الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الفصل الثاني )

1987 - عن حفصة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " .

رواه الترمذي وأبو داود والنسائي والدارمي . وقال أبو داود : وقفه على حفصة معمر والزيدي وابن عيينة ويونس الأيلي كلهم عن الزهري .

التالي السابق


( الفصل الثاني )

1987 - ( عن حفصة ) أم المؤمنين ( قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من لم يجمع " ) بالتخفيف ويشدد قيل الإجماع والإزماع والعزم بمعنى ، وهو إحكام النية ، وقيل الإجماع هو العزم التام ، وحقيقته جمع رأيه عليه ، أي من لم ينو " الصيام " وقال الطيبي : يقال أجمع الأمر وعلى الأمر وأزمع عليه وأزمعه أيضا إذا صمم عزمه ، ومنه قوله - تعالى - وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم أي أحكموه بالعزيمة ، والمعنى من لم يصمم العزم على الصوم " قبل الفجر فلا صيام له " وظاهر الحديث أنه لا يصح الصوم بلا نية قبل الفجر فرضا كان أو نفلا ، وإليه ذهب ابن عمر وجابر بن زيد ومالك والمزني وداود ، وذهب الباقون إلى جواز النفل بنية من النهار ، وخصصوا هذا الحديث بما روي عن عائشة أنها قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتيني فيقول : " أعندك غداء ؟ " فأقول : لا ، فيقول : " إني صائم " ، وفي رواية : " إني إذن لصائم " ، وإذن للاستقبال وهو جواب وجزاء اهـ والغداء بفتح المعجمة وبالدال المهملة اسم لما يؤكل قبل الزوال ، ومن ثمة [ ص: 1383 ] لم تجز النية بعد الزوال ولا معه ، والصحيح أن توجد النية في أكثر النهار الشرعي فيكون قبل الصحوة الكبرى ، قال ابن حجر : وفي قول الشافعي وغيره أن نية صوم النفل تصح قبل الغروب لما صح عن فعل حذيفة ، واتفقوا على اشتراط التبييت في فرض لم يتعلق بزمان معين كالقضاء والكفارة والنذر المطلق ، واختلفوا فيما له زمان معين كرمضان ، والنذر المعين ، فكذا عند الشافعي وأحمد ، وعند أبي حنيفة - رحمه الله - يجوز بنية قبل نصف النهار الشرعي ، قال الطيبي : إلا أن مالكا وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين عنه قالوا : لو نوى أول ليلة من رمضان صيام جميع الشهر أجزأه لأن الكل كصوم يوم وهو قياس على الزكاة لا يقابل النص ( رواه الترمذي وأبو داود والنسائي والدارمي ) وقال الترمذي : وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله ، وهو أصح ، وقال النسائي : الصواب أنه موقوف ولم يصح رفعه ، قال أبو داود : ورواه الليث وإسحاق بن حازم ، ويحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم مرفوعا ، قال الدارقطني : رفعه عبد الله بن أبي بكر بن حزم وهو من الثقات الأثبات ، وروى الخطابي قال : وزيادات الثقات مقبولة ، وقال البيهقي : عبد الله بن أبي بكر أقام إسناده ورفعه ، وهو من الثقات الأثبات ، وروى الدارقطني عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له " وقال : رواته كلهم ثقات ، كذا قال الشيخ الجزري ، وقال الشيخ ابن حجر : اختلف في رفع الحديث ووقفه ، ورجح الترمذي والنسائي وقفه بعد أن أطنب النسائي في تخريج طرقه ، وحكى الترمذي في العلل عن البخاري ترجيح وقفه ، وعمل بظاهر الإسناد جماعة فصححوا رفعه ، منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن حزم ، كذا ذكره ميرك ( وقال أبو داود : وقفه على حفصة معمر ) بسكون العين بين فتحتي الميمين ( والزبيدي ) بالتصغير ، قال الطيبي : هو محمد بن الوليد صاحب الزهري ( وابن عيينة ويونس ) أي ابن يزيد ( الأيلي ) بفتح الهمزة وسكون الياء تحتها نقطتان وباللام ، قال الطيبي : نسبه إلى بلدة بالشام ، ذكره في الجامع ( كلهم عن الزهري ) قال النووي : الحديث صحيح ، قال : ورواه أصحاب السنن وغيرهم بأسانيد كثيرة رفعا ، وقد قال الدارقطني في بعض طرقه الموصولة : رجال إسناده كلهم أجلة ثقات ، قال ابن حجر : وإذا ثبت صحة الحديث واستحضرت القاعدة المقررة أن النفي إذا أطلق إنما ينصرف لنفي الحقيقة دون نفي كمالها علم منه وجوب النية ، ورد قول عطاء ومجاهد وزفر : لا تجب لرمضان نية لتعيينه ، وعدم انعقاد غيره فيه .

قال ابن الهمام : روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة واختلفوا في لفظه " لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل " يجمع بالتشديد والتخفيف يبيت ولا صيام لمن لم يفرضه من الليل ، رواية ابن ماجه ، واختلفوا في رفعه ووقفه ، والأكثر على وقفه ، ولنا ما في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس : أن من أكل فليصم بقية يومه ، ومن لم يكن أكل فليصم ، فإن اليوم يوم عاشوراء ، وكان يوم عاشوراء يصومه قريش في الجاهلية ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يصومه ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان قال - صلى الله عليه وسلم - : " من شاء تركه " ، قال الطحاوي : فيه دليل على أنه كان أمر إيجاب قبل نسخه برمضان إذ لا يؤمر بإمساك من أكل بقية اليوم إلا في يوم مفروض الصوم بعينه ابتداء ، بخلاف قضاء رمضان إذا أفطر فيه ، فعلم أن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلا أنه تجزئه نيته نهارا ، قال : ثم يجب تقديم ما رويناه على مرويه لقوة ما في الصحيحين بالنسبة إلى ما رواه بعد ما نقلنا فيه من الاختلاف في صحة رفعه ، فيلزم إذ قدم كون المراد به نفي الكمال كما في أمثاله من نحو ( لا وضوء لمن لم يسم ) وغيره كثير اهـ ملخصا .

[ ص: 1384 ]



الخدمات العلمية