الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الفصل الثالث )

1715 - عن أنس قال : شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تدفن ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة : أنا . قال : فانزل في قبرها ، فنزل في قبرها . رواه البخاري .

التالي السابق


الفصل الثالث

1715 - ( عن أنس : قال : شهدنا ) أي : حضرنا . ( بنت رسول صلى الله عليه وسلم ) أي : أم كلثوم قاله ابن حجر . ( تدفن ) في حال دفنها . ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ) جملة حالية . ( على القبر ) أي : شفيره . ( فرأيت عينيه تدمعان ) تسيلان دمعا . ( فقال : هل فيكم من أحد ؟ ) من زائدة . ( لم يقارف ) في النهاية : قارف الذنب إذا أتاه ، ولاصقه ، وقارف امرأته إذا جامعها ، وفي جامع الأصول : لم يقارف أي : لم يذنب ذنبا ، ويجوز أن يراد الجماع فكني عنه ، ذكره الطيبـي : [ ص: 1227 ] ( الليلة ) أي : البارحة بقرينة السؤال ، نقل ميرك : قال الراوي : يعني لم يقارف الذنب ، قال أهل اللغة : قرف على نفسه ذنوبا كسبها ، وقارف فلان الشيء إذا دناه ، وفي حديث عائشة : كان يصبح جنبا من قراف أي : خلاط وجماع ، وكل شيء قاربته ، فقد قارفته . قيل : إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أراد أن يعلم أن عثمان وكان تحته بنت النبي صلى الله عليه وسلم التي توفيت ، هل خالط امرأته أي : الأخرى تلك الليلة ؟ فلم يقل عثمان لم أقارف أنا ) ، كذا في شرح البخاري للحافظ إسماعيل الأصفهاني ، وضعفه ظاهر . ( فقال أبو طلحة : أنا ظاهره أن المراد بالمقارفة الجماع ، وإن كانت الحكمة مجهولة عندنا فإن الجزم بعدم مقارفة الذنب مستبعد من الأكابر . ( قال : فانزل في قبرها ) فنزل في قبرها الظاهر لأن يدفنها فيه فيكون من خصوصياته ، أو إشارة إلى بيان الجواز ، ويمكن أن يكون نزوله المساعدة ، والمحرم دفنها . قال أبو الهمام : لا يدخل أحد من النساء القبر ، ولا يخرجهن إلا الرجال ; لأن مس الأجنبي لها بحائل عند الضرورة جائز في حياتها فكذا بعد موتها ، فإذا ماتت ولا محرم دفنها أهل الصلاح من مشايخ جيرانها ، فإن لم يكونوا فالشباب الصلحاء ، أما إن كان لها محرم ولو من رضاع أو صهرية نزل ، وألحدها . قال النووي : ولا يشكل هذا الحديث على قولهم : إن المحارم والزوج أولى من صالح الأجانب ، لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم وعثمان كان لهما عذر منعهما نزول القبر ، نعم يؤخذ من الخبر أنه لو كان ثمة صلحاء وأحدهم بعيد العهد بالجماع قدم ، وأخرج أحمد : أن رقية لما ماتت قال صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل القبر رجل قارف الليلة ، فلم يدخل عثمان . قال ابن حجر : وظاهره مع ما مر أن عثمان وقع له ذلك في كل من زوجته رقية وأم كلثوم اهـ .

وفيه أنه لا دلالة في حديث الأصل أنها أم كلثوم فيحمل المجمل على المبين ، وأما تعليله بأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على جماع عثمان تلك الليلة فكنى عن منعه بقوله : أيكم لم يقارف ؟ فسكت فصدق صلى الله عليه وسلم ما بلغه فأمر أبا طلحة لما نفى ذلك عن نفسه بأن يتولى إدخالها ، وإنما منع من دخول القبر لأنه لفرط شهوته قارف تلك الليلة ، فخشي صلى الله عليه وسلم إن نزل أن يتذكر شيئا فيذهل من الإتيان بكمال المندوبات التي تفعل بالميت في القبر ، فعلى تقدير صحته مناف ; لأن يقع متعددا من عثمان رضي الله عنه ( رواه البخاري ) .




الخدمات العلمية