الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
4960 - وعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " nindex.php?page=hadith&LINKID=10365633nindex.php?page=treesubj&link=30395أهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قرب ومسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال . nindex.php?page=treesubj&link=30437وأهل النار خمسة : الضعيف الذي لا زبر له ، الذين فيكم تبع لا يبغون أهلا ولا مالا ، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك ، وذكر البخل أو الكذب . والشنظير : الفحاش " . رواه مسلم .
4960 - ( وعن عياض بن حمار ) وهو اسم الحيوان المعروف ، والعرب ما كانوا يتحاشون عن مثل هذه الأسماء حتى كانوا يسمون أولادهم كلبا وكلابا . قال المؤلف : هو عياض بن حمار التميمي المجاشعي ، يعد في البصريين ، وكان صديقا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسلم قديما ، روى عنه جماعة - رضي الله عنه - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الجنة ثلاثة ) أي : ثلاثة أجناس من الأشخاص ( ذو سلطان ) أي : حكم . قال الطيبي أي : سلطان ; لأنه ذو قهر وغلبة من السلاطة ، وهي التمكن من القهر . قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=90ولو شاء الله لسلطهم ، ومنه سمي السلطان ، وقيل : ذو حجة لأنه يقام الحجج به ( مقسط ) بالرفع صفة المضاف أي : عادل ، يقال : أقسط فهو مقسط : إذا عدل ، وقسط فهو قاسط : إذا جار ، فالهمزة فيه للسلب كما يقال : شكا إليه فأشكاه ( متصدق ) أي : محسن إلى الناس ( موفق ) أي الذي هيئ له أسباب الخير ، وفتح له أبواب البر ( ورجل رحيم ) أي : على الصغير والكبير ( رقيق القلب لكل ذي قربى ) خصوصا ( ومسلم ) أي : لكل مسلم عموما . قال الطيبي : مفسر لقوله ( رحيم ) أي : يرق قلبه ، ويرحم لكل من بينه وبينه لحمة القرابة أو صلة الإسلام . اهـ
والظاهر أن يراد بالرحيم صيغة فعلية يظهر وجودها في الخارج ، وبالرقيق صفة قلبية سواء ظهر أثرها أم لا . والثاني أظهر ، فيكون باعتبار القوة والأول باعتبار الفعل ، ويمكن أن تتعلق رحمة الرحيم إلى المعنى الأعم من الإنسان والحيوان الشامل للمؤمن والكافر والدواب ، فيكون الثاني أخص . والحاصل أن التأسيس أولى من التأكيد .
( وعفيف ) بالرفع على أنه الثالث من الثلاثة أي : مجتنب عما لا يحل ( متعفف ) أي : عن السؤال متوكل على الملك المتعال في أمره وأمر عياله مع فرض وجودهم ، فإنه أصعب ، ولهذا قال : ( ذو عيال ) أي : لا يحمله حب العيال ولا خوف رزقهم على ترك التوكل بارتكاب سؤال الخلق ، وتحصيل المال الحرام والاشتغال بهم عن
[ ص: 3107 ] العلم والعمل مما يجب عليه ، ويحتمل أنه أشار بالعفيف إلى ما في نفسه من القوة المانعة عن الفواحش ، وبالمتعفف إلى إبراز ذلك بالفعل واستعمال تلك القوة لإظهار العفة عن نفسه . قال الطيبي : وإذ استقريت nindex.php?page=treesubj&link=28766أحوال العباد على اختلافها لم تجد أحدا يستأهل أن يدخل الجنة ، ويحق له أن يكون من أهلها إلا وهو مندرج تحت هذه الأقسام غير خارج عنها ( وأهل النار خمسة ) إشارة إلى كثرتهم ( nindex.php?page=treesubj&link=30437الضعيف الذي لا زبر له ) بفتح الزاي وسكون الموحدة أي : لا رأي ولا عقل كاملا يعقله ، ويمنعه عن ارتكاب ما لا ينبغي ، وقد ورد : nindex.php?page=hadith&LINKID=10365634الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له ، وفي القاموس : الزبر العقل والكمال والصبر والانتهار والمنع والنهي . اهـ . ولكل وجه في المعنى .
وفي شرح السنة أي : لا عقل له ، وفي الغريبين يقال : ما له زبر أي عقل . قال التوربشتي : المعنى لا يستقيم عليه ; لأن nindex.php?page=treesubj&link=20741من لا عقل له لا تكليف عليه ، فكيف يحكم بأنه من أهل النار ، وأرى الوجه فيه أن يفسر بالتماسك ، فإن أهل اللغة يقولون لا زبر له أي : لا تماسك له ، وهو في الأصل مصدر ، والمعنى : لا تماسك له عند مجيء الشهوات ، فلا يرتدع عن فاحشة ولا يتورع عن حرام . قلت : التماسك إنما هو من كمال العقل وحاصل بالصبر فيحمل على أحدهما .
وأغرب الطيبي في قوله : لعل الشيخ ذهب إلى أن قوله : ( الذين هم فيكم تبع ) قسم آخر من الأقسام الخمسة ، ولذلك فسره بقوله يعني به الخدام الذين يكتفون بالشبهات ، وعليه كلام القاضي ; حيث قال : الذين هم فيكم تبع يريد به الخدام الذين لا مطمح لهم ولا مطمع إلا ما يملأون به بطونهم من أي وجه كان ، ولا تتخطى هممهم إلى ما وراء ذلك من أمر ديني أو دنيوي . أقول : والظاهر أن الضعيف وصف باعتبار لفظه تارة بالمفرد ، وباعتبار الجنس أخرى بالجمع ، أو الموصول الثاني بيان أو بدل مما قبله لعدم العاطف كما في الأصول المشهورة ، وعليه كلام الأشرف ; حيث قال : الذي في قول الذي لا زبر له بمعنى الذين للجمع ، وهو الذي جوز جعل قوله الذين هم فيكم تبع بدلا من قوله الذي لا زبر له . اهـ كلامه . وعلى هذا لا يتوجه الإشكال الذي أورده الشيخ التوربشتي ، ويتعين تقسيم الأقسام الخمسة . أحدها : الضعيف ، وثانيها : الخائن ، وثالثها : رجل ، ورابعها : البخيل ، وخامسها : الشنظير . تم كلام الطيبي .
ووجه غرابته أنه ليس في كلام الشيخ والقاضي ما يدل على جعله قسما آخر ، وهما أعقل من أن يخالفا النص على الخمس بالزيادة عليه ، لا سيما عند عدم وجود العاطف على ما في الأصول المشهورة ، ولا دلالة لتفسيريهما على ما توهم الفاضل ، إذ لا منافاة بين الوصف السابق واللاحق ، بل الثاني مميز للأول ، وحاصله أن القسم الأول هو جنس الضعيف في أمر دينه الناقصون في عقولهم الذين هم فيكم تبع ( لا يبغون أهلا ) أي : لا يطلبون زوجة ولا سرية ، فأعرضوا عن الحلال وارتكبوا الحرام ( ولا مالا ) أي : ولا يطلبون مالا حلالا من طريق الكد والكسب الطيب ، فقيل : هم الخدم الذين يكتفون بالشبهات والمحرمات التي سهل عليهم مأخذها عما أبيح لهم ، وليس لهم داعية إلى ما وراء ذلك من أهل ومال ، وقيل : هم الذين يدورون حول الأمراء ويخدمونهم ، ولا يبالون من أي وجه يأكلون ويلبسون ، أمن الحلال أم من الحرام ، ليس لهم ميل إلى أهل ولا إلى مال ، بل قصروا أنفسهم على المأكل والمشرب ، ثم الإشكال الذي أورده الشيخ على معنى لا زبر له لا تعلق له بأن يكون ما بعده قسما آخر أو لا . والله أعلم . ثم قوله : تبع هو الأصل وفي نسخة بالنصب وهو بفتحتين جمع تابع كخدم جمع خادم .
قال الطيبي : تبع في بعض نسخ المصابيح مرفوع كما في صحيح مسلم على أنه فاعل الظرف أو مبتدأ خبره الظرف ، والجملة خبرهم ، وفي بعضها منصوب كما في الحميدي وجامع الأصول ، وهو حال من الضمير المستتر في الخبر . اهـ . وقوله : لا يبغون بفتح الياء وتسكين الموحدة وضم الغين المعجمة في النسخ المصححة المعتمدة ، وفي بعضها بفتح الياء وتشديد الفوقية وكسر الموحدة والعين المهملة من الاتباع ، وفي نسخة بضم الياء وسكون الفوقية وكسر الموحدة والعين المهملة . قال النووي : لا يتبعون بالعين المهملة يخفف ويشدد من الاتباع [ ص: 3108 ] وفي بعض النسخ يبغون بالغين المعجمة ( nindex.php?page=treesubj&link=30437_18862_18853والخائن الذي لا يخفى له طمع ) مصدر بمعنى المفعول قال القاضي أي : لا يخفى عليه شيء مما يمكن أن يطمع فيه ( وإن دق ) بحيث لا يكاد أن يدرك ( إلا خانه ) أي : إلا وهو يسعى في التفحص عنه ، والتطلع عليه حتى يجده فيخونه ، وهذا هو الإغراق في الوصف بالخيانة . قلت : بل هو إغراق في وصف الطمع ، والخيانة تابعة له ، والمعنى أنه لا يتعدى عن الطمع ، ولو احتاج إلى الخيانة ، ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : الطمع فساد الدين والورع صلاحه . قال : ويحتمل أن يكون ( خفيا ) من الأضداد والمعنى لا يظهر له شيء يطمع فيه إلا خانه ، وإن كان شيئا يسيرا . قلت : لا خفاء في أن المعنى الأسبق أبلغ وأنسب بقوله : وإن دق ، فهو بالاعتبار أولى وأحق ، وإن كان تعدية ( خفي ) باللام في معنى الإظهار أظهر ، فإنه يقال خفي له أي : ظهر ، وخفي عليه الأمر أي : استتر على ما ذكره بعض الشراح ، لكن في القاموس خفاه يخفيه : أظهره وخفي كرضي لم يظهر ، اهـ
فالمعنى الأول هو المعول في فتح الفاء في لا يخفى إلا إن ثبتت الرواية بكسرها كما لا يخفى والله أعلم .
( ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك ) أي : بسببهما فعن بمعنى الباء كما في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى ، على ما في القاموس ، الكشاف في قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فأزلهما الشيطان عنها ، أي : حملهما الشيطان على الزلة بسببها ( وذكر ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان الشك الآتي من الصحابي ، أو ذكر عياض إن كان من التابعي وهلم جرا ( البخل ) أي : في القسم الرابع ( أو الكذب ) : قال التوربشتي أي : البخيل والكذاب أقام المصدر مقام الفاعل ، وقال الطيبي : ولعل الراوي نسي ألفاظا ذكرها - صلى الله عليه وسلم - في شأن البخيل أو الكذاب ، فعبر بهذه الصيغة ، وإلا كان يقول : والبخيل أو الكذاب . قلت : المعنى كما قال الشيخ ، سواء كان هناك صفة أخرى لهما أم لا . هذا وروي بالواو وحينئذ إما أن يجعل اثنين من الخمسة فيكون قوله : ( والشنظير ) منصوبا عطفا على الكذب تتمة له ، وإما أن يجعلا واحدا فيكون الشنظير مرفوعا . كذا قاله شارح ، لكن قوله : تتمة له غير صحيح ; لأن التعدد المفهوم من الواو ، وهو الذي فر منه واقع فيه ، ولا يصح أن يكون الشنظير عطف تفسير للكذب لما بينهما من التباين ، فالصواب أن الواو بمعنى " أو " كما يدل عليه الأصول المعتمدة والنسخ الصحيحة ، ثم الشنظير بكسر الشين والظاء المعجمتين بينهما نون ساكنة السيئ الخلق ، وهو مرفوع على التصحيح كما سبق . قوله : ( الفاحش ) نعت له ، وليس بمعنى له أي : المكثر للفحش ، والمعنى : أنه مع سوء خلقه فحاش في كلامه لما بينهما من التلازم الغالبي ، هذا وفي شرح مسلم للنووي في أكثر النسخ : أو الكذب بأو وفي بعضها بالواو ، والأول هو المشهور في نسخ بلادنا ، وقال القاضي عياض : روايتنا عن جميع شيوخنا بالواو إلا ابن أبي جعفر عن الطبري ، وقال بعض الشيوخ : ولعله الصواب ، وبه تكون المذكورات خمسة . قال الطيبي : فعلى هذا قوله : والشنظير مرفوع فيكون عطفا على رجل كما سبق ، وعلى تأويل الواو ينبغي أن يكون منصوبا من تتمة الكذب أو البخل أو البخيل nindex.php?page=treesubj&link=30437_19089_19509السيئ الخلق الفحاش أو الكذاب السيئ الخلق الفحاش . اهـ . وما قدمناه هو التحقيق وإن خفي على بعض أرباب التدقيق والله ولي التوفيق . ( رواه مسلم ) .
4960 - ( وعن عياض بن حمار ) وهو اسم الحيوان المعروف ، والعرب ما كانوا يتحاشون عن مثل هذه الأسماء حتى كانوا يسمون أولادهم كلبا وكلابا . قال المؤلف : هو عياض بن حمار التميمي المجاشعي ، يعد في البصريين ، وكان صديقا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسلم قديما ، روى عنه جماعة - رضي الله عنه - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الجنة ثلاثة ) أي : ثلاثة أجناس من الأشخاص ( ذو سلطان ) أي : حكم . قال الطيبي أي : سلطان ; لأنه ذو قهر وغلبة من السلاطة ، وهي التمكن من القهر . قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=90ولو شاء الله لسلطهم ، ومنه سمي السلطان ، وقيل : ذو حجة لأنه يقام الحجج به ( مقسط ) بالرفع صفة المضاف أي : عادل ، يقال : أقسط فهو مقسط : إذا عدل ، وقسط فهو قاسط : إذا جار ، فالهمزة فيه للسلب كما يقال : شكا إليه فأشكاه ( متصدق ) أي : محسن إلى الناس ( موفق ) أي الذي هيئ له أسباب الخير ، وفتح له أبواب البر ( ورجل رحيم ) أي : على الصغير والكبير ( رقيق القلب لكل ذي قربى ) خصوصا ( ومسلم ) أي : لكل مسلم عموما . قال الطيبي : مفسر لقوله ( رحيم ) أي : يرق قلبه ، ويرحم لكل من بينه وبينه لحمة القرابة أو صلة الإسلام . اهـ
والظاهر أن يراد بالرحيم صيغة فعلية يظهر وجودها في الخارج ، وبالرقيق صفة قلبية سواء ظهر أثرها أم لا . والثاني أظهر ، فيكون باعتبار القوة والأول باعتبار الفعل ، ويمكن أن تتعلق رحمة الرحيم إلى المعنى الأعم من الإنسان والحيوان الشامل للمؤمن والكافر والدواب ، فيكون الثاني أخص . والحاصل أن التأسيس أولى من التأكيد .
( وعفيف ) بالرفع على أنه الثالث من الثلاثة أي : مجتنب عما لا يحل ( متعفف ) أي : عن السؤال متوكل على الملك المتعال في أمره وأمر عياله مع فرض وجودهم ، فإنه أصعب ، ولهذا قال : ( ذو عيال ) أي : لا يحمله حب العيال ولا خوف رزقهم على ترك التوكل بارتكاب سؤال الخلق ، وتحصيل المال الحرام والاشتغال بهم عن
[ ص: 3107 ] العلم والعمل مما يجب عليه ، ويحتمل أنه أشار بالعفيف إلى ما في نفسه من القوة المانعة عن الفواحش ، وبالمتعفف إلى إبراز ذلك بالفعل واستعمال تلك القوة لإظهار العفة عن نفسه . قال الطيبي : وإذ استقريت nindex.php?page=treesubj&link=28766أحوال العباد على اختلافها لم تجد أحدا يستأهل أن يدخل الجنة ، ويحق له أن يكون من أهلها إلا وهو مندرج تحت هذه الأقسام غير خارج عنها ( وأهل النار خمسة ) إشارة إلى كثرتهم ( nindex.php?page=treesubj&link=30437الضعيف الذي لا زبر له ) بفتح الزاي وسكون الموحدة أي : لا رأي ولا عقل كاملا يعقله ، ويمنعه عن ارتكاب ما لا ينبغي ، وقد ورد : nindex.php?page=hadith&LINKID=10365634الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له ، وفي القاموس : الزبر العقل والكمال والصبر والانتهار والمنع والنهي . اهـ . ولكل وجه في المعنى .
وفي شرح السنة أي : لا عقل له ، وفي الغريبين يقال : ما له زبر أي عقل . قال التوربشتي : المعنى لا يستقيم عليه ; لأن nindex.php?page=treesubj&link=20741من لا عقل له لا تكليف عليه ، فكيف يحكم بأنه من أهل النار ، وأرى الوجه فيه أن يفسر بالتماسك ، فإن أهل اللغة يقولون لا زبر له أي : لا تماسك له ، وهو في الأصل مصدر ، والمعنى : لا تماسك له عند مجيء الشهوات ، فلا يرتدع عن فاحشة ولا يتورع عن حرام . قلت : التماسك إنما هو من كمال العقل وحاصل بالصبر فيحمل على أحدهما .
وأغرب الطيبي في قوله : لعل الشيخ ذهب إلى أن قوله : ( الذين هم فيكم تبع ) قسم آخر من الأقسام الخمسة ، ولذلك فسره بقوله يعني به الخدام الذين يكتفون بالشبهات ، وعليه كلام القاضي ; حيث قال : الذين هم فيكم تبع يريد به الخدام الذين لا مطمح لهم ولا مطمع إلا ما يملأون به بطونهم من أي وجه كان ، ولا تتخطى هممهم إلى ما وراء ذلك من أمر ديني أو دنيوي . أقول : والظاهر أن الضعيف وصف باعتبار لفظه تارة بالمفرد ، وباعتبار الجنس أخرى بالجمع ، أو الموصول الثاني بيان أو بدل مما قبله لعدم العاطف كما في الأصول المشهورة ، وعليه كلام الأشرف ; حيث قال : الذي في قول الذي لا زبر له بمعنى الذين للجمع ، وهو الذي جوز جعل قوله الذين هم فيكم تبع بدلا من قوله الذي لا زبر له . اهـ كلامه . وعلى هذا لا يتوجه الإشكال الذي أورده الشيخ التوربشتي ، ويتعين تقسيم الأقسام الخمسة . أحدها : الضعيف ، وثانيها : الخائن ، وثالثها : رجل ، ورابعها : البخيل ، وخامسها : الشنظير . تم كلام الطيبي .
ووجه غرابته أنه ليس في كلام الشيخ والقاضي ما يدل على جعله قسما آخر ، وهما أعقل من أن يخالفا النص على الخمس بالزيادة عليه ، لا سيما عند عدم وجود العاطف على ما في الأصول المشهورة ، ولا دلالة لتفسيريهما على ما توهم الفاضل ، إذ لا منافاة بين الوصف السابق واللاحق ، بل الثاني مميز للأول ، وحاصله أن القسم الأول هو جنس الضعيف في أمر دينه الناقصون في عقولهم الذين هم فيكم تبع ( لا يبغون أهلا ) أي : لا يطلبون زوجة ولا سرية ، فأعرضوا عن الحلال وارتكبوا الحرام ( ولا مالا ) أي : ولا يطلبون مالا حلالا من طريق الكد والكسب الطيب ، فقيل : هم الخدم الذين يكتفون بالشبهات والمحرمات التي سهل عليهم مأخذها عما أبيح لهم ، وليس لهم داعية إلى ما وراء ذلك من أهل ومال ، وقيل : هم الذين يدورون حول الأمراء ويخدمونهم ، ولا يبالون من أي وجه يأكلون ويلبسون ، أمن الحلال أم من الحرام ، ليس لهم ميل إلى أهل ولا إلى مال ، بل قصروا أنفسهم على المأكل والمشرب ، ثم الإشكال الذي أورده الشيخ على معنى لا زبر له لا تعلق له بأن يكون ما بعده قسما آخر أو لا . والله أعلم . ثم قوله : تبع هو الأصل وفي نسخة بالنصب وهو بفتحتين جمع تابع كخدم جمع خادم .
قال الطيبي : تبع في بعض نسخ المصابيح مرفوع كما في صحيح مسلم على أنه فاعل الظرف أو مبتدأ خبره الظرف ، والجملة خبرهم ، وفي بعضها منصوب كما في الحميدي وجامع الأصول ، وهو حال من الضمير المستتر في الخبر . اهـ . وقوله : لا يبغون بفتح الياء وتسكين الموحدة وضم الغين المعجمة في النسخ المصححة المعتمدة ، وفي بعضها بفتح الياء وتشديد الفوقية وكسر الموحدة والعين المهملة من الاتباع ، وفي نسخة بضم الياء وسكون الفوقية وكسر الموحدة والعين المهملة . قال النووي : لا يتبعون بالعين المهملة يخفف ويشدد من الاتباع [ ص: 3108 ] وفي بعض النسخ يبغون بالغين المعجمة ( nindex.php?page=treesubj&link=30437_18862_18853والخائن الذي لا يخفى له طمع ) مصدر بمعنى المفعول قال القاضي أي : لا يخفى عليه شيء مما يمكن أن يطمع فيه ( وإن دق ) بحيث لا يكاد أن يدرك ( إلا خانه ) أي : إلا وهو يسعى في التفحص عنه ، والتطلع عليه حتى يجده فيخونه ، وهذا هو الإغراق في الوصف بالخيانة . قلت : بل هو إغراق في وصف الطمع ، والخيانة تابعة له ، والمعنى أنه لا يتعدى عن الطمع ، ولو احتاج إلى الخيانة ، ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : الطمع فساد الدين والورع صلاحه . قال : ويحتمل أن يكون ( خفيا ) من الأضداد والمعنى لا يظهر له شيء يطمع فيه إلا خانه ، وإن كان شيئا يسيرا . قلت : لا خفاء في أن المعنى الأسبق أبلغ وأنسب بقوله : وإن دق ، فهو بالاعتبار أولى وأحق ، وإن كان تعدية ( خفي ) باللام في معنى الإظهار أظهر ، فإنه يقال خفي له أي : ظهر ، وخفي عليه الأمر أي : استتر على ما ذكره بعض الشراح ، لكن في القاموس خفاه يخفيه : أظهره وخفي كرضي لم يظهر ، اهـ
فالمعنى الأول هو المعول في فتح الفاء في لا يخفى إلا إن ثبتت الرواية بكسرها كما لا يخفى والله أعلم .
( ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك ) أي : بسببهما فعن بمعنى الباء كما في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى ، على ما في القاموس ، الكشاف في قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فأزلهما الشيطان عنها ، أي : حملهما الشيطان على الزلة بسببها ( وذكر ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان الشك الآتي من الصحابي ، أو ذكر عياض إن كان من التابعي وهلم جرا ( البخل ) أي : في القسم الرابع ( أو الكذب ) : قال التوربشتي أي : البخيل والكذاب أقام المصدر مقام الفاعل ، وقال الطيبي : ولعل الراوي نسي ألفاظا ذكرها - صلى الله عليه وسلم - في شأن البخيل أو الكذاب ، فعبر بهذه الصيغة ، وإلا كان يقول : والبخيل أو الكذاب . قلت : المعنى كما قال الشيخ ، سواء كان هناك صفة أخرى لهما أم لا . هذا وروي بالواو وحينئذ إما أن يجعل اثنين من الخمسة فيكون قوله : ( والشنظير ) منصوبا عطفا على الكذب تتمة له ، وإما أن يجعلا واحدا فيكون الشنظير مرفوعا . كذا قاله شارح ، لكن قوله : تتمة له غير صحيح ; لأن التعدد المفهوم من الواو ، وهو الذي فر منه واقع فيه ، ولا يصح أن يكون الشنظير عطف تفسير للكذب لما بينهما من التباين ، فالصواب أن الواو بمعنى " أو " كما يدل عليه الأصول المعتمدة والنسخ الصحيحة ، ثم الشنظير بكسر الشين والظاء المعجمتين بينهما نون ساكنة السيئ الخلق ، وهو مرفوع على التصحيح كما سبق . قوله : ( الفاحش ) نعت له ، وليس بمعنى له أي : المكثر للفحش ، والمعنى : أنه مع سوء خلقه فحاش في كلامه لما بينهما من التلازم الغالبي ، هذا وفي شرح مسلم للنووي في أكثر النسخ : أو الكذب بأو وفي بعضها بالواو ، والأول هو المشهور في نسخ بلادنا ، وقال القاضي عياض : روايتنا عن جميع شيوخنا بالواو إلا ابن أبي جعفر عن الطبري ، وقال بعض الشيوخ : ولعله الصواب ، وبه تكون المذكورات خمسة . قال الطيبي : فعلى هذا قوله : والشنظير مرفوع فيكون عطفا على رجل كما سبق ، وعلى تأويل الواو ينبغي أن يكون منصوبا من تتمة الكذب أو البخل أو البخيل nindex.php?page=treesubj&link=30437_19089_19509السيئ الخلق الفحاش أو الكذاب السيئ الخلق الفحاش . اهـ . وما قدمناه هو التحقيق وإن خفي على بعض أرباب التدقيق والله ولي التوفيق . ( رواه مسلم ) .