الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 1 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                          قال مولانا الإمام شيخ الإسلام ، مقتدى العلماء الأعلام ، مقري ديار مصر والشام ، افتخار الأئمة ، ناصر الأمة ، أستاذ المحدثين ، بقية العلماء الراسخين ، شمس الملة والدين ، أبو الخير محمد بن الجزري الشافعي رحمه الله ورضي عنه :

                                                          الحمد لله الذي أنزل القرآن كلامه ويسره ، وسهل نشره لمن رامه وقدره ، ووفق للقيام به من اختاره وبصره ، وأقام لحفظه خيرته من بريته الخيرة . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مقر بها بأنها للنجاة مقررة ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل : إن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين جمعوا القرآن في صدورهم السليمة وصحفه المطهرة ، وسلم وشرف وكرم ، ورضي الله عن أئمة القراءة المهرة ، خصوصا القراء العشرة ، الذين كل منهم تجرد لكتاب الله فجوده وحرره ، ورتله كما أنزل وعمل به وتدبره ، وزينه بصوته وتغنى به وحبره ، ورحم الله السادة المشايخ الذين جمعوا في اختلاف حروفه ورواياته الكتب المبسوطة والمختصرة ، فمنهم من جعل تيسيره فيها عنوانا وتذكرة ، ومنهم من أوضح مصباحه إرشادا وتبصرة ، ومنهم من أبرز المعاني في حرز الأماني مفيدة وخيرة ، أثابهم الله تعالى أجمعين ، وجمع بيننا وبينهم في دار كرامته في عليين بمنه وكرمه .

                                                          وبعد : فإن الإنسان لا يشرف إلا بما يعرف ، ولا يفضل إلا بما يعقل ، ولا ينجب إلا بمن يصحب ، ولما كان القرآن العظيم أعظم كتاب أنزل ، كان المنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - أفضل نبي أرسل ، وكانت أمته من العرب والعجم أفضل [ ص: 2 ] أمة أخرجت للناس من الأمم ، وكانت حملته أشرف هذه الأمة ، وقراؤه ومقرئوه أفضل هذه الملة .

                                                          كما أخبرنا الشيخ الإمام العالم أبو العباس أحمد بن محمد الخضر الحنفي - رحمه الله - بقراءتي عليه بسفح قاسيون ظاهر دمشق المحروسة في أوائل سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ، قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة الصالحي سماعا عليه سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ، قال : أخبرنا أبو طالب عبد اللطيف بن محمد بن القبيطي في آخرين إذنا ، قالوا : أخبرنا أبو بكر أحمد بن المقرب الكرخي ، أخبرنا الإمام أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله البغدادي ، أخبرنا شيخنا أبو علي المقري - يعني الحسن بن علي بن عبيد الله العطار - ، أخبرنا إبراهيم بن أحمد الطبري ، حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن الفضل العجلي قال : حدثني عمر بن أيوب السقطي ، حدثنا أبو إبراهيم البرجماني - يعني إسماعيل بن إبراهيم - ، حدثنا سعد بن سعيد الجرجاني وكنا نعده من الأبدال ، عن نهشل أبي عبد الرحمن القرشي ، عن الضحاك ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أشراف أمتي حملة القرآن .

                                                          نهشل هذا ضعيف ، وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث الجرجاني هذا عن كامل أبي عبد الله الراسبي عن الضحاك به ، إلا أنه قال : أشرف أمتي حملة القرآن ولم يذكر نهشلا في إسناده ، والصواب ذكره كما أخبرتنا ست العرب ابنة محمد بن علي مشافهة في دارها بسفح قاسيون سنة ست وستين وسبعمائة ، قالت : أنا جدي علي بن أحمد بن عبد الواحد ، أنا أبو سعد الصفار في كتابه ، أنا زاهر بن طاهر سماعا ، أنا أحمد بن الحسين الحافظ ، أنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو الحسين محمد بن القاسم الفارسي إملاء ، قالا : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن قريش ، حدثنا الحسين بن سفيان ، حدثنا أبو إبراهيم البرجماني ، حدثنا سعد بن سعيد الجرجاني ، أخبرنا نهشل بن عبد الله عن الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أشراف أمتي حملة القرآن [ ص: 3 ] وأصحاب الليل . كذا رواه البيهقي في شعب الإيمان وهو الصحيح ، وروينا فيه عن ابن عباس أيضا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ثلاثة لا يكترثون للحساب ولا تفزعهم الصيحة ولا يحزنهم الفزع الأكبر : حامل القرآن يؤديه إلى الله يقدم على ربه سيدا شريفا حتى يرافق المرسلين ، ومن أذن سبع سنين لا يأخذ على أذانه طمعا ، وعبد مملوك أدى حق الله من نفسه وحق مواليه .

                                                          وروينا أيضا في الطبراني بإسناد جيد من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خيركم من قرأ القرآن وأقرأه ورواه البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ولفظه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خيركم من تعلم القرآن وعلمه وكان الإمام أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل يقول لما يروي هذا الحديث عن عثمان : هذا الذي أقعدني مقعدي هذا ، يشير إلى كونه جالسا في المسجد الجامع بالكوفة يعلم القرآن ويقرئه مع جلالة قدره وكثرة علمه ، وحاجة الناس إلى علمه ، وبقي يقرئ الناس بجامع الكوفة أكثر من أربعين سنة ، وعليه قرأ الحسن والحسين - رضي الله عنهما - ، ولذلك كان السلف - رحمهم الله - لا يعدلون بإقراء القرآن شيئا فقد روينا عن شقيق أبي وائل قال : قيل لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : إنك تقل الصوم . قال : إني إذا صمت ضعفت عن القرآن ، وتلاوة القرآن أحب إلي .

                                                          وفي جامع الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يقول الله - عز وجل - : من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قال الترمذي : حديث حسن غريب . وقد جمع الحافظ أبو العلاء الهمذاني طرق هذا الحديث وفي بعضها : من شغله قراءة القرآن في أن يتعلمه أو يعلمه عن دعائي ومسألتي وأسند الحافظ أبو العلاء أيضا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أفضل العبادة قراءة القرآن وروينا عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفضل عبادة أمتي [ ص: 4 ] قراءة القرآن أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ، وعن عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني : سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرئ القرآن ؟ فقال : يقرئ القرآن ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خيركم من تعلم القرآن وعلمه ، وروينا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا " وذلك قوله تعالى : ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا قال : إلا الذين قرءوا القرآن ، وعن عبد الملك بن عمير : " أبقى الناس عقولا قراء القرآن " .

                                                          وأنبأنا أحمد بن محمد بن الحسين البنا ، عن علي بن أحمد ، أن أبا محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحافظ أخبره قال : أنا عبد الرزاق بن إسماعيل القوسياني سماعا ، أنا أبو شجاع الديلمي الحافظ ، أنا أبو بكر أحمد بن معمر الأثوابي الوراق ، أنا أبو الحسن طاهر بن حمد بن سعدويه الدهقان بهمذان ، حدثنا محمد بن الحسين النيسابوري بها ، حدثنا أبو بكر الرازي ( ح ) وأخبرني محمد بن أحمد الصالحي شفاها عن أبي الحسن بن أحمد الفقيه قال : كتب إلي الحافظ عبد الرحمن بن علي السلامي ، أنا ابن ناصر ، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد ، أنا أبو محمد الخلال ، أنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، أنا أحمد بن محمد بن مقسم قال : سمعت أبا بكر الرازي قال : سمعت عبد العزيز بن محمد النهاوندي يقول : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : سمعت أبي - رحمة الله عليه - يقول : رأيت رب العزة في النوم فقلت : يا رب ، ما أفضل ما يتقرب المتقربون به إليك ؟ فقال : بكلامي يا أحمد ، فقلت : يا رب بفهم أم بغير فهم ؟ فقال : بفهم وبغير فهم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية