بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الذبائح والصيد باب التسمية على الصيد وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم إلى قوله عذاب أليم وقوله جل ذكره أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم إلى قوله فلا تخشوهم واخشون وقال العقود العهود ما أحل وحرم ابن عباس إلا ما يتلى عليكم الخنزير يجرمنكم يحملنكم شنآن عداوة المنخنقة تخنق فتموت الموقوذة تضرب بالخشب يوقذها فتموت والمتردية تتردى من الجبل والنطيحة تنطح الشاة فما أدركته يتحرك بذنبه أو بعينه فاذبح وكل
5158 حدثنا حدثنا أبو نعيم زكرياء عن عن عامر عدي بن حاتم رضي الله عنه قال وإن وجدت مع كلبك أو كلابك كلبا غيره فخشيت أن يكون أخذه معه وقد قتله فلا تأكل فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على غيره ما أمسك عليك فكل فإن أخذ الكلب ذكاة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض قال ما أصاب بحده فكله وما أصاب بعرضه فهو وقيذ وسألته عن صيد الكلب فقال
كتاب الذبائح والصيد
- باب التسمية على الصيد
- باب صيد المعراض
- باب ما أصاب المعراض بعرضه
- باب صيد القوس
- باب الخذف والبندقة
- باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية
- باب إذا أكل الكلب
- باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة
- باب إذا وجد مع الصيد كلبا آخر
- باب ما جاء في التصيد
- باب التصيد على الجبال
- باب قول الله تعالى أحل لكم صيد البحر
- باب أكل الجراد
- باب آنية المجوس والميتة
- باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمدا
- باب ما ذبح على النصب والأصنام
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم فليذبح على اسم الله
- باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد
- باب ذبيحة المرأة والأمة
- باب لا يذكى بالسن والعظم والظفر
- باب ذبيحة الأعراب ونحوهم
- باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها من أهل الحرب وغيرهم
- باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش
- باب النحر والذبح
- باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة
- باب لحم الدجاج
- باب لحوم الخيل
- باب لحوم الحمر الإنسية
- باب أكل كل ذي ناب من السباع
- باب جلود الميتة
- باب المسك
- باب الأرنب
- باب الضب
- باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب
- باب الوسم والعلم في الصورة
- باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنما أو إبلا بغير أمر أصحابهم لم تؤكل
- باب إذا ند بعير لقوم فرماه بعضهم بسهم فقتله فأراد إصلاحهم فهو جائز
- باب إذا أكل المضطر
التالي
السابق
[ ص: 513 ] قوله ( كتاب الذبائح والصيد ) كذا لكريمة والأصيلي ورواية عن أبي ذر ، وفي أخرى له ولأبي الوقت " باب " وسقط للنسفي ، وثبتت له البسملة لاحقة ، ولأبي الوقت سابقة .
[ ص: 514 ] قوله ( باب ) سقط " باب " التسمية على الصيد لكريمة والأصيلي وأبي ذر ، وثبت للباقين . والصيد في الأصل مصدر صاد يصيد صيدا ، وعومل معاملة الأسماء فأوقع على الحيوان المصاد .
قوله وقول الله تعالى حرمت عليكم الميتة إلى قوله فلا تخشوهم واخشون وقول الله تعالى ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد كذا لأبي ذر ، وقدم وأخر في رواية كريمة والأصيلي ، وزاد بعد قوله " الصيد " : تناله أيديكم ورماحكم الآية إلى قوله عذاب أليم وعند النسفي من قوله أحلت لكم بهيمة الأنعام الآيتين ، وكذا لكن قال : " إلى قوله لأبي الوقت فلا تخشوهم واخشون وفرقهما في رواية كريمة والأصيلي .
قوله ( قال ابن عباس : العقود العهود ، ما أحل وحرم ) وصله ابن أبي حاتم أتم منه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله تعالى ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود : يعني بالعهود ، ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن ، ولا تغدروا ولا تنكثوا . وأخرجه الطبري من هذا الوجه مفرقا ، ونقل مثله عن مجاهد وجماعة ، ونقل عن والسدي قتادة : المراد ما كان في الجاهلية من الحلف . ونقل عن غيره : هي العقود التي يتعاقدها الناس . قال : والأول أولى ، لأن الله أتبع ذلك البيان عما أحل وحرم ، قال : والعقود جمع عقد ، وأصل عقد الشيء بغيره وصله به كما يعقد الحبل بالحبل .
قوله ( إلا ما يتلى عليكم ) الخنزير وصله أيضا ابن أبي حاتم عنه من هذا الوجه بلفظ إلا ما يتلى عليكم يعني الميتة والدم ولحم الخنزير " .
قوله ( يجرمنكم : يحملنكم ) يعني قوله تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم أي لا يحملنكم بغض قوم على العدوان ، وقد وصله ابن أبي حاتم أيضا من الوجه المذكور إلى ابن عباس ، وحكى الطبري عن غيره غير ذلك لكنه راجع إلى معناه .
قوله ( المنخنقة إلخ ) وصله بتمامه من طريق البيهقي علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال في آخره " فما أدركته من هذا يتحرك له ذنب أو تطرف له عين فاذبح واذكر اسم الله عليه فهو حلال " وأخرجه الطبري من هذا الوجه بلفظ " المنخنقة التي تخنق فتموت ، والموقوذة التي تضرب بالخشب حتى يوقذها فتموت ، والمتردية التي تتردى من الجبل ، والنطيحة الشاة تنطح الشاة ، وما أكل السبع ما أخذ السبع ، إلا ما ذكيتم إلا ما أدركتم ذكاته من هذا كله يتحرك له ذنب أو تطرف له عين فاذبح واذكر اسم الله عليه فهو حلال " ومن وجه آخر عن ابن عباس أنه قرأ " وأكيل السبع " ومن طريق قتادة " كل ما ذكر غير الخنزير إذا أدركت منه عينا تطرف أو ذنبا يتحرك أو قائمة ترتكض فذكيته فقد أحل لك " ومن طريق علي نحو قول ابن عباس ، ومن طريق قتادة : كان أهل الجاهلية يضربون الشاة بالعصا حتى إذا ماتت أكلوها قال : والمتردية التي تتردى في البئر .
قوله ( حدثنا ) هو ابن أبي زائدة ، زكريا ، وهذا السند كوفيون . وعامر هو الشعبي
قوله ( عن ) هو الطائي ، في رواية عدي بن حاتم من طريق الإسماعيلي عيسى بن يونس عن زكريا حدثنا عامر حدثنا عدي قال ذكرته بقوله " حدثنا الإسماعيلي عامر حدثنا عدي " يشير إلى أن زكريا مدلس وقد عنعنه . [ ص: 515 ] قلت : وسيأتي في رواية عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي " سمعت عدي بن حاتم " وفي رواية سعيد بن مسروق " حدثني الشعبي سمعت عدي بن حاتم وكان لنا جارا ودخيلا وربيطا بالنهرين " أخرجه مسلم ، وأبوه حاتم هو المشهور بالجود ، وكان هو أيضا جوادا ، وكان إسلامه سنة الفتح ، وثبت هو وقومه على الإسلام ، وشهد الفتوح بالعراق ، ثم كان مع علي وعاش إلى سنة ثمان وستين .
قوله ( المعراض ) بكسر الميم وسكون المهملة وآخره معجمة ، قال الخليل وتبعه جماعة : سهم لا ريش له ولا نصل . وقال ابن دريد وتبعه ابن سيده : سهم طويل له أربع قذذ رقاق ، فإذا رمى به اعترض . وقال : المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة ، وقيل عود رقيق الطرفين غليظ الوسط وهو المسمى بالحذافة ، وقيل خشبة ثقيلة آخرها عصا محدد رأسها وقد لا يحدد ; وقوى هذا الأخير الخطابي النووي تبعا لعياض ، وقال القرطبي : إنه المشهور . وقال ابن التين : المعراض عصا في طرفها حديدة يرمي الصائد بها الصيد ، فهو ذكي فيؤكل ، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ . فما أصاب بحده
قوله ( فهو وقيذ ) في رواية وما أصاب بعرضه ابن أبي السفر عن الشعبي في الباب الذي يليه " " وقيذ بالقاف وآخره ذال معجمة وزن عظيم ، فعيل بمعنى مفعول ، وهو ما قتل بعصا أو حجر أو ما لا حد له ، والموقوذة تقدم تفسيرها وأنها التي تضرب بالخشبة حتى تموت . ووقع في رواية بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل همام بن الحارث عن عدي الآتية بعد باب " قال : كل ما خزق " وهو بفتح المعجمة والزاي بعدها قاف أي نفذ ، يقال سهم خازق أي نافذ ، ويقال بالسين المهملة بدل الزاي ، وقيل الخزق - بالزاي وقيل تبدل سينا - الخدش ولا يثبت فيه ، فإن قيل بالراء فهو أن يثقبه . وحاصله أن قلت إنا نرمي بالمعراض حل وكانت تلك ذكاته ، وإذا أصابه بعرضه لم يحل لأنه في معنى الخشبة الثقيلة والحجر ونحو ذلك من المثقل ، وقوله " بعرضه " بفتح العين أي بغير طرفه المحدد ، وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور ، وعن السهم وما في معناه إذا أصاب الصيد بحده الأوزاعي وغيره من فقهاء الشام حل ذلك ، وسيأتي في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى .
قوله ( وسألته عن فقال : ما أمسك عليك فكل ، فإن أخذ الكلب ذكاة ) في رواية صيد الكلب ابن أبي السفر وفي رواية إذا أرسلت كلبك فسميت فكل بيان بن عمرو عن الشعبي الآتية بعد أبواب " " والمراد بالمعلمة التي إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته ، وإذا زجرها انزجرت وإذا أخذت الصيد حبسته على صاحبها . وهذا الثالث مختلف في اشتراطه ، واختلف متى يعلم ذلك منها فقال إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك البغوي في " التهذيب " : أقله ثلاث مرات ، وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين ، وقال الرافعي : لم يقدره المعظم لاضطراب العرف واختلاف طباع الجوارح فصار المرجع إلى العرف . ووقع في رواية مجالد عن الشعبي عن عدي في هذا الحديث عند أبي داود أما والترمذي الترمذي فلفظه وأما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال : ما أمسك عليك فكل أبو داود فلفظه قال ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك . قلت : وإن قتل ؟ قال : إذا قتل ولم يأكل منه الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بأسا اهـ . وفي معنى الباز الصقر والعقاب والباشق والشاهين ، وقد فسر بصيد الباز والصقور مجاهد الجوارح في الآية بالكلاب والطيور ، وهو قول الجمهور إلا ما روي عن ابن عمر من التفرقة بين صيد الكلب والطير . [ ص: 516 ] قوله ( إذ أرسلت كلابك المعلمة فإن وجدت مع كلبك كلبا غيره ) في رواية بيان وابن عباس وزاد في روايته بعد قوله وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل مما أمسكن عليكم وفي رواية وإن قتلن ، إلا أن يأكل الكلب فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ابن أبي السفر ، وسيأتي بعد أبواب زيادة في رواية قلت ، فإن أكل ؟ قال : فلا تأكل ، فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه عاصم عن الشعبي في رمي الصيد إذا غاب عنه ووجده بعد يوم أو أكثر . وفي الحديث ، وقد وقع في حديث اشتراط التسمية عند الصيد أبي ثعلبة كما سيأتي بعد أبواب " " وقد أجمعوا على مشروعيتها إلا أنهم اختلفوا في كونها شرطا في حل الأكل فذهب وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل وطائفة - وهي رواية عن الشافعي مالك وأحمد - أنها سنة ، فمن لم يقدح في حل الأكل . تركها عمدا أو سهوا
وذهب أحمد في الراجح عنه وطائفة إلى أنها واجبة لجعلها شرطا في حديث وأبو ثور عدي ، ولإيقاف الإذن في الأكل عليها في حديث أبي ثعلبة ، والمعلق بالوصف ينتفي عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم ، والشرط أقوى من الوصف ، ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة ، وما أذن فيه منها تراعى صفته ، فالمسمى عليها وافق الوصف وغير المسمى باق على أصل التحريم . وذهب أبو حنيفة ومالك وجماهير العلماء إلى الجواز لمن تركها ساهيا لا عمدا ، لكن اختلف عن المالكية : هل تحرم أو تكره ؟ وعند الحنفية تحرم ، وعند الشافعية في العمد ثلاثة أوجه : أصحها يكره الأكل ، وقيل خلاف الأولى ، وقيل يأثم بالترك ولا يحرم الأكل . والمشهور عن والثوري أحمد التفرقة بين الصيد والذبيحة ، فذهب في الذبيحة إلى هذا القول الثالث ، وسيأتي حجة من لم يشترطه فيها في الذبائح مفصلة ، وفيه إباحة ، واستثنى الاصطياد بالكلاب المعلمة أحمد وإسحاق وقالا : لا يحل الصيد به لأنه شيطان ونقل عن الكلب الأسود الحسن وإبراهيم وقتادة نحو ذلك . وفيه جواز بالشروط المتقدمة ولو لم يذبح لقوله " أكل ما أمسكه الكلب " فلو إن أخذ الكلب ذكاة حل ، وكذا بثقله على أحد القولين قتل الصيد بظفره أو نابه وهو الراجح عندهم ، وكذا لو لم يقتله الكلب لكن تركه وبه رمق ولم يبق زمن يمكن صاحبه فيه لحاقه وذبحه فمات حل ، لعموم قوله " للشافعي " وهذا في المعلم ، فلو وجده حيا حياة مستقرة وأدرك ذكاته لم يحل إلا بالتذكية ، فلو لم يذبحه مع الإمكان حرم ، سواء كان عدم الذبح اختيارا أو إضرارا كعدم حضور آلة الذبح ، فإن كان الكلب غير معلم اشترط إدراك تذكيته ، فلو أدركه ميتا لم يحل . وفيه أنه لا يحل فإن أخذ الكلب ذكاة ، ومحله ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة ، فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الذكاة حل ، ثم ينظر فإن أرسلهما معا فهو لهما وإلا فللأول ، ويؤخذ ذلك من التعليل في قوله " أكل ما شاركه فيه كلب آخر في اصطياده " فإنه يفهم منه أن فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره لحل . المرسل لو سمى على الكلب
ووقع في رواية بيان عن الشعبي " " فيؤخذ منه أنه لو وجده حيا وفيه حياة مستقرة فذكاه حل ، لأن الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على إمساك الكلب . وفيه تحريم وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل ولو كان الكلب معلما ، وقد علل في الحديث بالخوف من أنه " أكل الصيد الذي أكل الكلب منه " وهذا قول الجمهور ، وهو الراجح من قولي إنما أمسك على نفسه ، وقال في القديم - وهو قول الشافعي مالك ونقل عن بعض الصحابة - يحل ، واحتجوا بما ورد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أبو ثعلبة قال : يا رسول الله ، إن لي كلابا مكلبة ، فأفتني في صيدها . قال : كل مما أمسكن عليك . قال : وإن أكل منه ؟ قال : وإن أكل منه " أخرجه " أن أعرابيا يقال له أبو داود . ولا بأس بسنده . وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقا : منها للقائلين بالتحريم حمل حديث أبي ثعلبة : على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد [ ص: 517 ] فأكل منه ، ومنها الترجيح فرواية عدي في الصحيحين متفق على صحتها ، ورواية أبي ثعلبة المذكورة في غير الصحيحين مختلف في تضعيفها ، وأيضا فرواية عدي صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه متأيدة بأن ، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل وظاهر القرآن أيضا وهو قوله تعالى الأصل في الميتة التحريم فكلوا مما أمسكن عليكم فإن مقتضاها أن الذي يمسكه من غير إرسال لا يباح ، ويتقوى أيضا بالشاهد من حديث ابن عباس عند أحمد " " وأخرجه إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه . وإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل ، فإنما أمسك على صاحبه البزار من وجه آخر عن ابن عباس من حديث وابن أبي شيبة أبي رافع بمعناه ، ولو كان مجرد الإمساك كافيا لما احتيج إلى زيادة عليكم . ومنها للقائلين بالإباحة حمل حديث عدي على كراهة التنزيه ، وحديث أبي ثعلبة على بيان الجواز . قال بعضهم : ومناسبة ذلك أن عديا كان موسرا فاختير له الحمل على الأولى ، بخلاف أبي ثعلبة فإنه كان بعكسه . ولا يخفى ضعف هذا التمسك مع التصريح بالتعليل في الحديث بخوف الإمساك على نفسه .
وقال ابن التين : قال بعض أصحابنا هـو عام فيحمل على الذي أدركه ميتا من شدة العدو أو من الصدمة فأكل منه ، لأنه صار على صفة لا يتعلق بها الإرسال ولا الإمساك على صاحبه ، قال : ويحتمل أن يكون معنى قوله " فإن أكل فلا تأكل أي لا يوجد منه غير مجرد الأكل دون إرسال الصائد له ، وتكون هذه الجملة مقطوعة عما قبلها . ولا يخفى تعسف هذا وبعده . وقال ابن القصار : مجرد إرسالنا الكلب إمساك علينا ، لأن الكلب لا نية له ولا يصح منه ميزها ، وإنما يتصيد بالتعليم ; فإذا كان الاعتبار بأن يمسك علينا أو على نفسه واختلف الحكم في ذلك وجب أن يتميز ذلك بنية من له نية وهو مرسله ، فإذا أرسله فقد أمسك عليه وإذا لم يرسله لم يمسك عليه ، كذا قال : ولا يخفى بعده أيضا ومصادمته لسياق الحديث . وقد قال الجمهور : إن معنى قوله أمسكن عليكم صدن لكم ، وقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه لا لصاحبه فلا يعدل عن ذلك ، وقد وقع في رواية " لابن أبي شيبة " وفي هذا إشارة إلى أنه إذا شرع في أكله دل على أنه ليس بمعلم التعليم المشترط . وسلك بعض المالكية الترجيح فقال : هذه اللفظة ذكرها إن شرب من دمه فلا تأكل فإنه لم يعلم ما علمته الشعبي ولم يذكرها هـمام ، وعارضها حديث أبي ثعلبة ، وهذا ترجيح مردود لما تقدم . وتمسك بعضهم بالإجماع على جواز فأدرك قبل أن يأكل ، قال فلو كان أكله منه دالا على أنه أمسك على نفسه لكان تناوله بفيه وشروعه في أكله كذلك ، ولكن يشترط أن يقف الصائد حتى ينظر هل يأكل أو لا والله أعلم . وفيه إباحة أكله إذا أخذه الكلب بفيه وهم بأكله وكذا اللهو ، بشرط قصد التذكية والانتفاع ، وكرهه الاصطياد للانتفاع بالصيد للأكل والبيع مالك ، وخالفه . الجمهور .
قال الليث : لا أعلم حقا أشبه بباطل منه ، فلو لم يقصد الانتفاع به حرم لأنه من الفساد في الأرض بإتلاف نفس عبثا . وينقدح أن يقال : يباح ، فإن لازمه وأكثر منه كره ، لأنه قد يشغله عن بعض الواجبات وكثير من المندوبات . وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس رفعه وله شاهد عن من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غفل عند أبي هريرة الترمذي أيضا وآخر عند في " الأفراد " من حديث الدارقطني وقال : تفرد به البراء بن عازب شريك . وفيه جواز ، وسيأتي البحث فيه في حديث " اقتناء الكلب المعلم للصيد " واستدل به على جواز من اقتنى كلبا للإضافة في قوله " كلبك " وأجاب من منع بأنها إضافة اختصاص ، واستدل به على طهارة بيع كلب الصيد دون غيره من الكلاب للإذن في الأكل من الموضع الذي أكل منه ، ولم يذكر الغسل ولو كان واجبا لبينه لأنه وقت الحاجة إلى البيان . وقال بعض العلماء : يعفى عن [ ص: 518 ] معض الكلب ولو كان نجسا لهذا الحديث ، وأجاب من قال بنجاسته بأن وجوب الغسل كان قد اشتهر عندهم وعلم فاستغنى عن ذكره ، وفيه نظر ، وقد يتقوى القول بالعفو لأنه بشدة الجري يجف ريقه فيؤمن معه ما يخشى من إصابة لعابه موضع العض ، واستدل بقوله " سؤر كلب الصيد " بأنه لو كل ما أمسك عليك حل ، للعموم الذي في قوله " ما أمسك " وهذا قول الجمهور ، وقال أرسل كلبه على صيد فاصطاد غيره مالك : لا يحل ، وهو رواية البويطي عن . الشافعي
" تنبيه " :
قال ابن المنير ليس في جميع ما ذكر من الآي والأحاديث تعرض للتسمية المترجم عليها إلا آخر حديث عدي ، فكأنه عده بيانا لما أجملته الأدلة من التسمية ، وعند الأصوليين خلاف في المجمل إذا اقترنت به قرينة لفظية مبينة هل يكون ذلك الدليل المجمل معها أو إياها خاصة ؟ انتهى . وقوله " الأحاديث " يوهم أن في الباب عدة أحاديث ، وليس كذلك لأنه لم يذكر فيه إلا حديث عدي ، نعم ذكر فيه تفاسير ابن عباس فكأنه عدها أحاديث ، وبحثه في التسمية المذكورة في آخر حديث عدي مردود ، وليس ذلك مراد ، وإنما جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده ، وقد أورد البخاري بعده بقليل من طريق البخاري ابن أبي السفر عن الشعبي " " ومن رواية إذا أرسلت كلبك وسميت فكل بيان عن الشعبي " " فلما كان الأخذ بقيد " المعلم " متفقا عليه وإن لم يذكر في الطريق الأولى كانت التسمية كذلك ، والله أعلم إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل
[ ص: 514 ] قوله ( باب ) سقط " باب " التسمية على الصيد لكريمة والأصيلي وأبي ذر ، وثبت للباقين . والصيد في الأصل مصدر صاد يصيد صيدا ، وعومل معاملة الأسماء فأوقع على الحيوان المصاد .
قوله وقول الله تعالى حرمت عليكم الميتة إلى قوله فلا تخشوهم واخشون وقول الله تعالى ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد كذا لأبي ذر ، وقدم وأخر في رواية كريمة والأصيلي ، وزاد بعد قوله " الصيد " : تناله أيديكم ورماحكم الآية إلى قوله عذاب أليم وعند النسفي من قوله أحلت لكم بهيمة الأنعام الآيتين ، وكذا لكن قال : " إلى قوله لأبي الوقت فلا تخشوهم واخشون وفرقهما في رواية كريمة والأصيلي .
قوله ( قال ابن عباس : العقود العهود ، ما أحل وحرم ) وصله ابن أبي حاتم أتم منه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله تعالى ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود : يعني بالعهود ، ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن ، ولا تغدروا ولا تنكثوا . وأخرجه الطبري من هذا الوجه مفرقا ، ونقل مثله عن مجاهد وجماعة ، ونقل عن والسدي قتادة : المراد ما كان في الجاهلية من الحلف . ونقل عن غيره : هي العقود التي يتعاقدها الناس . قال : والأول أولى ، لأن الله أتبع ذلك البيان عما أحل وحرم ، قال : والعقود جمع عقد ، وأصل عقد الشيء بغيره وصله به كما يعقد الحبل بالحبل .
قوله ( إلا ما يتلى عليكم ) الخنزير وصله أيضا ابن أبي حاتم عنه من هذا الوجه بلفظ إلا ما يتلى عليكم يعني الميتة والدم ولحم الخنزير " .
قوله ( يجرمنكم : يحملنكم ) يعني قوله تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم أي لا يحملنكم بغض قوم على العدوان ، وقد وصله ابن أبي حاتم أيضا من الوجه المذكور إلى ابن عباس ، وحكى الطبري عن غيره غير ذلك لكنه راجع إلى معناه .
قوله ( المنخنقة إلخ ) وصله بتمامه من طريق البيهقي علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال في آخره " فما أدركته من هذا يتحرك له ذنب أو تطرف له عين فاذبح واذكر اسم الله عليه فهو حلال " وأخرجه الطبري من هذا الوجه بلفظ " المنخنقة التي تخنق فتموت ، والموقوذة التي تضرب بالخشب حتى يوقذها فتموت ، والمتردية التي تتردى من الجبل ، والنطيحة الشاة تنطح الشاة ، وما أكل السبع ما أخذ السبع ، إلا ما ذكيتم إلا ما أدركتم ذكاته من هذا كله يتحرك له ذنب أو تطرف له عين فاذبح واذكر اسم الله عليه فهو حلال " ومن وجه آخر عن ابن عباس أنه قرأ " وأكيل السبع " ومن طريق قتادة " كل ما ذكر غير الخنزير إذا أدركت منه عينا تطرف أو ذنبا يتحرك أو قائمة ترتكض فذكيته فقد أحل لك " ومن طريق علي نحو قول ابن عباس ، ومن طريق قتادة : كان أهل الجاهلية يضربون الشاة بالعصا حتى إذا ماتت أكلوها قال : والمتردية التي تتردى في البئر .
قوله ( حدثنا ) هو ابن أبي زائدة ، زكريا ، وهذا السند كوفيون . وعامر هو الشعبي
قوله ( عن ) هو الطائي ، في رواية عدي بن حاتم من طريق الإسماعيلي عيسى بن يونس عن زكريا حدثنا عامر حدثنا عدي قال ذكرته بقوله " حدثنا الإسماعيلي عامر حدثنا عدي " يشير إلى أن زكريا مدلس وقد عنعنه . [ ص: 515 ] قلت : وسيأتي في رواية عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي " سمعت عدي بن حاتم " وفي رواية سعيد بن مسروق " حدثني الشعبي سمعت عدي بن حاتم وكان لنا جارا ودخيلا وربيطا بالنهرين " أخرجه مسلم ، وأبوه حاتم هو المشهور بالجود ، وكان هو أيضا جوادا ، وكان إسلامه سنة الفتح ، وثبت هو وقومه على الإسلام ، وشهد الفتوح بالعراق ، ثم كان مع علي وعاش إلى سنة ثمان وستين .
قوله ( المعراض ) بكسر الميم وسكون المهملة وآخره معجمة ، قال الخليل وتبعه جماعة : سهم لا ريش له ولا نصل . وقال ابن دريد وتبعه ابن سيده : سهم طويل له أربع قذذ رقاق ، فإذا رمى به اعترض . وقال : المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة ، وقيل عود رقيق الطرفين غليظ الوسط وهو المسمى بالحذافة ، وقيل خشبة ثقيلة آخرها عصا محدد رأسها وقد لا يحدد ; وقوى هذا الأخير الخطابي النووي تبعا لعياض ، وقال القرطبي : إنه المشهور . وقال ابن التين : المعراض عصا في طرفها حديدة يرمي الصائد بها الصيد ، فهو ذكي فيؤكل ، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ . فما أصاب بحده
قوله ( فهو وقيذ ) في رواية وما أصاب بعرضه ابن أبي السفر عن الشعبي في الباب الذي يليه " " وقيذ بالقاف وآخره ذال معجمة وزن عظيم ، فعيل بمعنى مفعول ، وهو ما قتل بعصا أو حجر أو ما لا حد له ، والموقوذة تقدم تفسيرها وأنها التي تضرب بالخشبة حتى تموت . ووقع في رواية بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل همام بن الحارث عن عدي الآتية بعد باب " قال : كل ما خزق " وهو بفتح المعجمة والزاي بعدها قاف أي نفذ ، يقال سهم خازق أي نافذ ، ويقال بالسين المهملة بدل الزاي ، وقيل الخزق - بالزاي وقيل تبدل سينا - الخدش ولا يثبت فيه ، فإن قيل بالراء فهو أن يثقبه . وحاصله أن قلت إنا نرمي بالمعراض حل وكانت تلك ذكاته ، وإذا أصابه بعرضه لم يحل لأنه في معنى الخشبة الثقيلة والحجر ونحو ذلك من المثقل ، وقوله " بعرضه " بفتح العين أي بغير طرفه المحدد ، وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور ، وعن السهم وما في معناه إذا أصاب الصيد بحده الأوزاعي وغيره من فقهاء الشام حل ذلك ، وسيأتي في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى .
قوله ( وسألته عن فقال : ما أمسك عليك فكل ، فإن أخذ الكلب ذكاة ) في رواية صيد الكلب ابن أبي السفر وفي رواية إذا أرسلت كلبك فسميت فكل بيان بن عمرو عن الشعبي الآتية بعد أبواب " " والمراد بالمعلمة التي إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته ، وإذا زجرها انزجرت وإذا أخذت الصيد حبسته على صاحبها . وهذا الثالث مختلف في اشتراطه ، واختلف متى يعلم ذلك منها فقال إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك البغوي في " التهذيب " : أقله ثلاث مرات ، وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين ، وقال الرافعي : لم يقدره المعظم لاضطراب العرف واختلاف طباع الجوارح فصار المرجع إلى العرف . ووقع في رواية مجالد عن الشعبي عن عدي في هذا الحديث عند أبي داود أما والترمذي الترمذي فلفظه وأما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال : ما أمسك عليك فكل أبو داود فلفظه قال ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك . قلت : وإن قتل ؟ قال : إذا قتل ولم يأكل منه الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بأسا اهـ . وفي معنى الباز الصقر والعقاب والباشق والشاهين ، وقد فسر بصيد الباز والصقور مجاهد الجوارح في الآية بالكلاب والطيور ، وهو قول الجمهور إلا ما روي عن ابن عمر من التفرقة بين صيد الكلب والطير . [ ص: 516 ] قوله ( إذ أرسلت كلابك المعلمة فإن وجدت مع كلبك كلبا غيره ) في رواية بيان وابن عباس وزاد في روايته بعد قوله وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل مما أمسكن عليكم وفي رواية وإن قتلن ، إلا أن يأكل الكلب فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ابن أبي السفر ، وسيأتي بعد أبواب زيادة في رواية قلت ، فإن أكل ؟ قال : فلا تأكل ، فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه عاصم عن الشعبي في رمي الصيد إذا غاب عنه ووجده بعد يوم أو أكثر . وفي الحديث ، وقد وقع في حديث اشتراط التسمية عند الصيد أبي ثعلبة كما سيأتي بعد أبواب " " وقد أجمعوا على مشروعيتها إلا أنهم اختلفوا في كونها شرطا في حل الأكل فذهب وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل وطائفة - وهي رواية عن الشافعي مالك وأحمد - أنها سنة ، فمن لم يقدح في حل الأكل . تركها عمدا أو سهوا
وذهب أحمد في الراجح عنه وطائفة إلى أنها واجبة لجعلها شرطا في حديث وأبو ثور عدي ، ولإيقاف الإذن في الأكل عليها في حديث أبي ثعلبة ، والمعلق بالوصف ينتفي عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم ، والشرط أقوى من الوصف ، ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة ، وما أذن فيه منها تراعى صفته ، فالمسمى عليها وافق الوصف وغير المسمى باق على أصل التحريم . وذهب أبو حنيفة ومالك وجماهير العلماء إلى الجواز لمن تركها ساهيا لا عمدا ، لكن اختلف عن المالكية : هل تحرم أو تكره ؟ وعند الحنفية تحرم ، وعند الشافعية في العمد ثلاثة أوجه : أصحها يكره الأكل ، وقيل خلاف الأولى ، وقيل يأثم بالترك ولا يحرم الأكل . والمشهور عن والثوري أحمد التفرقة بين الصيد والذبيحة ، فذهب في الذبيحة إلى هذا القول الثالث ، وسيأتي حجة من لم يشترطه فيها في الذبائح مفصلة ، وفيه إباحة ، واستثنى الاصطياد بالكلاب المعلمة أحمد وإسحاق وقالا : لا يحل الصيد به لأنه شيطان ونقل عن الكلب الأسود الحسن وإبراهيم وقتادة نحو ذلك . وفيه جواز بالشروط المتقدمة ولو لم يذبح لقوله " أكل ما أمسكه الكلب " فلو إن أخذ الكلب ذكاة حل ، وكذا بثقله على أحد القولين قتل الصيد بظفره أو نابه وهو الراجح عندهم ، وكذا لو لم يقتله الكلب لكن تركه وبه رمق ولم يبق زمن يمكن صاحبه فيه لحاقه وذبحه فمات حل ، لعموم قوله " للشافعي " وهذا في المعلم ، فلو وجده حيا حياة مستقرة وأدرك ذكاته لم يحل إلا بالتذكية ، فلو لم يذبحه مع الإمكان حرم ، سواء كان عدم الذبح اختيارا أو إضرارا كعدم حضور آلة الذبح ، فإن كان الكلب غير معلم اشترط إدراك تذكيته ، فلو أدركه ميتا لم يحل . وفيه أنه لا يحل فإن أخذ الكلب ذكاة ، ومحله ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة ، فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الذكاة حل ، ثم ينظر فإن أرسلهما معا فهو لهما وإلا فللأول ، ويؤخذ ذلك من التعليل في قوله " أكل ما شاركه فيه كلب آخر في اصطياده " فإنه يفهم منه أن فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره لحل . المرسل لو سمى على الكلب
ووقع في رواية بيان عن الشعبي " " فيؤخذ منه أنه لو وجده حيا وفيه حياة مستقرة فذكاه حل ، لأن الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على إمساك الكلب . وفيه تحريم وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل ولو كان الكلب معلما ، وقد علل في الحديث بالخوف من أنه " أكل الصيد الذي أكل الكلب منه " وهذا قول الجمهور ، وهو الراجح من قولي إنما أمسك على نفسه ، وقال في القديم - وهو قول الشافعي مالك ونقل عن بعض الصحابة - يحل ، واحتجوا بما ورد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أبو ثعلبة قال : يا رسول الله ، إن لي كلابا مكلبة ، فأفتني في صيدها . قال : كل مما أمسكن عليك . قال : وإن أكل منه ؟ قال : وإن أكل منه " أخرجه " أن أعرابيا يقال له أبو داود . ولا بأس بسنده . وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقا : منها للقائلين بالتحريم حمل حديث أبي ثعلبة : على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد [ ص: 517 ] فأكل منه ، ومنها الترجيح فرواية عدي في الصحيحين متفق على صحتها ، ورواية أبي ثعلبة المذكورة في غير الصحيحين مختلف في تضعيفها ، وأيضا فرواية عدي صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه متأيدة بأن ، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل وظاهر القرآن أيضا وهو قوله تعالى الأصل في الميتة التحريم فكلوا مما أمسكن عليكم فإن مقتضاها أن الذي يمسكه من غير إرسال لا يباح ، ويتقوى أيضا بالشاهد من حديث ابن عباس عند أحمد " " وأخرجه إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه . وإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل ، فإنما أمسك على صاحبه البزار من وجه آخر عن ابن عباس من حديث وابن أبي شيبة أبي رافع بمعناه ، ولو كان مجرد الإمساك كافيا لما احتيج إلى زيادة عليكم . ومنها للقائلين بالإباحة حمل حديث عدي على كراهة التنزيه ، وحديث أبي ثعلبة على بيان الجواز . قال بعضهم : ومناسبة ذلك أن عديا كان موسرا فاختير له الحمل على الأولى ، بخلاف أبي ثعلبة فإنه كان بعكسه . ولا يخفى ضعف هذا التمسك مع التصريح بالتعليل في الحديث بخوف الإمساك على نفسه .
وقال ابن التين : قال بعض أصحابنا هـو عام فيحمل على الذي أدركه ميتا من شدة العدو أو من الصدمة فأكل منه ، لأنه صار على صفة لا يتعلق بها الإرسال ولا الإمساك على صاحبه ، قال : ويحتمل أن يكون معنى قوله " فإن أكل فلا تأكل أي لا يوجد منه غير مجرد الأكل دون إرسال الصائد له ، وتكون هذه الجملة مقطوعة عما قبلها . ولا يخفى تعسف هذا وبعده . وقال ابن القصار : مجرد إرسالنا الكلب إمساك علينا ، لأن الكلب لا نية له ولا يصح منه ميزها ، وإنما يتصيد بالتعليم ; فإذا كان الاعتبار بأن يمسك علينا أو على نفسه واختلف الحكم في ذلك وجب أن يتميز ذلك بنية من له نية وهو مرسله ، فإذا أرسله فقد أمسك عليه وإذا لم يرسله لم يمسك عليه ، كذا قال : ولا يخفى بعده أيضا ومصادمته لسياق الحديث . وقد قال الجمهور : إن معنى قوله أمسكن عليكم صدن لكم ، وقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه لا لصاحبه فلا يعدل عن ذلك ، وقد وقع في رواية " لابن أبي شيبة " وفي هذا إشارة إلى أنه إذا شرع في أكله دل على أنه ليس بمعلم التعليم المشترط . وسلك بعض المالكية الترجيح فقال : هذه اللفظة ذكرها إن شرب من دمه فلا تأكل فإنه لم يعلم ما علمته الشعبي ولم يذكرها هـمام ، وعارضها حديث أبي ثعلبة ، وهذا ترجيح مردود لما تقدم . وتمسك بعضهم بالإجماع على جواز فأدرك قبل أن يأكل ، قال فلو كان أكله منه دالا على أنه أمسك على نفسه لكان تناوله بفيه وشروعه في أكله كذلك ، ولكن يشترط أن يقف الصائد حتى ينظر هل يأكل أو لا والله أعلم . وفيه إباحة أكله إذا أخذه الكلب بفيه وهم بأكله وكذا اللهو ، بشرط قصد التذكية والانتفاع ، وكرهه الاصطياد للانتفاع بالصيد للأكل والبيع مالك ، وخالفه . الجمهور .
قال الليث : لا أعلم حقا أشبه بباطل منه ، فلو لم يقصد الانتفاع به حرم لأنه من الفساد في الأرض بإتلاف نفس عبثا . وينقدح أن يقال : يباح ، فإن لازمه وأكثر منه كره ، لأنه قد يشغله عن بعض الواجبات وكثير من المندوبات . وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس رفعه وله شاهد عن من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غفل عند أبي هريرة الترمذي أيضا وآخر عند في " الأفراد " من حديث الدارقطني وقال : تفرد به البراء بن عازب شريك . وفيه جواز ، وسيأتي البحث فيه في حديث " اقتناء الكلب المعلم للصيد " واستدل به على جواز من اقتنى كلبا للإضافة في قوله " كلبك " وأجاب من منع بأنها إضافة اختصاص ، واستدل به على طهارة بيع كلب الصيد دون غيره من الكلاب للإذن في الأكل من الموضع الذي أكل منه ، ولم يذكر الغسل ولو كان واجبا لبينه لأنه وقت الحاجة إلى البيان . وقال بعض العلماء : يعفى عن [ ص: 518 ] معض الكلب ولو كان نجسا لهذا الحديث ، وأجاب من قال بنجاسته بأن وجوب الغسل كان قد اشتهر عندهم وعلم فاستغنى عن ذكره ، وفيه نظر ، وقد يتقوى القول بالعفو لأنه بشدة الجري يجف ريقه فيؤمن معه ما يخشى من إصابة لعابه موضع العض ، واستدل بقوله " سؤر كلب الصيد " بأنه لو كل ما أمسك عليك حل ، للعموم الذي في قوله " ما أمسك " وهذا قول الجمهور ، وقال أرسل كلبه على صيد فاصطاد غيره مالك : لا يحل ، وهو رواية البويطي عن . الشافعي
" تنبيه " :
قال ابن المنير ليس في جميع ما ذكر من الآي والأحاديث تعرض للتسمية المترجم عليها إلا آخر حديث عدي ، فكأنه عده بيانا لما أجملته الأدلة من التسمية ، وعند الأصوليين خلاف في المجمل إذا اقترنت به قرينة لفظية مبينة هل يكون ذلك الدليل المجمل معها أو إياها خاصة ؟ انتهى . وقوله " الأحاديث " يوهم أن في الباب عدة أحاديث ، وليس كذلك لأنه لم يذكر فيه إلا حديث عدي ، نعم ذكر فيه تفاسير ابن عباس فكأنه عدها أحاديث ، وبحثه في التسمية المذكورة في آخر حديث عدي مردود ، وليس ذلك مراد ، وإنما جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده ، وقد أورد البخاري بعده بقليل من طريق البخاري ابن أبي السفر عن الشعبي " " ومن رواية إذا أرسلت كلبك وسميت فكل بيان عن الشعبي " " فلما كان الأخذ بقيد " المعلم " متفقا عليه وإن لم يذكر في الطريق الأولى كانت التسمية كذلك ، والله أعلم إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل