الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الخامس : صدق أقواله - صلى الله عليه وسلم -

          وأما أقواله - صلى الله عليه وسلم - فقامت الدلائل الواضحة بصحة المعجزة على صدقه ، وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منها بخلاف ما هو به ، لا قصدا ، ولا عمدا ، ولا سهوا ، ولا غلطا .

          أما تعمد الخلف في ذلك فمنتف ، بدليل المعجزة القائمة مقام قول الله صدق فيما قال اتفاقا ، وبإطباق أهل الملة إجماعا .

          وأما وقوعه على جهة الغلط في ذلك فبهذه السبيل عند الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائني ، ومن قال بقوله ، ومن جهة الإجماع فقط وورود الشرع بانتقاء ذلك ، وعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من مقتضى المعجزة نفسها عند القاضي أبي بكر الباقلاني ، ومن وافقه لاختلاف بينهم في مقتضى دليل المعجزة لا نطول بذكره ، فنخرج عن غرض الكتاب ، فلنعتمد على ما وقع عليه إجماع المسلمين أنه لا يجوز عليه خلف في القول في إبلاغ الشريعة ، والإعلام بما أخبر به عن ربه ، وما أوحاه إليه من وحيه ، لا على وجه العمد ، ولا على غير عمد ، ولا في حالي الرضى ، والسخط ، والصحة ، والمرض .

          وفي حديث عبد الله بن عمرو : قلت يا رسول الله ، أكتب كل ما أسمع منك ؟ قال : [ نعم ] . قلت : في الرضى والغضب ؟ قال : نعم ، فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا .

          ولنزد ما أشرنا إليه من دليل المعجزة عليه بيانا ، فنقول :

          إذا قامت المعجزة على صدقه ، وأنه لا يقول إلا حقا ، ولا يبلغ عن الله إلا صدقا ، وأن المعجزة قائمة مقام قول الله له : صدقت فيما تذكره عني ، وهو يقول : إني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم لأبلغكم ما أرسلت به إليكم ، أبين لكم ما نزل عليكم ، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [ النجم : 3 - 4 ] .

          وقد جاءكم الرسول بالحق من ربكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ الحشر : 7 ] ، فلا يصح أن يوجد [ ص: 477 ] منه في هذا الباب خبر بخلاف مخبره على أي وجه كان .

          فلو جوزنا عليه الغلط ، والسهو لما تميز لنا من غيره ، ولا اختلط الحق بالباطل ، فالمعجزة مشتملة على تصديقه جملة واحدة من غير خصوص فتنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك كله واجب برهانا ، وإجماعا كما قاله أبو إسحاق .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية