الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2756 حدثني محمد بن مرزوق بن بنت مهدي بن ميمون حدثنا روح حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله له

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( في الرجل الذي لم يعمل حسنة أوصى بنيه أن يحرقوه ويذروه في البحر والبر ، وقال : فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ، ثم قال في آخره : لم فعلت هذا ؟ قال : من خشيتك يا رب وأنت أعلم ، فغفر له ) اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث ، فقالت طائفة : لا يصح حمل هذا على أنه أراد نفي قدرة الله ، فإن الشاك في قدرة الله تعالى كافر ، وقد قال في آخر الحديث : [ ص: 227 ] إنه إنما فعل هذا من خشية الله تعالى ، والكافر لا يخشى الله تعالى ، ولا يغفر له ، قال هؤلاء : فيكون له تأويلان أحدهما أن معناه : لئن قدر علي العذاب ، أي : قضاه ، يقال منه قدر بالتخفيف ، وقدر بالتشديد بمعنى واحد . والثاني : إن قدر هنا بمعنى ضيق علي قال الله تعالى : فقدر عليه رزقه وهو أحد الأقوال في قوله تعالى : فظن أن لن نقدر عليه وقالت طائفة : اللفظ على ظاهره ، ولكن قاله هذا الرجل وهو غير ضابط لكلامه ، ولا قاصد لحقيقة معناه ، ومعتقد لها ، بل قاله في حالة غلب عليه فيها الدهش والخوف وشدة الجزع ، بحيث ذهب تيقظه وتدبر ما يقوله ، فصار في معنى الغافل والناسي ، وهذه الحالة لا يؤاخذ فيها ، وهو نحو قول القائل الآخر الذي غلب عليه الفرح حين وجد راحلته : أنت عبدي وأنا ربك ، فلم يكفر بذلك الدهش والغلبة والسهو . وقد جاء في هذا الحديث في غير مسلم " فلعلي أضل الله " أي : أغيب عنه ، وهذا يدل على أن قوله : ( لئن قدر الله ) على ظاهره ، وقالت طائفة : هذا من مجاز كلام العرب ، وبديع استعمالها ، يسمونه مزج الشك باليقين كقوله تعالى : وإنا أو إياكم لعلى هدى فصورته صورة شك والمراد به اليقين ، وقالت طائفة : هذا الرجل جهل صفة من صفات الله تعالى ، وقد اختلف العلماء في تكفير جاهل الصفة ، قال القاضي : وممن كفره بذلك ابن جرير الطبري ، وقاله أبو الحسن الأشعري ، أولا ، وقال آخرون : لا يكفر بجهل الصفة ، ولا يخرج به عن اسم الإيمان بخلاف جحدها ، وإليه رجع أبو الحسن الأشعري ، وعليه استقر قوله ; لأنه لم يعتقد ذلك اعتقادا يقطع بصوابه ، ويراه دينا وشرعا ، وإنما يكفر من اعتقد أن مقالته حق ، قال هؤلاء : ولو سئل الناس عن الصفات لوجد العالم بها قليلا ، وقالت طائفة : كان هذا الرجل في زمن فترة حين ينفع مجرد التوحيد ، ولا تكليف قبل ورود الشرع على المذهب الصحيح لقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقالت طائفة : يجوز أنه كان في زمن شرعهم فيه جواز العفو عن الكافر ، بخلاف شرعنا ، وذلك من مجوزات العقول عند أهل السنة ، وإنما منعناه في شرعنا بالشرع ، وهو قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به وغير ذلك من الأدلة ، والله أعلم . وقيل : إنما وصى بذلك تحقيرا لنفسه ، وعقوبة لها لعصيانها ، وإسرافها ، رجاء أن يرحمه الله تعالى .




                                                                                                                الخدمات العلمية