[ ص: 287 ] الركن الرابع : الواجب وفيه للعلماء ثلاث طرق ، منهم من أوجب المثل مطلقا محتجا بقوله تعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95فجزاء مثل ما قتل من النعم " فجعل النعم مثليا ، وبأن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدت إليه طعاما في قصعة ، وهو في بيت غيرها ، فغارت صاحبة البيت فكسرتها . فأمر - عليه السلام - بقصعة صاحبة البيت لصاحبة القصعة المكسورة . وأجيب عن الأول : بأن المراد المثل في الصفة دون المالية والمقدار ، والمطلوب هاهنا حفظ المالية . ألا ترى أن
nindex.php?page=treesubj&link=3795النعامة يحكم فيها ببدنة ، وهي بعيدة جدا من ماليتها ومقدارها . وعن الثاني : بأن البيتين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; فليس هذا من باب المعاوضة ، بل من باب جبر القلوب وسياسة العيال ، ومنهم من أوجب القيمة مطلقا ; محتجا بقوله - عليه السلام - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349607من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل ) الحديث . وقياسا للبعض على البعض ، ولأن القيمة إنما سميت قيمة لأنها تقوم مقام المقوم ، وهذا معنى عام في سائر الصور ، وأجيب بأن مورد الحديث في العبد ، وهو من ذوات القيم ، ومثله متعذر لتعلق الغرض بخصوصه ، بخلاف المكيلات ونحوها لا يتعلق الغرض بخصوصها ، فقام كل فرد من ذلك الجنس مقام الآخر ; لأن الأصل رد عين الهالك لقوله - عليه السلام - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349440على اليد ما أخذت حتى ترده ) تعذر ذلك ، والمثل أقرب للأصل لجمعه بين الجنسية والمالية ، والقيمة ليس فيها إلا المالية فكان المثل أولى إذا لم يفوت غرضا ، والقيمة أولى حيث يتعلق الغرض بخصوص الهالك ، فالقيمة تأتي عليه
[ ص: 288 ] وتخلفه ، ولا يخلفه المثل ; ولأن المثلي جنس قطعي . والقيمة ظني اجتهادية ، والقطع مقدم على الظن ، فكان إيجاب المثل في المثليات والقيمة في غيرها أعدل وأجمع للأحاديث ، وأوفق للأصل ، وهي طريقتنا مع الأئمة ، قال صاحب التلقين :
nindex.php?page=treesubj&link=25468_25469إتلاف مال الغير يوجب البدل . إما مثل المتلف في الخلقة والصورة والجنس ، والمثليات ، وهي المكيلات والموزونات ، وإما قيمته فيما عداها من سائر العروض والحيوان . قال صاحب الجواهر : ومن المثلي المعدود التي استوت آحاده في الصفة غالبا كالبيض والجوز ، فإن فقد المثل فليس عليه إلا هو عند
ابن القاسم ، قال
اللخمي : يريد أنه يصبر حتى يجده . وقال
أشهب : يخير بين الصبر وأخذ القيمة الآن ، قال
ابن عبدوس : اختلف في ذلك كالاختلاف في السلم في الفاكهة بعد خروج الإبان . وقال الأئمة : تتعين القيمة من يوم الانقطاع ، وقال ( ش ) و ( ح ) : يوم الحكم ; لأن الحكم هو الذي يقدرها فلو غرم القيمة ، ثم قدر على المثل ، لم يلزمه دفعه لتمام الحكم بالبدل ، وقال ( ش ) : تتعين القيمة .
وفي الجلاب : إذا لم يخاصم في المثلي حتى خرج إبانه فقيمته يوم الغصب ; لأنه لما كشف الغيب عن تعذر المثل صار كأنه من ذوات القيم ، وقيل : يوم العقد ; لأن القيمة عوض عن المثل المتعذر لا عن المغصوب ، قال
اللخمي :
nindex.php?page=treesubj&link=25469لو استهلك الطعام في زمن الغلاء ، ثم رخص ، يختلف هل تجب قيمته غاليا ; لأنه فوت عليه تلك القيمة على القول بمراعاة أغلى القيم في المغصوب أو مثله ; لأنه مثلي وإن كان جزافا ولم يعلم كيله فقيمته يوم غصبه لتعذر المثل ، فإن قال للمغصوب منه : أغرمه من المكيلة ما لا أشك أنه كان فيه ، فالقول بأن ذلك له أحسن ; لأنه لم يغرمه إلا مثل ما أخذ وترك بقيته عنده ، وقال غيره : القيمة تتعين في
[ ص: 289 ] الربوي كيلا يؤدي إلى التفاضل ، قال
مالك : إذا لم يجد مثل الطعام بموضع الطعام لزمه أن يأتي بمثله ، إلا أن يتفقا على أمر جائز ، يريد بالجائز أخذ مثله بغير البلد ، أو الثمن الذي بيع به الطعام ، أما الطعام يخالفه فلا .
قاعدة : في الجوابر والزواجر ، فالجوابر مشروعة لجلب المصالح ، والزواجر لدرء المفاسد ، والغرض من الجوابر جبر ما فات من مصالح حقوق الله أو حقوق عباده ، ولا يشترط في ذلك أن يكون من واجب عليه ، ولذلك شرع الجبر مع العمد والخطأ ، والجهل والعلم ، والذكر والنسيان ، وعلى المجانين والصبيان ، بخلاف الزواجر فإن معظمها على العصاة زجرا لهم عن المعصية ، وقد يختلف في بعض الكفارات هل هي زواجر لما فيها من مشاق تحمل الأموال وغيرها ، أو جوابر لأنها عبادات وقربات لا تصح إلا بالنيات ؟ وليس التقرب إلى الله تعالى زجرا ، بخلاف الحدود والتعزيرات فإنها ليست فعلا للمزجور ، بل يفعلها الأئمة فيه ، والجوابر تقع في الأموال والنفوس والأعضاء ومنافع الأعضاء والجراح ، والعبادات كالوضوء مع التيمم ، والسهو مع السجود ، والمصلي لجهة السفر ، أو لجهة العدو مع الخوف ، وصلاة الجماعة لمن صلى وحده ، وجبر ما بين السنين بالدراهم أو الذكورة مع بنت المخاض وهو جبر خارج عن القياس ، والصيام بالإطعام لمن لم يصم ، أو لتأخير القضاء ومناهي النسك بالدم ، ثم الصيام وجبر الصيد المأكول في الحرام ، أو الإحرام بالمثل ، أو الطعام أو الصيد المملوك لمالكه بقيمته ، والأول متلف واحد جبر ببدلين .
واعلم أن الصلاة لا تجبر إلا بعمل بدني ، والأموال لا تجبر إلا بالأموال ، والنسكات تارة ببدني وتارة بمالي ، ويجبر الصوم بمثله في القضاء ، وبالمال في
[ ص: 290 ] العاجزين والمؤخرين لقضائه ، ولا يجبر المثلي بغير مثله إلا في لبن المصراة ; لحكمة ذكرت في البيع ، والمحرمات لا تجبر احتقارا لها كالملاهي والنجاسات ، إلا مهر المزني بها كرها فيجبر بمهر المثل ، ولا يجبر مثل ذلك في اللواط ; لأنه لم يقوم قط في عقد صحيح ، فأشبه القبل والعناق ، ومنافع الأبضاع تجبر بالعقود الصحيحة والفاسدة ، ولا تجبر في اليد العادية ، وسبب ذلك : أن مجرد إيلاج الحشفة يوجب مهر المثل ، والساعة الواحدة تسع عددا كثيرا من الإيلاجات ، فلو ضمنت لكان اليوم الواحد يوجب استحقاق عظائم الأموال ، وهو بعيد عن مقاصد الشرع وحكمه ، واستقراء هذه القاعدة يطول فلنقتصر على هذا القدر للتنبيه على فوائدها .
فرع
في الكتاب :
nindex.php?page=treesubj&link=25469إذا تعدى على صفحة أو عصا بالكسر ، أو ثوب بالتحريق ، وكثر الفساد ، خيرت في قيمة جميعه ; لأن ذهاب الجل كذهاب الكل ، أو أخذه وما نقصه ; لأن الباقي عين مالكه ، أو قل الفساد فما نقصه بعد رفو الثوب ; لأن البعض مضمون كالكل ، وقد كان يقول : يضمن ما نقص ولم يفصل ; لأن الأصل أن لا يتعدى الضمان مورد الإتلاف ، ثم رجع للتفصيل ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=25469_16755_16769المتعدي على عضو حيوان . أما إذا لم يبق في الرقيق كبير منفعة ضمن جميعه ، وعتق عليه كمن مثل بعبده ، وفي التنبيهات : راعوا قطع يد العبد الصانع فضمنوه ، وإن بقيت منافع ، بخلاف قطع ذنب الدابة أو أذنها . وقال
عبد الملك : قلع عين الفرس الفاره يضمنه ، وإن بقيت منافع الحمل والركوب لغير ذوي الهيئات ; لفساد غرض صاحبه ، وكذلك إفساد ضرع الشاة المرادة للبن ، وإن بقي اللحم والنتاج ، ولا فرق بين الأذن والعين عند ذوي الهيئات
[ ص: 291 ] وفي النكت : إذا كثر الفساد واختار أخذها وما نقصها ، ولا بد من رفو الثوب وإن قبل الرفو ، أو يخاط الثوب إن صلح ذلك فيه ، وتشعب القصة ونحو ذلك ، وكذلك الفساد اليسير ، ولا تداوى الدابة ، والفرق : أن نفقة المداواة غير معلومة ، وعاقبتها غير معروفة ، بخلاف الخياطة ، قال بعض شيوخنا :
nindex.php?page=treesubj&link=16768_25469إذا جني على العبد جناية مفسدة كقطع يده ، فلربه القيمة ويعتق ، ومعناه : إذا طلب ذلك السيد ، وإلا فله أخذه وما نقصه ; لأنه ماله ،
nindex.php?page=treesubj&link=25469_16769_16771وإذا أعجف الغاصب الدابة بركوبه ولم يختر ربها القيمة وأخذها ، لا يطالبه بما نقص ، بخلاف قطع العضو ، ولأن العجف ليس بأمر ثابت لتوقع زواله ، ولأن القطع فعله ، والعجف أثر فعله ، قال
ابن يونس : ما قيل في الفساد الكثير : يأخذ ما نقصه بعد الرفو ، خلاف ظاهر قولهم ، وفساده أنه قد يغرم في الرفو أكثر من قيمته صحيحا ، وذلك لا يلزمه ، ألا ترى
أشهب وغيره يقولون : لا يغرمه إلا ما نقص إذا كان له تغريمه القيمة ، وهو القياس فكيف بتغريمه النقص بعد الرفو ، وربما زاد ، ولو قيل في اليسير : عليه النقص فقط ، صح لدخول الرفو فيه ، كما قالوا : إذا وجد آبقا وذلك شأنه ، له جعل مثله والنفقة له لدخول النفقة في جعل المثل ، ولم يختلف قول
مالك ،
وابن القاسم ،
وأشهب في إفساد المتعدي الثوب فسادا يسيرا : أنه لا يلزمه إلا ما نقصه بعد الرفو جنى عمدا أو خطأ ، وقول من قال : العتق موقوف على إرادة السيد بخلاف ظاهر قول
ابن القاسم وأشهب ، وليس للسيد إمساكه وأخذ ما نقصه ، والصواب العتق وإن كره ; لقيام قيمته مقامه ، فهو مضار في منعه العتق إن كان الفساد كثيرا ، ويخير إن كان يسيرا كفقء العين الواحدة ، وقطع اليد الواحدة ، مع بقاء كثير المنافع ; لأنه ينتفع بما بقي ، فإن أخذ القيمة عتق على الجاني أدبا له ، ويقع العتق والجناية معا ، كمن
nindex.php?page=treesubj&link=26602_7588_7408حلف إن باع عبده فهو حر ، فيقع البيع والحنث معا ، ويغلب العتق لحرمته ، وإن قلت الجناية جدا كجذع الأنف ، وقطع الأصبع ، فما نقص فقط ، قال
اللخمي : التعدي أربعة : يسير لا يبطل الغرض المقصود منه ، ويسير يبطله ، وكذلك يبطله ، ولا يبطله . والأول
[ ص: 292 ] لا يضمن العين ، وكذلك الرابع ، ويخير في الثالث كما تقدم ، وعلى القول بتضمينه قيمته ، فأراد ربه أخذه وما نقصه فذلك له عند مالك
وابن القاسم ، وقال
محمد : لا شيء له ; لأنه ملك أن يضمنه فامتنع ، فذلك رضا بنقصه ، والثاني : يضمن على قياس قول
مالك . وقال
ابن القصار : كقطع ذنب حمار القاضي والشاهد ونحوه ، وتستوي المركوبات والملبوسات ، هذا المشهور ، وعن
مالك : لا يضمن العين بذلك ، وضمن
ابن حبيب بالذنب دون الأذن لاختلاف الشين فيهما . قال وإذا فرعنا على المذهب
nindex.php?page=treesubj&link=25469_16768فقطع أنملة أصبعه فبطل ذلك صناعته ضمن جميعه ، أما قطع اليد أو الرجل فيضمنه الجميع ، وإن كان من عبيد الخدمة لذهاب جل منافعه ، والعرج الخفيف يضمن النقص فقط ، والكثير يضمن جميعه ، والخصاء يضمن نقصه ، فإن لم ينقصه وزادت قيمته لا شيء عليه وعوقب ، وقيل : تقدر الزيادة نقصا فيغرمها ; لأن الزيادة نشأت عن النقص ، وليس بالبين .
تنبيه : هذا الفرع - وهو إذهاب جل المنفعة - مما اختلفت فيه المذاهب ، وتشعبت فيه الآراء وطرق الاجتهاد ، فقال ( ح ) : في العبد والثوب كقولنا : في الأكثر ، فإن ذهب النصف أو الأقل باعتبار القيمة عادة فليس له إلا ما نقص ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=16769_16771قلع عين البهيمة فربع القيمة استحسانا ، والقياس عندهم : أن لا يضمن إلا النقص ، واختلفوا في تعليل هذا القول ، فقيل : لأنه ينتفع بالأكل والركوب ، فعلى هذا يتعذر الحكم للإبل والبقر دون البغال والحمير ، ومنهم من قال : الركوب فيتعدى الحكم للبغال والحمير ، فيضمن أيضا بربع القيمة ، وقال ( ش ) ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل : ليس له في جميع ذلك إلا ما نقص ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=16768_25469قطع يدي العبد أو رجليه ، فوافقنا ( ح ) في تخيير السيد في تسليم العبد وأخذ القيمة ، وبين إمساكه ، ولا شيء له ، وقال ( ش ) : تتعين القيمة كاملة ، ولا يلزمه تسليم العبد فتحصل له القيمة ، والعبد خلاف قوله في المسألة الأولى ، وأصل
[ ص: 293 ] هذا الفقه : أن الضمان الذي سببه عدوان لا يوجب ملكا ; لأنه سبب التغليظ لا سبب الرفق ، وعندنا الملك مضاف للضمان لا لسببه ، وهو قدر مشترك بين العدوان وغيره . فانبسطت مدارك فقه المسألة الأولى ، ثم الثانية ، أما الأولى : فلنا : أنه أتلف المنفعة المقصودة فيضمن ، كما لو قتلها أو الأولى ، فإن ذا الهيئة إذا قطع ذنب بغلته لا يركبها بعد ، والركوب هو المقصود ، وأما قياس ذلك على قتلها فثلاثة أقوال : إذا قتلها ضمنها اتفاقا مع بقاء انتفاعه بإطعامها لكلابه وبزاته ، ويدفع جلدها ينتفع به أو بغير دباغ إلى غير ذلك من المنافع المقصودة ، ولما لم يمنع ذلك من الضمان علمنا أن الضمان مضاف للقدر المشترك بينهما ، وهو ذهاب المقصود فيستويان في الحكم ، عملا باشتراكهما في الموجب ، ولأنه لو
nindex.php?page=treesubj&link=10714غصب عسلا وشيرجا ونشاء فعقد الجميع فالوذجا ، ضمن عندهم مع بقاء منافع كثيرة مع المالية ، فكذلك هاهنا ، ولأنه لو
nindex.php?page=treesubj&link=16815غصب عبدا فأبق ، أو حنطة فبلها بللا فاحشا ، ضمن الدرك عندهم مع بقاء التقرب في العتق في الأول ، والمالية في الثاني ، لكن جل المقصود ذهب ، فكذلك في مسألتنا ، ولا يقال في الآبق حال بينه وبين جميع العين ، وفي الحنطة يتداعى الفساد إليهما ; لأنه في صورة حال بينه وبين مقصوده ، وأفسده عليه ناجزا مع إمكان تجفيف الحنطة وعملها سويقا وغير ذلك ، احتجوا : بقول الله سبحانه وتعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " ، والاعتداء حصل في البعض ، فتلزمه قيمة البعض ، ولأن هذه الجناية لو صدرت في غير بغلة الأمير لم تلزمه القيمة ، فكذلك فيها كما لو جنى على العبد والدار ; لأن تقويم المتلفات في غير صورة النزاع لا يختلف باختلاف الناس ، إنما يختلف بالبلاد والأزمان ، ويؤكده أنه لو
nindex.php?page=treesubj&link=16769_25469قطع ذنب حمار التراب ، أو خرق ثوب الحطاب لا يلزمه جميع القيمة مع تعذر بيعه من
[ ص: 294 ] الأمير والقاضي ، ولأنهما لا يلبسانه بسبب ذلك القطع اليسير ، ولو قطع أذن الأمير نفسه أو أنف القاضي لما اختلفت الجناية ، فكيف بدابته ؟ ! مع أن شين القاضي بقطع أنفه أعظم من العامة . والجواب عن الأول : أنه متروك الظاهر لاقتضائه أن يعور فرسه مثل فعل الجاني ، وليس كذلك إجماعا ، وقد تقدم أنها وردت في الدماء لا في الأموال ، وأن قوله تعالى : " عليكم " إنما يتناول نفوسنا دون أموالنا ، وعن الثاني : أن الدار جل مقصودها حاصل بخلاف الدابة ، وأما قولهم : لا يختلف التقويم باختلاف الملاك ، بل يختلف بأن الدابة الصالحة للخاصة والعامة كالقضاة والحطابين أنفس قيمة لعموم الأغراض ، ولتوقع المنافسة في المزايدة أكثر من التي لا تصلح إلا لأحد الفريقين ، وأما أذن الأمير وأنف القاضي فلأن القاعدة أن مزايا الرجال غير معتبرة في باب الدماء ، ومزايا الأموال معتبرة فيأسر فدية أشجع الناس وأعلمهم كدية أجبن الناس وأجهلهم ، فأين أحد البابين من الآخر ؟ ! وأما المسألة الثانية : فأصلها أن القيمة عندنا بدل العين ; فيستحيل أن يجتمع العوض والمعوض ، وعند بدل اليدين فيجتمع المعوض ، بقيمة المجني عليه التي لم تقابل بعوض .
لنا : في هذه المسألة ما تقدم أن
nindex.php?page=treesubj&link=25469_16771ذهاب الغرض المقصود يوجب كمال القيمة في جميع العين ، ولأنا إنما نقوم العين فتكون القيمة عوضا ، ولأن المملوك تضمن أجزاؤه بالتلف بما تضمن به جملته في غير صورة النزاع إجماعا . أو نقول : لا نسلم له جميع القيمة مع بقاء ملكه عليه كما لو جنى على ثوب ، أو قياسا على مثله ; ولأن القيمة حقيقتها قيامها مقام العين ; ولذلك سميت قيمة ، فلو حصل له القيمة مع العين لما قامت مقامها ، ولكان للشيء قيمتان ، وهو خلاف الإجماع .
[ ص: 287 ] الرُّكْنُ الرَّابِعُ : الْوَاجِبُ وَفِيهِ لِلْعُلَمَاءِ ثَلَاثُ طُرُقٍ ، مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْمِثْلَ مُطْلَقًا مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ " فَجَعَلَ النَّعَمَ مِثْلِيًّا ، وَبِأَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَدَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا فِي قَصْعَةٍ ، وَهُوَ فِي بَيْتِ غَيْرِهَا ، فَغَارَتْ صَاحِبَةُ الْبَيْتِ فَكَسَرَتْهَا . فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَصْعَةِ صَاحِبَةِ الْبَيْتِ لِصَاحِبَةِ الْقَصْعَةِ الْمَكْسُورَةِ . وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ : بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمِثْلُ فِي الصِّفَةِ دُونَ الْمَالِيَّةِ وَالْمِقْدَارِ ، وَالْمَطْلُوبُ هَاهُنَا حِفْظُ الْمَالِيَّةِ . أَلَا تَرَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3795النَّعَامَةَ يُحْكَمُ فِيهَا بِبَدَنَةٍ ، وَهِيَ بَعِيدَةٌ جِدًّا مِنْ مَالِيَّتِهَا وَمِقْدَارِهَا . وَعَنِ الثَّانِي : بِأَنَّ الْبَيْتَيْنِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ ، بَلْ مِنْ بَابِ جَبْرِ الْقُلُوبِ وَسِيَاسَةِ الْعِيَالِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ مُطْلَقًا ; مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349607مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ ) الْحَدِيثَ . وَقِيَاسًا لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ قِيمَةً لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْمُقَوَّمِ ، وَهَذَا مَعْنًى عَامٌّ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَوْرِدَ الْحَدِيثِ فِي الْعَبْدِ ، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ ، وَمِثْلُهُ مُتَعَذَّرٌ لِتَعَلُقِّ الْغَرَضِ بِخُصُوصِهِ ، بِخِلَافِ الْمَكِيلَاتِ وَنَحْوِهَا لَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِخُصُوصِهَا ، فَقَامَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مَقَامَ الْآخَرِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ رَدُّ عَيْنِ الْهَالِكِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349440عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ ) تَعَذَّرَ ذَلِكَ ، وَالْمِثْلُ أَقْرَبُ لِلْأَصْلِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْجِنْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ ، وَالْقِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْمَالِيَّةُ فَكَانَ الْمِثْلُ أَوْلَى إِذَا لَمْ يُفَوِّتْ غَرَضًا ، وَالْقِيمَةُ أَوْلَى حَيْثُ يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِخُصُوصِ الْهَالِكِ ، فَالْقِيمَةُ تَأْتِي عَلَيْهِ
[ ص: 288 ] وَتَخْلُفُهُ ، وَلَا يَخْلُفُهُ الْمِثْلُ ; وَلِأَنَّ الْمِثْلِيَّ جِنْسٌ قَطْعِيٌّ . وَالْقِيمَةُ ظَنِّيٌّ اجْتِهَادِيَّةٌ ، وَالْقَطْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّنِّ ، فَكَانَ إِيجَابُ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَالْقِيمَةِ فِي غَيْرِهَا أَعْدَلُ وَأَجْمَعُ لِلْأَحَادِيثِ ، وَأَوْفَقُ لِلْأَصْلِ ، وَهِيَ طَرِيقَتُنَا مَعَ الْأَئِمَّةِ ، قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ :
nindex.php?page=treesubj&link=25468_25469إِتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ يُوجِبُ الْبَدَلَ . إِمَّا مِثْلُ الْمُتْلَفِ فِي الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ وَالْجِنْسِ ، وَالْمِثْلِيَّاتِ ، وَهِيَ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ ، وَإِمَّا قِيمَتُهُ فِيمَا عَدَاهَا مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ . قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ : وَمِنَ الْمِثْلِيِّ الْمَعْدُودِ الَّتِي اسْتَوَتْ آحَادُهُ فِي الصِّفَةِ غَالِبًا كَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ ، فَإِنْ فُقِدَ الْمِثْلُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ عِنْدَ
ابْنِ الْقَاسِمِ ، قَالَ
اللَّخْمِيُّ : يُرِيدُ أَنَّهُ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَهُ . وَقَالَ
أَشْهَبُ : يُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّبْرِ وَأَخْذِ الْقِيمَةِ الْآنَ ، قَالَ
ابْنُ عَبْدُوسَ : اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ كَالِاخْتِلَافِ فِي السَّلْمِ فِي الْفَاكِهَةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِبَّانِ . وَقَالَ الْأَئِمَّةُ : تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ مِنْ يَوْمِ الِانْقِطَاعِ ، وَقَالَ ( ش ) وَ ( ح ) : يَوْمَ الْحُكْمِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الَّذِي يُقَدِّرُهَا فَلَوْ غَرِمَ الْقِيمَةَ ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ ، لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ لِتَمَامِ الْحُكْمِ بِالْبَدَلِ ، وَقَالَ ( ش ) : تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ .
وَفِي الْجُلَّابِ : إِذَا لَمْ يُخَاصِمْ فِي الْمِثْلِيِّ حَتَّى خَرَجَ إِبَّانُهُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَشَفَ الْغَيْبُ عَنْ تَعَذُّرِ الْمِثْلِ صَارَ كَأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ ، وَقِيلَ : يَوْمَ الْعَقْدِ ; لِأَنَّ الْقِيمَةَ عِوَضٌ عَنِ الْمِثْلِ الْمُتَعَذَّرِ لَا عَنِ الْمَغْصُوبِ ، قَالَ
اللَّخْمِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=25469لَوِ اسْتَهْلَكَ الطَّعَامَ فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ ، ثُمَّ رَخُصَ ، يُخْتَلَفُ هَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ غَالِيًا ; لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْقِيمَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِمُرَاعَاةِ أَغْلَى الْقِيَمِ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ مِثْلِهِ ; لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَإِنْ كَانَ جُزَافًا وَلَمْ يَعْلَمْ كَيْلَهُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصَبَهُ لِتَعَذُّرِ الْمِثْلِ ، فَإِنْ قَالَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ : أُغَرِّمُهُ مِنَ الْمَكِيلَةِ مَا لَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ أَحْسَنُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرِّمْهُ إِلَّا مِثْلَ مَا أَخَذَ وَتَرَكَ بَقِيَّتَهُ عِنْدَهُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : الْقِيمَةُ تَتَعَيَّنُ فِي
[ ص: 289 ] الرِّبَوِيِّ كَيْلَا يُؤَدِّيَ إِلَى التَّفَاضُلِ ، قَالَ
مَالِكٌ : إِذَا لَمْ يَجِدْ مِثْلَ الطَّعَامِ بِمَوْضِعِ الطَّعَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ ، إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَمْرٍ جَائِزٍ ، يُرِيدُ بِالْجَائِزِ أَخْذَ مِثْلِهِ بِغَيْرِ الْبَلَدِ ، أَوِ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ الطَّعَامُ ، أَمَّا الطَّعَامُ يُخَالِفُهُ فَلَا .
قَاعِدَةٌ : فِي الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ ، فَالْجَوَابِرُ مَشْرُوعَةٌ لِجَلْبِ الْمَصَالِحِ ، وَالزَّوَاجِرُ لِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ ، وَالْغَرَضُ مِنَ الْجَوَابِرِ جَبْرُ مَا فَاتَ مِنْ مَصَالِحِ حُقُوقِ اللَّهِ أَوْ حُقُوقِ عِبَادِهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ ، وَلِذَلِكَ شُرِّعَ الْجَبْرُ مَعَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ ، وَالْجَهْلِ وَالْعِلْمِ ، وَالذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ ، وَعَلَى الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ ، بِخِلَافِ الزَّوَاجِرِ فَإِنَّ مُعْظَمَهَا عَلَى الْعُصَاةِ زَجْرًا لَهُمْ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ، وَقَدْ يُخْتَلَفُ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَشَاقِّ تَحَمُّلِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا ، أَوْ جَوَابِرُ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ وَقُرُبَاتٌ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِالنِّيَّاتِ ؟ وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى زَجْرًا ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِ ، بَلْ يَفْعَلُهَا الْأَئِمَّةُ فِيهِ ، وَالْجَوَابِرُ تَقَعُ فِي الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحِ ، وَالْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ مَعَ التَّيَمُّمِ ، وَالسَّهْوِ مَعَ السُّجُودِ ، وَالْمُصَلِّي لِجِهَةِ السَّفَرِ ، أَوْ لِجِهَةِ الْعَدُوِّ مَعَ الْخَوْفِ ، وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ، وَجَبْرِ مَا بَيْنَ السِّنِينَ بِالدَّرَاهِمِ أَوِ الذُّكُورَةِ مَعَ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَهُوَ جَبْرٌ خَارِجٌ عَنِ الْقِيَاسِ ، وَالصِّيَامِ بِالْإِطْعَامِ لِمَنْ لَمْ يَصُمْ ، أَوْ لِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ وَمَنَاهِي النُّسُكِ بِالدَّمِ ، ثُمَّ الصِّيَامِ وَجَبْرِ الصَّيْدِ الْمَأْكُولِ فِي الْحَرَامِ ، أَوِ الْإِحْرَامِ بِالْمِثْلِ ، أَوِ الطَّعَامِ أَوِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ لِمَالِكِهِ بِقِيمَتِهِ ، وَالْأَوَّلُ مُتْلَفٌ وَاحِدٌ جُبِرَ بِبَدَلَيْنِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْبَرُ إِلَّا بِعَمَلٍ بَدَنِيٍّ ، وَالْأَمْوَالُ لَا تُجْبَرُ إِلَّا بِالْأَمْوَالِ ، وَالنُّسُكَاتُ تَارَةً بِبَدَنِيٍّ وَتَارَةً بِمَالِيٍّ ، وَيُجْبَرُ الصَّوْمُ بِمِثْلِهِ فِي الْقَضَاءِ ، وَبِالْمَالِ فِي
[ ص: 290 ] الْعَاجِزِينَ وَالْمُؤَخِّرِينَ لِقَضَائِهِ ، وَلَا يُجْبَرُ الْمِثْلِيُّ بِغَيْرِ مِثْلِهِ إِلَّا فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ ; لِحِكْمَةٍ ذُكِرَتْ فِي الْبَيْعِ ، وَالْمُحَرَّمَاتُ لَا تُجْبَرُ احْتِقَارًا لَهَا كَالْمَلَاهِي وَالنَّجَاسَاتِ ، إِلَّا مَهْرَ الْمَزْنِيِّ بِهَا كَرْهًا فَيُجْبَرُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَا يُجْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي اللِّوَاطِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُقَوَّمْ قَطُّ فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ ، فَأَشْبَهَ الْقُبَلَ وَالْعَنَاقَ ، وَمَنَافِعُ الْأَبْضَاعِ تُجْبَرُ بِالْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ ، وَلَا تُجْبَرُ فِي الْيَدِ الْعَادِيَّةِ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ : أَنَّ مُجَرَّدَ إِيلَاجِ الْحَشَفَةِ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ ، وَالسَّاعَةُ الْوَاحِدَةُ تَسَعُ عَدَدًا كَثِيرًا مِنَ الْإِيلَاجَاتِ ، فَلَوْ ضُمِنَتْ لَكَانَ الْيَوْمُ الْوَاحِدُ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ عَظَائِمِ الْأَمْوَالِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ وَحِكَمِهِ ، وَاسْتِقْرَاءُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَطُولُ فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى فَوَائِدِهَا .
فَرْعٌ
فِي الْكِتَابِ :
nindex.php?page=treesubj&link=25469إِذَا تَعَدَّى عَلَى صَفْحَةٍ أَوْ عَصًا بِالْكَسْرِ ، أَوْ ثَوْبٍ بِالتَّحْرِيقِ ، وَكَثُرَ الْفَسَادُ ، خُيِّرْتَ فِي قِيمَةِ جَمِيعِهِ ; لِأَنَّ ذَهَابَ الْجُلِّ كَذَهَابِ الْكُلِّ ، أَوْ أَخَذَهُ وَمَا نَقَصَهُ ; لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَيْنُ مَالِكِهِ ، أَوْ قَلَّ الْفَسَادُ فَمَا نَقَصَهُ بَعْدَ رَفْوِ الثَّوْبِ ; لِأَنَّ الْبَعْضَ مَضْمُونٌ كَالْكُلِّ ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ : يَضْمَنُ مَا نَقَصَ وَلَمْ يُفَصِّلْ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الضَّمَانُ مَوْرِدَ الْإِتْلَافِ ، ثُمَّ رَجَعَ لِلتَّفْصِيلِ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=25469_16755_16769الْمُتَعَدِّي عَلَى عُضْوِ حَيَوَانٍ . أَمَّا إِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الرَّقِيقِ كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ ضُمِنَ جَمِيعُهُ ، وَعُتِقَ عَلَيْهِ كَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ ، وَفِي التَّنْبِيهَاتِ : رَاعُوا قَطْعَ يَدِ الْعَبْدِ الصَّانِعِ فَضَمِّنُوهُ ، وَإِنْ بَقِيَتْ مَنَافِعُ ، بِخِلَافِ قَطْعِ ذَنَبِ الدَّابَّةِ أَوْ أُذُنِهَا . وَقَالَ
عَبْدُ الْمَلِكِ : قَلْعُ عَيْنِ الْفَرَسِ الْفَارِهِ يَضْمَنُهُ ، وَإِنْ بَقِيَتْ مَنَافِعُ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ لِغَيْرِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ ; لِفَسَادِ غَرَضِ صَاحِبِهِ ، وَكَذَلِكَ إِفَسَادُ ضَرْعِ الشَّاةِ الْمُرَادَةِ لِلَّبَنِ ، وَإِنْ بَقِيَ اللَّحْمُ وَالنِّتَاجُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ عِنْدَ ذَوِي الْهَيْئَاتِ
[ ص: 291 ] وَفِي النُّكَتِ : إِذَا كَثُرَ الْفَسَادُ وَاخْتَارَ أَخْذَهَا وَمَا نَقَصَهَا ، وَلَا بُدَّ مِنْ رَفْوِ الثَّوْبِ وَإِنْ قَبِلَ الرَّفْوَ ، أَوْ يُخَاطُ الثَّوْبُ إِنْ صَلُحَ ذَلِكَ فِيهِ ، وَتُشَعَّبَ الْقَصَّةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الْفَسَادُ الْيَسِيرُ ، وَلَا تُدَاوَى الدَّابَّةُ ، وَالْفَرْقُ : أَنَّ نَفَقَةَ الْمُدَاوَاةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ ، وَعَاقِبَتُهَا غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ ، بِخِلَافِ الْخِيَاطَةِ ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا :
nindex.php?page=treesubj&link=16768_25469إِذَا جُنِيَ عَلَى الْعَبْدِ جِنَايَةً مُفْسِدَةً كَقَطْعِ يَدِهِ ، فَلِرَبِّهِ الْقِيمَةُ وَيُعْتَقُ ، وَمَعْنَاهُ : إِذَا طَلَبَ ذَلِكَ السَّيِّدُ ، وَإِلَّا فَلَهُ أَخْذُهُ وَمَا نَقَصَهُ ; لِأَنَّهُ مَالُهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=25469_16769_16771وَإِذَا أَعْجَفَ الْغَاصِبُ الدَّابَّةَ بِرُكُوبِهِ وَلَمْ يَخْتَرْ رَبُّهَا الْقِيمَةَ وَأَخَذَهَا ، لَا يُطَالِبُهُ بِمَا نَقَصَ ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْعُضْوِ ، وَلِأَنَّ الْعَجْفَ لَيْسَ بِأَمْرٍ ثَابِتٍ لِتَوَقُّعِ زَوَالِهِ ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ فِعْلُهُ ، وَالْعَجْفَ أَثَرُ فِعْلِهِ ، قَالَ
ابْنُ يُونُسَ : مَا قِيلَ فِي الْفَسَادِ الْكَثِيرِ : يَأْخُذُ مَا نَقَصَهُ بَعْدَ الرَّفْوِ ، خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ ، وَفَسَادُهُ أَنَّهُ قَدْ يَغْرَمُ فِي الرَّفْوِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ صَحِيحًا ، وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ ، أَلَا تَرَى
أَشْهَبَ وَغَيْرَهُ يَقُولُونَ : لَا يُغَرِّمُهُ إِلَّا مَا نَقَصَ إِذَا كَانَ لَهُ تَغْرِيمُهُ الْقِيمَةَ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فَكَيْفَ بِتَغْرِيمِهِ النَّقْصَ بَعْدَ الرَّفْوِ ، وَرُبَّمَا زَادَ ، وَلَوْ قِيلَ فِي الْيَسِيرِ : عَلَيْهِ النَّقْصُ فَقَطْ ، صَحَّ لِدُخُولِ الرَّفْوِ فِيهِ ، كَمَا قَالُوا : إِذَا وَجَدَ آبِقًا وَذَلِكَ شَأْنُهُ ، لَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ وَالنَّفَقَةُ لَهُ لِدُخُولِ النَّفَقَةِ فِي جُعْلِ الْمِثْلِ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ
مَالِكٍ ،
وَابْنِ الْقَاسِمِ ،
وَأَشْهَبَ فِي إِفَسَادِ الْمُتَعَدِّي الثَّوْبَ فَسَادًا يَسِيرًا : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا مَا نَقَصَهُ بَعْدَ الرَّفْوِ جَنَى عَمْدًا أَوْ خَطَأً ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : الْعِتْقُ مَوْقُوفٌ عَلَى إِرَادَةِ السَّيِّدِ بِخِلَافِ ظَاهِرِ قَوْلِ
ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إِمْسَاكُهُ وَأَخْذُ مَا نَقَصَهُ ، وَالصَّوَابُ الْعِتْقُ وَإِنْ كَرِهَ ; لِقِيَامِ قِيمَتِهِ مَقَامَهُ ، فَهُوَ مُضَارٌّ فِي مَنْعِهِ الْعِتْقَ إِنْ كَانَ الْفَسَادُ كَثِيرًا ، وَيُخَيَّرُ إِنْ كَانَ يَسِيرًا كَفَقْءِ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ ، وَقَطْعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ ، مَعَ بَقَاءِ كَثِيرِ الْمَنَافِعِ ; لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِمَا بَقِيَ ، فَإِنْ أَخَذَ الْقِيمَةَ عُتِقَ عَلَى الْجَانِي أَدَبًا لَهُ ، وَيَقَعُ الْعِتْقُ وَالْجِنَايَةُ مَعًا ، كَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26602_7588_7408حَلَفَ إِنْ بَاعَ عَبْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ ، فَيَقَعُ الْبَيْعُ وَالْحِنْثُ مَعًا ، وَيَغْلِبُ الْعِتْقُ لِحُرْمَتِهِ ، وَإِنْ قَلَّتِ الْجِنَايَةُ جِدًّا كَجَذْعِ الْأَنْفِ ، وَقَطْعِ الْأُصْبُعِ ، فَمَا نَقَصَ فَقَطْ ، قَالَ
اللَّخْمِيُّ : التَّعَدِّي أَرْبَعَةٌ : يَسِيرٌ لَا يُبْطِلُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ ، وَيَسِيرٌ يُبْطِلُهُ ، وَكَذَلِكَ يُبْطِلُهُ ، وَلَا يُبْطِلُهُ . وَالْأَوَّلُ
[ ص: 292 ] لَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ ، وَكَذَلِكَ الرَّابِعُ ، وَيُخَيَّرُ فِي الثَّالِثِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ ، فَأَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ وَمَا نَقَصَهُ فَذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ
وَابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَالَ
مُحَمَّدٌ : لَا شَيْءَ لَهُ ; لِأَنَّهُ مَلَكَ أَنْ يَضْمَنَهُ فَامْتَنَعَ ، فَذَلِكَ رِضًا بِنَقْصِهِ ، وَالثَّانِي : يَضْمَنُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ
مَالِكٍ . وَقَالَ
ابْنُ الْقَصَّارِ : كَقَطْعِ ذَنَبِ حِمَارِ الْقَاضِي وَالشَّاهِدِ وَنَحْوِهِ ، وَتَسْتَوِي الْمَرْكُوبَاتُ وَالْمَلْبُوسَاتُ ، هَذَا الْمَشْهُورُ ، وَعَنْ
مَالِكٍ : لَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ بِذَلِكَ ، وَضَمَّنَ
ابْنُ حَبِيبٍ بِالذَّنَبِ دُونَ الْأُذُنِ لِاخْتِلَافِ الشَّيْنِ فِيهِمَا . قَالَ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَذْهَبِ
nindex.php?page=treesubj&link=25469_16768فَقَطْعُ أُنْمُلَةِ أُصْبُعِهِ فَبَطَّلَ ذَلِكَ صِنَاعَتَهُ ضَمِنَ جَمِيعَهُ ، أَمَّا قَطْعُ الْيَدِ أَوِ الرِّجْلِ فَيُضَمِّنُهُ الْجَمِيعُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ لِذَهَابِ جُلِّ مَنَافِعِهِ ، وَالْعَرَجُ الْخَفِيفُ يَضْمَنُ النَّقْصَ فَقَطْ ، وَالْكَثِيرُ يَضْمَنُ جَمِيعَهُ ، وَالْخِصَاءُ يَضْمَنُ نَقْصَهُ ، فَإِنْ لَمْ يُنْقِصْهُ وَزَادَتْ قِيمَتُهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعُوقِبَ ، وَقِيلَ : تُقَدَّرُ الزِّيَادَةُ نَقْصًا فَيَغَرَمُهَا ; لِأَنَّ الزِّيَادَةَ نَشَأَتْ عَنِ النَّقْصِ ، وَلَيْسَ بِالْبَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا الْفَرْعُ - وَهُوَ إِذْهَابُ جُلِّ الْمَنْفَعَةِ - مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَذَاهِبُ ، وَتَشَعَّبَتْ فِيهِ الْآرَاءُ وَطُرُقُ الِاجْتِهَادِ ، فَقَالَ ( ح ) : فِي الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ كَقَوْلِنَا : فِي الْأَكْثَرِ ، فَإِنْ ذَهَبَ النِّصْفُ أَوِ الْأَقَلُّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ عَادَةً فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا نَقَصَ ، فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16769_16771قَلَعَ عَيْنَ الْبَهِيمَةِ فَرُبُعُ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ : أَنْ لَا يَضْمَنَ إِلَّا النَّقْصَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْقَوْلِ ، فَقِيلَ : لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالْأَكْلِ وَالرُّكُوبِ ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَذَّرُ الْحُكْمُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ دُونَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الرُّكُوبُ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ لِلْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ ، فَيَضْمَنُ أَيْضًا بِرُبُعِ الْقِيمَةِ ، وَقَالَ ( ش ) ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَابْنُ حَنْبَلٍ : لَيْسَ لَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إِلَّا مَا نَقَصَ ، فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16768_25469قَطَعَ يَدَيِ الْعَبْدِ أَوْ رِجْلَيْهِ ، فَوَافَقَنَا ( ح ) فِي تَخْيِيرِ السَّيِّدِ فِي تَسْلِيمِ الْعَبْدِ وَأَخْذِ الْقِيمَةِ ، وَبَيْنَ إِمْسَاكِهِ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَقَالَ ( ش ) : تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ كَامِلَةً ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ فَتَحْصُلُ لَهُ الْقِيمَةُ ، وَالْعَبْدُ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَأَصْلُ
[ ص: 293 ] هَذَا الْفِقْهِ : أَنَّ الضَّمَانَ الَّذِي سَبَبُهُ عُدْوَانٌ لَا يُوجِبُ مِلْكًا ; لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّغْلِيظِ لَا سَبَبُ الرِّفْقِ ، وَعِنْدَنَا الْمِلْكُ مُضَافٌ لِلضَّمَانِ لَا لِسَبَبِهِ ، وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعُدْوَانِ وَغَيْرِهِ . فَانْبَسَطَتْ مَدَارِكُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، ثُمَّ الثَّانِيَةِ ، أَمَّا الْأُولَى : فَلَنَا : أَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فَيَضْمَنُ ، كَمَا لَوْ قَتَلَهَا أَوِ الْأُولَى ، فَإِنَّ ذَا الْهَيْئَةِ إِذَا قَطَعَ ذَنَبَ بَغْلَتِهِ لَا يَرْكَبُهَا بَعْدُ ، وَالرُّكُوبُ هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَأَمَّا قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى قَتْلِهَا فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : إِذَا قَتَلَهَا ضَمِنَهَا اتِّفَاقًا مَعَ بَقَاءِ انْتِفَاعِهِ بِإِطْعَامِهَا لِكِلَابِهِ وَبِزَّاتِهِ ، وَيَدْفَعُ جِلْدَهَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ دِبَاغٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ ، وَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنَ الضَّمَانِ عَلِمْنَا أَنَّ الضَّمَانَ مُضَافٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ ذَهَابُ الْمَقْصُودِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ ، عَمَلًا بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُوجِبِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10714غَصَبَ عَسَلًا وَشَيْرَجًا وَنَشَاءً فَعَقَدَ الْجَمِيعُ فَالُوذَجًا ، ضَمِنَ عِنْدَهُمْ مَعَ بَقَاءِ مَنَافِعَ كَثِيرَةٍ مَعَ الْمَالِيَّةِ ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=16815غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ ، أَوْ حِنْطَةً فَبَلَّهَا بَلَلًا فَاحِشًا ، ضَمِنَ الدَّرْكَ عِنْدَهُمْ مَعَ بَقَاءِ التَّقَرُّبِ فِي الْعِتْقِ فِي الْأَوَّلِ ، وَالْمَالِيَّةِ فِي الثَّانِي ، لَكِنَّ جُلَّ الْمَقْصُودِ ذَهَبَ ، فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا ، وَلَا يُقَالُ فِي الْآبِقِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمِيعِ الْعَيْنِ ، وَفِي الْحِنْطَةِ يَتَدَاعَى الْفَسَادُ إِلَيْهِمَا ; لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ ، وَأَفْسَدَهُ عَلَيْهِ نَاجِزًا مَعَ إِمْكَانِ تَجْفِيفِ الْحِنْطَةِ وَعَمَلِهَا سَوِيقًا وَغَيْرَ ذَلِكَ ، احْتَجُّوا : بِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ " ، وَالِاعْتِدَاءُ حَصَلَ فِي الْبَعْضِ ، فَتَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْبَعْضِ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ صَدَرَتْ فِي غَيْرِ بَغْلَةِ الْأَمِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْقِيمَةُ ، فَكَذَلِكَ فِيهَا كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ وَالدَّارِ ; لَأَنَّ تَقْوِيمَ الْمُتْلَفَاتِ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ ، إِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِالْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=16769_25469قَطَعَ ذَنَبَ حِمَارِ التَّرَّابِ ، أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ الْحَطَّابِ لَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ مَعَ تَعَذُّرِ بَيْعِهِ مِنَ
[ ص: 294 ] الْأَمِيرِ وَالْقَاضِي ، وَلِأَنَّهُمَا لَا يَلْبَسَانِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْقَطْعِ الْيَسِيرِ ، وَلَوْ قَطَعَ أُذُنَ الْأَمِيرِ نَفْسِهِ أَوْ أَنْفَ الْقَاضِي لَمَا اخْتَلَفَتِ الْجِنَايَةُ ، فَكَيْفَ بِدَابَّتِهِ ؟ ! مَعَ أَنَّ شَيْنَ الْقَاضِي بِقَطْعِ أَنْفِهِ أَعْظَمُ مِنَ الْعَامَّةِ . وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ يُعْوِرَ فَرَسَهُ مِثْلَ فِعْلِ الْجَانِي ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِجْمَاعًا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي الدِّمَاءِ لَا فِي الْأَمْوَالِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : " عَلَيْكُمْ " إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ نُفُوسَنَا دُونَ أَمْوَالِنَا ، وَعَنِ الثَّانِي : أَنَّ الدَّارَ جُلُّ مَقْصُودِهَا حَاصِلٌ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : لَا يَخْتَلِفُ التَّقْوِيمُ بِاخْتِلَافِ الْمُلَّاكِ ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِأَنَّ الدَّابَّةَ الصَّالِحَةَ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ كَالْقُضَاةِ وَالْحَطَّابِينَ أَنْفَسُ قِيمَةً لِعُمُومِ الْأَغْرَاضِ ، وَلِتَوَقُّعِ الْمُنَافَسَةِ فِي الْمُزَايَدَةِ أَكْثَرَ مِنَ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ، وَأَمَّا أُذُنُ الْأَمِيرِ وَأَنْفُ الْقَاضِي فَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَزَايَا الرِّجَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي بَابِ الدِّمَاءِ ، وَمَزَايَا الْأَمْوَالِ مُعْتَبَرَةٌ فَيَأْسِرُ فَدِيَةَ أَشْجَعِ النَّاسِ وَأَعْلَمِهِمْ كَدِيَةِ أَجْبَنِ النَّاسِ وَأَجْهَلِهِمْ ، فَأَيْنَ أَحَدُ الْبَابَيْنِ مِنَ الْآخَرِ ؟ ! وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فَأَصْلُهَا أَنَّ الْقِيمَةَ عِنْدَنَا بَدَلُ الْعَيْنِ ; فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ ، وَعِنْدَ بَدَلِ الْيَدَيْنِ فَيَجْتَمِعُ الْمُعَوَّضُ ، بِقِيمَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الَّتِي لَمْ تَقَابَلْ بِعِوَضٍ .
لَنَا : فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25469_16771ذَهَابَ الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ يُوجِبُ كَمَالَ الْقِيمَةِ فِي جَمِيعِ الْعَيْنِ ، وَلِأَنَّا إِنَّمَا نُقَوِّمُ الْعَيْنَ فَتَكُونُ الْقِيمَةُ عِوَضًا ، وَلِأَنَّ الْمَمْلُوكَ تُضْمَنُ أَجْزَاؤُهُ بِالتَّلَفِ بِمَا تُضْمَنُ بِهِ جُمْلَتِهِ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ إِجْمَاعًا . أَوْ نَقُولُ : لَا نُسَلِّمُ لَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى ثَوْبٍ ، أَوْ قِيَاسًا عَلَى مِثْلِهِ ; وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ حَقِيقَتُهَا قِيَامُهَا مَقَامَ الْعَيْنِ ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ قِيمَةً ، فَلَوْ حَصَلَ لَهُ الْقِيمَةُ مَعَ الْعَيْنِ لَمَا قَامَتْ مَقَامَهَا ، وَلَكَانَ لِلشَّيْءِ قِيمَتَانِ ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ .