الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين

                                                                                                                                                                                                                                        (26) أي: لم يزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو قومه، وهم مستمرون [ ص: 1311 ] على عنادهم، إلا أنه آمن له بدعوته لوط، الذي نبأه الله، وأرسله إلى قومه كما سيأتي ذكره.

                                                                                                                                                                                                                                        وقال إبراهيم حين رأى أن دعوة قومه لا تفيدهم شيئا: إني مهاجر إلى ربي أي: هاجر أرض السوء، ومهاجر إلى الأرض المباركة، وهي الشام، إنه هو العزيز أي: الذي له القوة، وهو يقدر على هدايتكم، ولكنه حكيم ما اقتضت حكمته ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        ولما اعتزلهم وفارقهم، وهم بحالهم، لم يذكر الله عنهم أنه أهلكهم بعذاب، بل ذكر اعتزاله إياهم، وهجرته من بين أظهرهم، فأما ما يذكر في الإسرائيليات أن الله تعالى فتح على قومه باب البعوض، فشرب دماءهم، وأكل لحومهم، وأتلفهم عن آخرهم، فهذا يتوقف الجزم به على الدليل الشرعي، ولم يوجد، فلو كان الله استأصلهم بالعذاب لذكره كما ذكر إهلاك الأمم المكذبة، ولكن هل من أسرار ذلك، أن الخليل عليه السلام من أرحم الخلق وأفضلهم وأحلمهم وأجلهم، فلم يدع على قومه كما دعا غيره، ولم يكن الله ليجري بسببه عذابا عاما؟ ومما يدل على ذلك أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط، وجادلهم، ودافع عنهم، وهم ليسوا قومه، والله أعلم بالحال.

                                                                                                                                                                                                                                        (27) ووهبنا له إسحاق ويعقوب أي: بعدما هاجر إلى الشام وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب فلم يأت بعده نبي إلا من ذريته، ولا نزل كتاب إلا على ذريته، حتى ختموا بابنه محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين.وهذا من أعظم المناقب والمفاخر، أن تكون مواد الهداية والرحمة والسعادة والفلاح والفوز في ذريته، وعلى أيديهم اهتدى المهتدون، وآمن المؤمنون، وصلح الصالحون. وآتيناه أجره في الدنيا من الزوجة الجميلة فائقة الجمال، والرزق الواسع، والأولاد الذين بهم قرت عينه، ومعرفة الله ومحبته، والإنابة إليه.

                                                                                                                                                                                                                                        وإنه في الآخرة لمن الصالحين بل هو ومحمد صلى الله عليهما وسلم أفضل الصالحين على الإطلاق، وأعلاهم منزلة، فجمع الله له بين سعادة الدنيا والآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1312 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية