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم إلى قوله لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا . قالوا: فأمره الله بالطلاق..... وليكون له سبيل إلى الرجعة بقوله لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، فلو كان لا يقع بالثلاث إلا واحدة أو..... بحال لم يحتج إلى ذلك، بل كان سواء طلق واحدة أو ثلاثا، فإن له أن يراجعهما.

وهذا الدليل ذكره طائفة من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ولا حجة فيه، لأن التعليل قد يكون للشرع الذي يتناول الأمر والنهي والصحة والفساد، وقد يكون لمجرد الأمر والنهي، أو لنفس المأمور به والمنهي عنه فقط، فعلى قولهم يكون تعليلا [ ص: 318 ] للمأمور به، أي طلقوا بواحدة ليكون لكم سبيل إلى الرجعة، ولا تطلقوا بثلاث فلا يكون لكم سبيل إلى الرجعة. وهذا إنما يصح أن لو كانت الثلاث تقع بكلمة واحدة، فإن كانت الثلاث تقع هكذا صح أنه تعليل للمأمور به، لكن لا يثبت أنه تعليل للمأمور به حتى يثبت أنه تقع الثلاث المجموعة; فإذا استدلوا به عليه لم يلزم أنه تقع الثلاث المجموعة حتى يثبت أن هذا تعليل للمأمور به، وهذا دور يمنع صحة الدلالة.

وذلك أنه يجوز أن يكون هذا تعليلا لنفس الأمر والشرع، والمعنى أن الله شرع لكم أن توقعوا واحدة وأمركم بذلك، ولم يشرع لكم أن توقعوا الثلاث مجموعة، فإنه لو شرع لكم ذلك أفضى إلى الندم.

ومعلوم أنه إذا لم يشرع إيقاع الثلاث بكلمة واحدة، بل نهى عن ذلك، ولم يجعل الثلاث..... في هذا أبلغ في عدم الندم، فإنه لو نهى عنه وأوقعوه إذا تكلموا به فقد يكون فيهم من يعصي النهي، وقد يكون فيهم من لا يبلغه، فيقع في الندم، فإذا لم يجعله مشروعا بحال كان هذا أبلغ في انتفاء المفسدة.

التالي السابق


الخدمات العلمية