الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( ويؤدي المسلم الفطرة عن عبده الكافر ) ; لإطلاق ما روينا ، ولقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أدوا عن كل حر وعبد ، يهودي أو نصراني أو مجوسي }الحديث ، ولأن السبب قد تحقق والمولى من أهله ، وفيه خلاف الشافعي رحمه الله ; لأن الوجوب عنده على العبد ، وهو ليس من أهله ، ولو كان على العكس فلا وجوب بالاتفاق . [ ص: 500 ] قال ( ومن باع عبدا وأحدهما بالخيار ففطرته على من يصير له ) معناه أنه إذا مر يوم الفطر والخيار باق ، وقال زفر رحمه الله : على من له الخيار ; لأن الولاية له . وقال الشافعي رحمه الله : على من له الملك ; لأنه من وظائفه كالنفقة . ولنا أن الملك موقوف ; لأنه لو رد يعود إلى قديم ملك البائع ، ولو أجيز يثبت الملك للمشتري من وقت العقد ، فيتوقف ما يبتني عليه ، بخلاف النفقة ، [ ص: 501 ] لأنها للحاجة الناجزة فلا تقبل التوقف ، وزكاة التجارة على هذا الخلاف .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : ويؤدي المسلم الفطرة عن عبده الكافر ، لإطلاق ما روينا ، قلت : يشير إلى حديث عبد الله بن ثعلبة ، وإلى حديث ابن عمر أيضا ، فإن لفظ الكتاب ليس فيه من المسلمين .

                                                                                                        الحديث الرابع : روى ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أدوا عن كل [ ص: 500 ] حر وعبد ، يهودي أو نصراني أو مجوسي } ، الحديث ، قلت : أخرجه الدارقطني في " سننه " ، وليس فيه ذكر : المجوسي ، عن سلام الطويل عن زيد العمي عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أدوا صدقة الفطر عن كل صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، يهودي أو نصراني ، حر أو مملوك : نصف صاع ، أو صاعا من تمر ، أو شعير }. انتهى .

                                                                                                        وقال : لم يسنده غير سلام الطويل ، وهو متروك . انتهى .

                                                                                                        ومن طريق الدارقطني ، رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " ، وقال : زيادة اليهودي والنصراني فيه موضوعة ، انفرد بها سلام الطويل ، وكأنه تعمدها ، وأغلظ فيه القول عن النسائي ، وابن معين ، وابن حبان ، وقال في " التحقيق " : قال ابن معين : لا يكتب حديثه ، وضعفه ابن المديني جدا ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات الموضوعات ، كأنه كان المتعمد بها . انتهى .

                                                                                                        أحاديث الباب : روى الدارقطني ، ثم البيهقي من حديث القاسم بن عبد الله بن عامر بن زرارة ، حدثنا عمير بن عمار الهمداني ثنا الأبيض بن الأغر حدثني الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر ، قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير ، والحر والعبد ممن تمونون }. انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : رفعه القاسم هذا ، وهو ليس بالقوي ، والصواب موقوف ، قال صاحب " التنقيح " : القاسم ، وعمير لا يعرفان بجرح ولا تعديل ، وكلاهما من أولاد المحدثين ، فإن والد القاسم مشهور بالحديث ، وجد عمير هو أبو الغريف الهمداني الكوفي مشهور ، والأبيض بن الأغر له مناكير . انتهى .

                                                                                                        وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : الأبيض بن الأغر بن الصباح ذكره ابن أبي حاتم ، ولم يعرف بحاله ، ولم يذكر عمير بن عمار ، وفي الإسناد من يحتاج إلى معرفة حاله . انتهى .

                                                                                                        [ ص: 501 ] حديث آخر } : رواه الدارقطني ، ثم البيهقي أيضا من حديث علي بن الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بنحوه ، وهو مرسل ، فإن جد علي بن موسى هو جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، وجعفر لم يدرك الصحابة ، وقد أخرج له الشيخان .

                                                                                                        وقال ابن حبان في " الثقات " : يحتج بحديثه ، ما لم يكن من رواية أولاده عنه ، فإن في حديث ولده مناكير كثيرة .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البيهقي عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي ، قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه ، وزاد : صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب عن كل إنسان }. انتهى .

                                                                                                        ورواه الشافعي رضي الله عنه ، ومن طريقه البيهقي أنبأ إبراهيم بن محمد الأسلمي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض ، إلى آخره ، قال البيهقي : هذا مرسل ، والأول منقطع ، لكن قال الشافعي : يعضده حديث ابن عمر ، والإجماع . انتهى . وهذا الانقطاع الذي أشار إليه هو بين محمد بن علي ، وجد أبيه علي بن أبي طالب ، قال الشيخ رحمه الله في " الإمام " : وقد يستدل على تعلق الوجوب بالمخرج عنه بلفظ على .

                                                                                                        وعن في الأحاديث المقتضية للوجوب ، فحديث نافع عن ابن عمر ، مروي من طريق مالك ، وعبيد الله بن عمر ، ويحيى بن عمر ، ويحيى بن سعيد ، والضحاك بن عثمان ، فرواية مالك رضي الله عنه في " الصحيحين " بلفظ : { على كل حر ، أو عبد } ، ورواية عبيد الله اختلفت ، فهي في " الصحيحين " بلفظ : { على كل عبد ، أو حر } ، وهي عند البيهقي بلفظ عن وكذلك عند الدارقطني ، ورواية أيوب أيضا في مسلم بلفظة على ورواية الضحاك بن عثمان أيضا عند مسلم بلفظة على ورواية يحيى بن سعيد ، عند البيهقي باللفظين .

                                                                                                        قال الشيخ رحمه الله : وقد يستدل على هذا المقام أيضا بحديث عراك بن مالك عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا صدقة على الرجل في فرسه ، ولا في عبده ، إلا زكاة الفطر } ، رواه بهذا اللفظ الدارقطني في " سننه " ، وأما لفظ مسلم في " صحيحه " [ ص: 502 ] { ليس في العبد صدقة ، إلا صدقة الفطر } ، فليس فيه دلالة . انتهى .

                                                                                                        الآثار : أخرج الطحاوي رحمه الله في " المشكل " عن ابن المبارك عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة قال : { كان يخرج زكاة الفطر عن كل إنسان ، يعول : من صغير وكبير ، حر أو عبد ولو كان نصرانيا مدين من قمح ، أو صاعا من تمر }. انتهى .

                                                                                                        وحديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة ، سيما من رواية ابن المبارك عنه .

                                                                                                        أثر آخر : أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " عن ابن عباس ، قال : { يخرج الرجل زكاة الفطر عن كل مملوك له ، وإن كان يهوديا ، أو نصرانيا }. أثر آخر : أخرجه الدارقطني عن عثمان بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر { أنه كان يخرج صدقة الفطر عن كل حر وعبد ، صغير وكبير ، ذكر وأنثى ، كافر ومسلم ، حتى إن كان ليخرج عن مكاتبيه من غلمانه }. انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : وعثمان هذا هو الوقاصي ، وهو متروك . انتهى .

                                                                                                        أحاديث الخصوم : روى البخاري ، ومسلم من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { فرض زكاة الفطر من رمضان ، على كل الناس : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ لهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين حر أو عبد ، رجل أو امرأة ، صغير أو كبير : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير }. انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ في " الإمام " : وقد اشتهرت هذه اللفظة أعني قوله : من المسلمين من رواية مالك رضي الله عنه ، حتى قيل : إنه تفرد بها ، قال أبو قلابة : عبد الملك بن محمد : ليس أحد يقول فيه : من المسلمين ، غير مالك . وقال الترمذي بعد تخريجه له : زاد فيه مالك : من المسلمين ، وقد رواه غير واحد عن نافع ، فلم يقولوا فيه : من المسلمين . انتهى .

                                                                                                        قال : فمنهم الليث بن سعد ، وحديثه عند مسلم ، وعبيد الله بن [ ص: 503 ] عمر ، وحديثه أيضا عند مسلم ، وأيوب السختياني ، وحديثه عند البخاري ، ومسلم ، كلهم يروونه عن نافع بن عمر ، فلم يقولوا فيه : من المسلمين ، قال : وتبعها على هذه المقالة جماعة ، وليس بصحيح ، فقد تابع مالكا على هذه اللفظة من الثقات سبعة ، إلا أن فيهم من مس ، وهم : عمر بن نافع ، والضحاك بن عثمان ، والمعلى بن إسماعيل ، وعبيد الله بن عمر ، وكثير بن فرقد ، وعبد الله بن عمر العمري ، ويونس بن يزيد .

                                                                                                        فحديث عمر بن نافع : رواه البخاري في " صحيحه " عنه عن أبيه نافع عن ابن عمر ، قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر : صاعا من تمر ، وصاعا من شعير على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل الصلاة }. انتهى .

                                                                                                        وحديث الضحاك بن عثمان : أخرجه مسلم عنه عن نافع عن ابن عمر ، قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان : على كل نفس من المسلمين ، حر أو عبد ، رجل أو امرأة ، صغير أو كبير : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير }. انتهى .

                                                                                                        وحديث المعلى بن إسماعيل : أخرجه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الرابع والعشرين ، من القسم الأول عنه عن نافع عن ابن عمر ، قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر : صاعا من شعير من كل مسلم ، صغير أو كبير ، حر أو عبد }.

                                                                                                        قال ابن عمر : ثم إن الناس جعلوا عدل ذلك مدين من قمح . انتهى .

                                                                                                        وحديث عبد الله بن عمر : أخرجه الحاكم في " المستدرك " عنه عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر : صاعا من تمر أو صاعا من بر ، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين }. انتهى . وصححه . ورواه الدارقطني في " سننه " ، والطحاوي في " مشكله " .

                                                                                                        وحديث كثير بن فرقد : أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { زكاة الفطر فرض على كل مسلم ، حر وعبد ، ذكر وأنثى من [ ص: 504 ] المسلمين : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير }. انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . انتهى .

                                                                                                        وحديث عبد الله بن عمر العمري : أخرجه الدارقطني عنه عن نافع عن ابن عمر بنحوه ، سواء ، قال أبو داود في " سننه " : رواه عبد الله بن عمر العمري عن نافع ، فقال فيه : على كل مسلم ، ورواه عبيد الله عن نافع ، فقال فيه : من المسلمين ، والمشهور عن عبيد الله ، ليس فيه : من المسلمين ، انتهى . قلت : هكذا أخرجه مسلم عن عبيد الله عن نافع ، وليس فيه : من المسلمين ، وقد تقدم .

                                                                                                        وحديث يونس بن يزيد : أخرجه الطحاوي في " مشكله " عنه أن نافعا أخبره ، قال : قال عبد الله بن عمر : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس زكاة الفطر من رمضان : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، على كل إنسان ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد من المسلمين }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } للخصوم : واستدل لهم الشيخ في " الإمام " أيضا بحديث أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن أبي يزيد الخولاني عن سيار بن عبد الرحمن عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة ، فهي صدقة من الصدقات }انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح على شرط البخاري ، ولم يخرجاه ، قال الشيخ : ولم يخرج البخاري ، ولا مسلم لأبي يزيد ، ولا لسيار شيئا ، ولا يصح أن يكون على شرط البخاري ، إلا أن يكون أخرج لهما ، وكأنه أراد بكونه على شرط البخاري أنه من رواية عكرمة ، فإن البخاري احتج بروايته في مواضع من كتابه . انتهى . ورواه الدارقطني ، وقال : ليس في رواته مجروح . انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية