الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        334 302 - مالك ، عن ابن شهاب ، أنه سأل سالم بن عبد الله : هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر ؟ فقال : نعم . لا بأس بذلك . ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة ؟ .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        7727 - ( عبد الرزاق ) ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم الطائفي ، عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : جاءت امرأة إلى طاوس فقالت : ( إني أكره أبي ، حملني على ) الجمع بين الصلاتين . ( قال : لا يضرك ، أما ترين ) الناس يجمعون بين الصلاتين ، [ ص: 18 ] صلاة الهاجرة وصلاة ( العصر بعرفة ، والمغرب والعشاء بجمع ) .

                                                                                                                        7728 - قال أبو عمر : هذا دليل على جواز الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما ، إن شاء قدم الثانية إلى الأولى كالصلاة بعرفة ، وإن شاء أخر الأولى إلى دخول وقت الثانية ثم جمعهما كالصلاة بمزدلفة .

                                                                                                                        7729 - وقال الليث بن سعد : لا يجمع بين الصلاتين إلا من جد به السير .

                                                                                                                        7730 - وقال الأوزاعي : لا يجمع بين الصلاتين إلا من عذر ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جد به السير جمع بينهما .

                                                                                                                        7731 - وعن الثوري نحو هذا .

                                                                                                                        7732 - وعنه أيضا ما يدل على جواز الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما للمسافر ، وإن لم يجد به السير .

                                                                                                                        7733 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يجمع أحد بين الصلاتين في سفر ولا حضر ، لا صحيح ولا مريض ، في صحو ولا مطر ، إلا أن للمسافر أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها ، ثم ينزل فيصليها ، ثم يمكث قليلا ويصلي العصر في أول وقتها ، وكذلك المريض .

                                                                                                                        7734 - قالوا : وأما أن يصلي صلاة في وقت أخرى فلا إلا بعرفة والمزدلفة لا غير .

                                                                                                                        7735 - وحجتهم ما رواه الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : قال عبد الله بن مسعود : والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة قط إلا في وقتها إلا صلاتين : جمع بين الظهر والعصر يوم عرفة ،

                                                                                                                        [ ص: 19 ] وبين المغرب والعشاء بجمع .

                                                                                                                        7736 - قال أبو عمر : ليس في هذا حجة ; لأن عند ابن مسعود فقط عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جمع بين الصلاتين في السفر بغير عرفة والمزدلفة ، ومن حفظ وشهد حجة على من لم يحفظ ولم يشهد .

                                                                                                                        7737 - وقال الشافعي ، وأصحابه : من كان له أن يقصر فله أن يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما ، إن شاء في وقت الأولى ، وإن شاء في وقت الآخرة .

                                                                                                                        7738 - وهو قول عطاء بن أبي رباح ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وجمهور علماء الحجاز .

                                                                                                                        7739 - وبه قال إسحاق بن راهويه ، وداود بن علي .

                                                                                                                        7740 - وهو قول ربيعة ، وأبي الزناد ، ومحمد بن المنكدر ، وصفوان بن سليم ، وأبي حازم ، وزيد بن أسلم .

                                                                                                                        7741 - وقد ذكرنا الآثار بذلك عنهم في التمهيد .

                                                                                                                        [ ص: 20 ] 7742 - وقال أحمد بن حنبل : وجه الجمع للمسافر ، أن يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر ، ثم ينزل فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتى يغيب الشفق ، ثم يجمع بين المغرب والعشاء .

                                                                                                                        7743 - قال : فإن قدم العصر إلى الظهر والعشاء إلى المغرب فأرجو أن لا يكون به بأس .

                                                                                                                        7744 - قال إسحاق بن منصور : فذكرت قول أحمد لإسحاق ، فقال إسحاق : لا بأس بذلك .

                                                                                                                        7745 - وقال الطبري : للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر ما بين الزوال إلى أن تغيب الشمس ، وبين المغرب والعشاء إلى طلوع الفجر .

                                                                                                                        7746 - قال : والجمع في المطر كذلك .

                                                                                                                        7747 - قال أبو عمر : الحجة عند الاختلاف : سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما لا يوجد فيه نص من كتاب الله - عز وجل - ، وقد مضى ذكر السنة من حديث معاذ بن جبل ، وغيره ، وما أجمعوا عليه في صلاتي عرفة والمزدلفة ، فأغنى ذلك عما سواه ، والحمد لله .

                                                                                                                        7748 - ولا معنى للجمع الذي ذهب إليه أبو حنيفة ومن قال بقوله ; لأن ذلك جائز في الحضر بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - في طرفي وقت الصلاة : ما بين هذين وقت ، فأجاز الصلاة في آخر الوقت ، ولو لم يجز في السفر من سعة الوقت إلا ما جاز في الحضر بطل معنى السفر ومعنى الرخصة والتوسعة لأجله .

                                                                                                                        7749 - ومعلوم أن الجمع بين الصلاتين في السفر رخصة لمكان السفر ، وتوسعة في الوقت ، كما أن القصر في السفر لم يكن إلا من أجل السفر ، وما يلقى فيه من المشقة في الأغلب ، وفي ارتقاب المسافر ومراعاته أن لا يكون نزوله إلا في الوقت الذي عده [ ص: 21 ] أبو حنيفة مشقة وضيقا لا سعة .

                                                                                                                        7750 - وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز الجمع بين العصر والمغرب ، ولا بين العشاء والصبح ، ولو كان ( الجمع بين الصلاتين في السفر على ما ذهب أبو حنيفة إليه ) والقائلون بقوله ; لجاز الجمع بين العصر والمغرب بأن يصلي العصر في آخر وقتها ، ثم يتمهل قليلا ويصلي المغرب .

                                                                                                                        7751 - وهذا كله ، شاهد على ما ذهبوا إليه في الجمع بين الصلاتين ، ودليل على أنهم دفعوا الآثار في ذلك برأيهم ، وبالله التوفيق لا شريك له .

                                                                                                                        7752 - وفي حديث مالك ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ في هذا الباب تقدم الإمام إلى العسكر بالنهي عما لا يريد فعله ، وله العفو فإن خالفه مخالف كانت له معاقبته بما يراه ردعا له عن مثل فعله ، وله العفو عنه فإن الله عفو يحب العفو .

                                                                                                                        7753 - ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع حلمه وما كان عليه من الخلق العظيم - كيف سب الرجلين وقال لهما ما شاء الله أن يقول ; إذ خالفاه وأتيا ما قد نهى عنه ، وفيه علم عظيم من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - ; إذ غسل وجهه ويديه بقليل من ماء تلك العين ، ثم صبه فيها فجرت العين بماء كثير عمهم وفضل عنهم ، وتمادى إلى الآن ولعله يتمادى إلى قيام الساعة ، وهكذا النبوة . وأما السحر فلا يبقى بعد مفارقة عين صاحبه . والله أعلم .

                                                                                                                        7754 - قال ابن وضاح : أنا رأيت ذلك الموضع كله حوالي تلك العين جنانا خضرة نضرة بعده .

                                                                                                                        7755 - وفيه إخباره - صلى الله عليه وسلم - بغيب كان بعده ، وهذا وغيره ليس عجيبا منه ، ولا مجهولا من شأنه ، ولا مستغربا من فعله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        7756 - وأما قوله في الحديث : " والعين تبض بشيء من ماء " وهي الرواية [ ص: 22 ] عندنا ( بالضاد المنقوطة ) ، فمعناه أنها كانت تسيل بشيء من الماء ضعيف .

                                                                                                                        7757 - قال حميد بن ثور الهلالي .


                                                                                                                        منعمة لو يصبح الذر ساريا على جلدها بضت مدارجه دما

                                                                                                                        .

                                                                                                                        [ ص: 23 ] 7758 - هذه رواية الأصمعي في شعر حميد بن ثور . ورواية غيره :


                                                                                                                        مهاة لو أن الذر يمشي ضعابه على متنها بضت مدارجه دما



                                                                                                                        7759 - وقد فسر " بضت " بمعنى سالت ، والتفسير الأولى بمعنى الحديث .

                                                                                                                        7760 - وتقول العرب للموضع الذي يندى : " قد بض " وتقول " ما بض بقطرة "

                                                                                                                        7761 - وأما من رواه بالصاد من البصيص ، فمعناه أنها كانت يضيء فيها الماء ويبرق ويرى له بصيص ، والرواية الأولى أكثر .




                                                                                                                        الخدمات العلمية