الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إن كانوا يرجون انكشاف العدو وزواله فلا يخلو ذلك من أحد أمرين .

                                                                                                                                            إما أن يكون ذلك من طريق اليقين ، أو من طريق غلبة الظن ، فإن كان ذلك من طريق اليقين ، وهو أن يعترضهم العدو مجتازا ، ويعلمون أنه لا يمكنه المقام عليهم ، فإذا كان كذلك لم يخل حال الإحرام من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون بحج أو بعمرة ، فإن كان الإحرام بحج ، نظر : فإن كان إدراك الحج ممكنا بعد انكشاف العدو ، وهو أن يكون الإحصار قبل الحج بشهر ، وبينهم وبين الحرم مسافة عشرة أيام ، فيكون الفاضل من القوت عشرين يوما ، فإذا تيقن أن العدو ينكشف إلى عشرين يوما فما دون ، فعليه المقام على الإحرام ، وليس له التحلل منه بالإحصار ، وإن تيقن أن العدو ينكشف بعد عشرين يوما ، ولا ينكشف قبلها ، فهذا له أن يتحلل من إحرامه بالحج ، وهو الأولى له : لأنه على يقين من أنه ليس يدرك الحج ، فإن لم يتحلل حتى انكشف العدو وقد فاته الحج ، فليس له أن يتحلل بغير طواف وسعي : لزوال الإحصار ، وعليه أن يطوف ويسعى ، وعليه القضاء : لأجل الفوات ، وعليه دم : للفوات دون الإحصار ، فهذا إن كان إحرامه بحج ، فأما إن كان إحرامه بعمرة فإن تيقن انكشاف العدو عن زمان قريب ، وذلك يوم أو يومان أو ثلاثة أيام لزمه المقام على إحرامه ولم يكن له التحلل منه : لأنه لا مشقة عليه في استدامة الإحرام في هذه المدة ، ولا يخرج بها عن حد السفر إلى الإمامة ، وإن تيقن أن العدو ينكشف بعد زمان بعيد ، جاز له التحلل من إحرامه ولم يلزمه المقام عليه ، فإن قيل : ما الفرق بين الحج والعمرة حيث قلتم : إنه إذا كان محرما بحج ، فأحصر ، والوقت واسع ، وعلم أن العدو ينكشف بعد شهر ، وإدراك الحج لا يفوته بعد شهر - أن عليه

                                                                                                                                            [ ص: 347 ] المقام على إحرامه ، وليس له التحلل منه ، ولو كان محرما بعمرة ، فأحصر ، وعلم أن العدو ينكشف بعد شهر ، أن له أن يتحلل من إحرامه ، وليس للعمرة وقت يفوت ، كما أن الحج هناك بعد شهر ليس يفوت : قيل : الفرق بينهما أن المحرم بالحج لو لم يحصر لم يمكنه التحلل منه قبل وقت الحج ، وكان عليه المقام على إحرامه إلى وقت الحج ، فلم يلتزم بالإحصار استدامة إحرام لم يكن لازما له ، وليس كذلك للمحرم بالعمرة : لأنه لو لم يكن إحصار لأمكنه التحلل من إحرامه عند فراغه من عمرته ، إذ ليس للعمرة وقت يختص به ، فجاز له التحلل من إحرامه بالإحصار : لأنه بالمقام على إحرامه يلتزم استدامة إحرام لم يكن لازما له ، فهذا الكلام فيه إذا تيقن انكشاف العدو .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية