الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 329 ] إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم قال الزجاج : "إذ" في موضع نصب ، والمعنى: وليربط إذ يوحي . ويجوز أن يكون المعنى: واذكروا إذ يوحي . قال ابن عباس : وهذا الوحي إلهام .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إلى الملائكة وهم الذين أمد بهم المسلمين . أني معكم بالعون والنصرة . فثبتوا الذين آمنوا فيه أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: قاتلوا معهم . ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: بشروهم بالنصر; فكان الملك يسير أمام الصف في صورة الرجل ، ويقول: أبشروا فإن الله ناصركم ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: ثبتوهم بأشياء تلقونها في قلوبهم تقوى بها ، ذكره الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: صححوا عزائمهم ونياتهم على الجهاد ، ذكره الثعلبي . فأما الرعب ، فهو الخوف . قال السائب بن يسار: كنا إذا سألنا يزيد بن عامر السوائي عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين كيف؟ كان يأخذ الحصى فيرمي به الطست فيطن ، فيقول: كما نجد في أجوافنا مثل هذا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فاضربوا فوق الأعناق في المخاطب بهذا قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنهم الملائكة . قال ابن الأنباري: لم تعلم الملائكة أين تقصد بالضرب من الناس ، فعلمهم الله تعالى ذلك . [ ص: 330 ] والثاني: أنهم المؤمنون ، ذكره جماعة من المفسرين . وفي معنى الكلام قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: فاضربوا الأعناق ، و"فوق" صلة ، وهذا قول عطية ، والضحاك ، والأخفش ، وابن قتيبة . وقال أبو عبيدة: "فوق" بمعنى "على" ، تقول: ضربته فوق الرأس ، وضربته على الرأس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: اضربوا الرؤوس بها فوق الأعناق ، وبه قال عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المراد بالبنان ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه الأطراف ، قاله ابن عباس ، والضحاك . وقال الفراء: علمهم مواضع الضرب ، فقال: اضربوا الرؤوس والأيدي والأرجل . وقال أبو عبيدة ، وابن قتيبة: البنان: أطراف الأصابع . قال ابن الأنباري: واكتفى بهذا من جملة اليد والرجل .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه كل مفصل ، قاله عطية ، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنه الأصابع وغيرها من جميع الأعضاء ، والمعنى: أنه أباحهم قتلهم بكل نوع ، هذا قول الزجاج . قال: واشتقاق البنان من قولهم: أبن بالمكان: إذا أقام به; فالبنان به يعتمل كل ما يكون للقامة والحياة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ذلك بأنهم شاقوا الله "ذلك" إشارة إلى الضرب ، و"شاقوا" بمعنى: جانبوا ، فصاروا في شق غير شق المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ذلكم فذوقوه خطاب للمشركين; والمعنى: ذوقوا هذا في عاجل الدنيا . وفي فتح "أن" قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: بإضمار فعل ، تقديره: ذلكم فذوقوه واعلموا أن للكافرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن يكون المعنى: ذلك بأن للكافرين عذاب النار . فإذا ألقيت [ ص: 331 ] الباء ، نصبت . وإن شئت ، جعلت "أن" في موضع رفع; يريد: ذلكم فذوقوه ، وذلكم أن للكافرين عذاب النار ، هذا معنى قول الفراء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية