الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1994 حدثنا أبو الوليد الطيالسي وهدبة بن خالد قالا حدثنا همام عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته قال أبو داود أتقنت من ها هنا من هدبة وسمعته من أبي الوليد ولم أضبطه عمرة زمن الحديبية أو من الحديبية وعمرة القضاء في ذي القعدة وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( هدبة ) : بضم الهاء وسكون الدال وفي صحيح : هداب وهما واحد ( إلا التي مع حجته ) : أي العمرة كلها في ذي القعدة إلا التي في حجته ، كانت في ذي الحجة ، قاله الحافظ . وقال ابن القيم : ولا تناقض بين حديث أنس أنهن في ذي القعدة ، إلا التي مع حجته ، وبين قول عائشة وابن عباس لم يعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في ذي القعدة ؛ لأن مبدأ عمرة القران كان في ذي القعدة ونهايتها كان في ذي الحجة مع انقضاء الحج ، فعائشة وابن عباس أخبرا عن ابتدائها وأنس أخبر عن انقضائها . ( أتقنت ) : من الإتقان وهو الحفظ والضبط التام ( من هاهنا ) : الذي يأتي بعد ذلك وهو من قوله : عمرة زمن الحديبية إلى آخر الحديث ( من هدبة ) : بن خالد ( وسمعته ) : أي القول المذكور آنفا ( من أبي الوليد ) : الطيالسي ( ولم أضبطه ) : أي لم أحفظه كما ينبغي . ثم شرع في بيان لفظ هدبة فقال ( عمرة زمن الحديبية ) : [ ص: 368 ] نصب باعتمر ، وهي العمرة الأولى ( أو من الحديبية ) : هذا شك من أحد الرواة فوق أبي داود ، وهكذا أخرجه مسلم بالشك . وأما البخاري فأخرجه من غير شك ، ولفظه : عمرته من الحديبية . ( وعمرة القضاء في ذي القعدة ) : من العام المقبل هي العمرة الثانية وهي عمرة القضاء والقضية ، وإنما سميت بهما ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قاضى قريشا لا أنها وقعت قضاء عن العمرة التي صدر عنها إذ لو كان كذلك لكانتا عمرة واحدة ، وهذا مذهب المالكية والشافعية ، وتقدم بيان ذلك .

                                                                      وقال الحنفية : هي قضاء عنها ، قال ابن الهمام في فتح القدير شرح الهداية : وتسمية الصحابة وجميع السلف إياها بعمرة القضاء ظاهر خلافه ، وتسمية بعضهم إياها عمرة القضية لا ينفيه ، فإنه اتفق في الأولى مقاضاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل مكة على أن يأتي من العام المقبل فيدخل مكة بعمرة ويقيم ثلاثا ، وهذا الأمر قضية تصح إضافة هذه العمرة إليها ، فإنها عمرة كانت عن تلك القضية فهي قضاء عن تلك القضية فتصح إضافتها إلى كل منهما ، ثبوته بلا معارض انتهى . ( وعمرة من الجعرانة ) : هي الثالثة ( غنائم ) : جمع غنيمة وهي ما نيل من أهل الشرك عنوة والحرب قائمة ، والفيء ما ينال منهم بعد أن تضع الحرب أوزارها ( حنين ) : بالصرف واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال ، وكانت في سنة ثمان في زمن غزوة الفتح ، ودخل - عليه الصلاة والسلام - بهذه العمرة إلى مكة ليلا وخرج منها ليلا إلى الجعرانة فبات بها ، فلما أصبح وزالت الشمس خرج في بطن سرف حتى جامع الطريق ، ومن ثم خفيت هذه العمرة على كثير من الناس ، قاله القسطلاني . ( وعمرة مع حجته ) : في ذي الحجة هي الرابعة .

                                                                      والحديث أخرجه البخاري ومسلم من طريق هدبة بن خالد . وأخرج أيضا البخاري من طريق أبي الوليد وساق متنه بالضبط والإتقان . وأخرجه الترمذي .

                                                                      فائدة : ولم يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اعتمر في السنة إلا مرة واحدة ، ولم يعتمر في سنة مرتين . فإن قيل فبأي شيء يستحبون العمرة في السنة مرارا خصوصا في رمضان ، ثم لم يثبتوا ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشتغل في العبادات بما هو أهم من العمرة ، ولم يكن يمكنه الجمع بين تلك العبادات وبين العمرة ، فإنه لو اعتمر مرارا لبادرت الأمة إلى ذلك وكان يشق عليها ، وقد كان يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرا من العمل وهو يحب أن يعمله خشية المشقة عليهم . ولما دخل البيت خرج منه حزينا ، فقالت له عائشة في ذلك ، فقال : إني أخاف أن [ ص: 369 ] أكون قد شققت على أمتي . ، وهم أن ينزل يستسقي مع سقاة زمزم للحاج ، فخاف أن يغلب أهلها على سقايتهم بعده . وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ، رواه الشيخان من حديث أبي هريرة . ولفظ الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا تابعوا بين الحج والعمرة ، وفيه دليل على أن التفريق بين الحج والعمرة في التكرار وتنبيه على ذلك ، إذ لو كانت العمرة بالحج لا تعقل في السنة إلا مرة لسوى بينهما ولم يفرقا . وقد ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بلفظه فثبت الاستحباب من غير تقييد .

                                                                      ولا شك أن الحديث فيه دليل على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال : يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة ، كالمالكية وهذا القول لا يصح ، والصحيح جواز الاستكثار من الاعتمار ، وخالف مالكا مطرف من أصحابه وابن المواز . قال مطرف : لا بأس بالعمرة في السنة مرارا . وقال ابن المواز أرجو أن لا يكون به بأس . وقد اعتمرت عائشة مرتين في شهر ولا أدري أن يمنع أحد من التقرب إلى الله بشيء من الطاعات ولا من الازدياد من الخير في موضع ، ولم يأت بالمنع منه نص ، وهذا قول الجمهور . ويكفي في هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعمر عائشة من التنعيم سوى عمرتها التي كانت أهلت بها ، وذلك في عام واحد ، واعتمرت عائشة في سنة مرتين . فقيل للقاسم لم ينكر عليها أحد ؟ فقال : أعلى أم المؤمنين . وكان أنس إذا جمم رأسه خرج فاعتمر . وعن علي أنه كان يعتمر في السنة مرارا . ذكره ابن القيم وأطال الكلام فيه .




                                                                      الخدمات العلمية