الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    مسألة :

                                                                                                                                                                                                    فلو اقتص المجني عليه من الجاني ، فمات من القصاص ، فلا شيء عليه عند مالك والشافعي [ ص: 124 ] وأحمد بن حنبل وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وغيرهم . وقال أبو حنيفة : تجب الدية في مال المقتص . وقال عامر الشعبي وعطاء وطاوس وعمرو بن دينار والحارث العكلي وابن أبي ليلى وحماد بن أبي سليمان والزهري والثوري : تجب الدية على عاقلة المقتص له . وقال ابن مسعود وإبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وعثمان البتي : يسقط عن المقتص له قدر تلك الجراحة ، ويجب الباقي في ماله .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) يقول : فمن عفا عنه ، وتصدق عليه فهو كفارة للمطلوب ، وأجر للطالب .

                                                                                                                                                                                                    وقال سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال : كفارة للجارح ، وأجر المجروح على الله عز وجل . رواه ابن أبي حاتم ثم قال : وروي عن خيثمة بن عبد الرحمن ومجاهد وإبراهيم - في أحد قوليه - وعامر الشعبي وجابر بن زيد - نحو ذلك الوجه الثاني ، ثم قال ابن أبي حاتم :

                                                                                                                                                                                                    حدثنا حماد بن زاذان حدثنا حرمي - يعني ابن عمارة - حدثنا شعبة عن عمارة - يعني ابن أبي حفصة - عن رجل ، عن جابر بن عبد الله في قول الله عز وجل ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال : للمجروح . وروى عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي - في أحد قوليه - وأبي إسحاق الهمداني نحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                    وروى ابن جرير عن عامر الشعبي وقتادة مثله .

                                                                                                                                                                                                    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن قيس - يعني بن مسلم - قال : سمعت طارق بن شهاب يحدث ، عن الهيثم أبي العريان النخعي قال : رأيت عبد الله بن عمرو عند معاوية أحمر شبيها بالموالي ، فسألته عن قول الله [ عز وجل ] ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال : يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به .

                                                                                                                                                                                                    وهكذا رواه سفيان الثوري عن قيس بن مسلم . وكذا رواه ابن جرير من طريق سفيان وشعبة .

                                                                                                                                                                                                    وقال ابن مردويه : حدثني محمد بن علي ، حدثنا عبد الرحيم بن محمد المجاشعي حدثنا محمد بن أحمد بن الحجاج المهري حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي حدثنا معلى - يعني ابن هلال - أنه سمع أبان بن تغلب عن أبي العريان الهيثم بن الأسود عن عبد الله بن عمرو - وعن أبان بن تغلب عن الشعبي عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال : هو الذي تكسر سنه ، أو تقطع يده ، أو يقطع الشيء منه ، أو يجرح في بدنه فيعفو عن ذلك ، وقال فيحط عنه قدر خطاياه ، فإن كان ربع الدية فربع خطاياه ، وإن كان الثلث فثلث خطاياه ، وإن [ ص: 125 ] كانت الدية حطت عنه خطاياه كذلك .

                                                                                                                                                                                                    ثم قال ابن جرير : حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة حدثنا ابن فضيل عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال : دفع رجل من قريش رجلا من الأنصار فاندقت ثنيته ، فرفعه الأنصاري إلى معاوية فلما ألح عليه الرجل قال : شأنك وصاحبك . قال : وأبو الدرداء عند معاوية فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يصاب بشيء من جسده ، فيهبه ، إلا رفعه الله به درجة ، وحط عنه به خطيئة " . فقال الأنصاري : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : سمعته أذناي ووعاه قلبي ، فخلى سبيل القرشي ، فقال معاوية : مروا له بمال .

                                                                                                                                                                                                    هكذا رواه ابن جرير ورواه الإمام أحمد فقال : حدثنا وكيع حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال : كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية فقال القرشي : إن هذا دق سني ؟ قال معاوية : إنا سنرضيه . فألح الأنصاري ، فقال معاوية : شأنك بصاحبك وأبو الدرداء جالس ، فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يصاب بشيء في جسده ، فيتصدق به ، إلا رفعه الله به درجة أو حط عنه بها خطيئة " . فقال الأنصاري : فإني ، يعني : قد عفوت .

                                                                                                                                                                                                    وهكذا رواه الترمذي من حديث ابن المبارك وابن ماجه من حديث وكيع كلاهما عن يونس بن أبي إسحاق به ، ثم قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، ولا أعرف لأبي السفر سماعا من أبي الدرداء .

                                                                                                                                                                                                    وقال [ أبو بكر ] بن مردويه : حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا محمد بن علي بن زيد حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمران بن ظبيان عن عدي بن ثابت ; أن رجلا هتم فمه رجل ، على عهد معاوية رضي الله عنه ، فأعطي دية ، فأبى إلا أن يقتص ، فأعطي ديتين ، فأبى ، فأعطي ثلاثا ، فأبى ، فحدث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من تصدق بدم فما دونه ، فهو كفارة له من يوم ولد إلى يوم يموت " .

                                                                                                                                                                                                    وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج بن النعمان حدثنا هشيم عن المغيرة عن الشعبي أن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يجرح من جسده جراحة ، فيتصدق [ ص: 126 ] بها ، إلا كفر الله عنه مثل ما تصدق به .

                                                                                                                                                                                                    ورواه النسائي عن علي بن حجر عن جرير بن عبد الحميد ورواه ابن جرير عن محمود بن خداش عن هشيم كلاهما عن المغيرة به .

                                                                                                                                                                                                    وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن مجالد عن عامر عن المحرر بن أبي هريرة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أصيب بشيء من جسده ، فتركه لله ، كان كفارة له " .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) قد تقدم عن طاوس وعطاء أنهما قالا كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية