الفصل العاشر : فيما أظهره الله - تعالى - في كتابه العزيز
من كرامته عليه ، ومكانته عنده ، وما خصه الله به من ذلك سوى ما انتظم فيما ذكرناه :
من ذلك ما قصه - تعالى - في قصة الإسراء في سورة : سبحان والنجم ، وما انطوت عليه القصة من
[ ص: 145 ] عظيم منزلته ، وقربه ، ومشاهدته ما شاهد من العجائب ، ومن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=11467عصمته من الناس بقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67والله يعصمك من الناس [ المائدة : 67 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وإذ يمكر بك الذين كفروا [ الأنفال : 30 ] الآية وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه فقد نصره الله [ التوبة : 40 ] ، وما رفع الله به عنه في هذه القصة من أذاهم بعد تحريهم لهلكه ، وخلوصهم نجيا في أمره ، والأخذ على أبصارهم عند خروجه عليهم ، وذهولهم عن طلبه في الغار ، وما ظهر في ذلك من آيات ، ونزول السكينة عليه ، وقصة
سراقة بن مالك حسب ما ذكره أهل الحديث والسير في قصة
الغار ، وحديث الهجرة ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر [ الكوثر : 1 - 2 ] أعلمه الله تعالى بما أعطاه ، والكوثر حوضه ، وقيل : نهر في الجنة ، وقيل : الخير الكثير ، وقيل : الشفاعة ، وقيل : المعجزات الكثيرة ، وقيل : النبوة ، وقيل : المعرفة . ثم أجاب عنه عدوه ، ورد عليه قوله ، فقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=3إن شانئك هو الأبتر [ الكوثر : 3 ] أي عدوك ، ومبغضك ، والأبتر : الحقير الذليل ، أو المفرد الوحيد ، أو الذي لا خير فيه ، وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=87nindex.php?page=treesubj&link=28986ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم [ الحجر : 7 8 ] . وقيل : السبع المثاني السور الطوال الأول ، والقرآن العظيم : أم القرآن وقيل : السبع المثاني : أم القرآن والقرآن العظيم : سائره ، وقيل : السبع المثاني : ما في القرآن من أمر ، ونهي ، وبشرى ، وإنذار ، وضرب مثل ، وإعداد نعم ، وآتيناك نبأ القرآن العظيم ، وقيل : سميت أم القرآن مثاني لأنها تثنى في كل ركعة ، وقيل : بل الله - تعالى - استثناها
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وذخرها له دون الأنبياء ، وسمي القرآن مثاني : لأن القصص تثنى فيه ، وقيل : السبع المثاني : أكرمناك بسبع كرامات : الهدي ، والنبوة ، والرحمة ، والشفاعة ، والولاية ، والتعظيم ، والسكينة .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وأنزلنا إليك الذكر [ النحل : 44 ] الآية ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=28وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا [ سبأ : 28 ] ، وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي [ الأعراف : 158 ] الآية قال القاضي - رحمه الله - فهذه من خصائصه ، وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=4وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم [ إبراهيم : 4 ] ، فخصهم بقومهم ، وبعث
محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى الخلق كافة ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989102بعثت إلى الأحمر ، والأسود وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم [ الأحزاب : 6 ] . قال أهل التفسير : أولى بالمؤمنين من أنفسهم : أي ما أنفذه فيهم من أمر فهو ماض عليهم كما يمضي حكم السيد على عبده ، وقيل : اتباع أمره أولى من اتباع رأي النفس ، وأزواجه أمهاتهم ، أي هن في
[ ص: 146 ] الحرمة كالأمهات ، حرم نكاحهن عليهم بعده ، تكرمة له ، وخصوصية ، ولأنهن له أزواج في الآخرة ، وقد قرئ : وهو أب لهم ، ولا يقرأ به الآن لمخالفته المصحف ، وقال الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة [ النساء : 113 ] الآية . قيل : فضله العظيم بالنبوة ، وقيل : بما سبق له في الأزل ، وأشار الواسطي إلى أنها إشارة إلى احتمال الرؤية التي لم يحتملها
موسى - عليه السلام - .
الْفَصْلُ الْعَاشِرُ : فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ
مِنْ كَرَامَتِهِ عَلَيْهِ ، وَمَكَانَتِهِ عِنْدَهُ ، وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ سِوَى مَا انْتَظَمَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ :
مِنْ ذَلِكَ مَا قَصَّهُ - تَعَالَى - فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ فِي سُورَةِ : سُبْحَانَ وَالنَّجْمِ ، وَمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةُ مِنْ
[ ص: 145 ] عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ ، وَقُرْبِهِ ، وَمُشَاهَدَتِهِ مَا شَاهَدَ مِنَ الْعَجَائِبِ ، وَمِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=11467عِصْمَتُهُ مِنَ النَّاسِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ الْمَائِدَةِ : 67 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [ الْأَنْفَالِ : 30 ] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ [ التَّوْبَةِ : 40 ] ، وَمَا رَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ أَذَاهُمْ بَعْدَ تَحَرِّيِهِمْ لَهُلْكِهِ ، وَخُلُوصِهِمْ نَجِيًّا فِي أَمْرِهِ ، وَالْأَخْذِ عَلَى أَبْصَارِهِمْ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَلَيْهِمْ ، وَذُهُولِهِمْ عَنْ طَلَبِهِ فِي الْغَارِ ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آيَاتٍ ، وَنُزُولِ السَّكِينَةِ عَلَيْهِ ، وَقِصَّةِ
سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ حَسَبَ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ فِي قِصَّةِ
الْغَارِ ، وَحَدِيثِ الْهِجْرَةِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [ الْكَوْثَرِ : 1 - 2 ] أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا أَعْطَاهُ ، وَالْكَوْثَرُ حَوْضُهُ ، وَقِيلَ : نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَقِيلَ : الْخَيْرُ الْكَثِيرُ ، وَقِيلَ : الشَّفَاعَةُ ، وَقِيلَ : الْمُعْجِزَاتُ الْكَثِيرَةُ ، وَقِيلَ : النُّبُوَّةُ ، وَقِيلَ : الْمَعْرِفَةُ . ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ عَدُوَّهُ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، فَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=3إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ الْكَوْثَرِ : 3 ] أَيْ عَدُوَّكَ ، وَمُبْغِضَكَ ، وَالْأَبْتَرُ : الْحَقِيرُ الذَّلِيلُ ، أَوِ الْمُفْرَدُ الْوَحِيدُ ، أَوِ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ ، وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=87nindex.php?page=treesubj&link=28986وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [ الْحِجْرِ : 7 8 ] . وَقِيلَ : السَّبْعُ الْمَثَانِي السُّوَرُ الطِّوَالُ الْأُوَلُ ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ : أُمُّ الْقُرْآنِ وَقِيلَ : السَّبْعُ الْمَثَانِي : أُمُّ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ : سَائِرُهُ ، وَقِيلَ : السَّبْعُ الْمَثَانِي : مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرٍ ، وَنَهْيٍ ، وَبُشْرَى ، وَإِنْذَارٍ ، وَضَرْبِ مَثَلٍ ، وَإِعْدَادِ نِعَمٍ ، وَآتَيْنَاكَ نَبَأَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَقِيلَ : سُمِّيَتْ أُمُّ الْقُرْآنِ مَثَانِيَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، وَقِيلَ : بَلِ اللَّهُ - تَعَالَى - اسْتَثْنَاهَا
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَذَخَرَهَا لَهُ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ مَثَانِيَ : لِأَنَّ الْقَصَصَ تُثْنَى فِيهِ ، وَقِيلَ : السَّبْعُ الْمَثَانِي : أَكْرَمْنَاكَ بِسَبْعِ كَرَامَاتٍ : الْهَدْيُ ، وَالنُّبُوَّةُ ، وَالرَّحْمَةُ ، وَالشَّفَاعَةُ ، وَالْوِلَايَةُ ، وَالتَّعْظِيمُ ، وَالسَّكِينَةُ .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ [ النَّحْلِ : 44 ] الْآيَةَ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=28وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [ سَبَأٍ : 28 ] ، وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي [ الْأَعْرَافِ : 158 ] الْآيَةَ قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ ، وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=4وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [ إِبْرَاهِيمَ : 4 ] ، فَخَصَّهُمْ بِقَوْمِهِمْ ، وَبَعَثَ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989102بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ ، وَالْأَسْوَدِ وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [ الْأَحْزَابِ : 6 ] . قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ : أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ : أَيْ مَا أَنْفَذَهُ فِيهِمْ مِنْ أَمْرٍ فَهُوَ مَاضٍ عَلَيْهِمْ كَمَا يَمْضِي حُكْمُ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ ، وَقِيلَ : اتِّبَاعُ أَمْرِهِ أَوْلَى مِنَ اتِّبَاعِ رَأْيِ النَّفْسِ ، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ، أَيْ هُنَّ فِي
[ ص: 146 ] الْحُرْمَةِ كَالْأُمَّهَاتِ ، حُرِّمَ نِكَاحُهُنَّ عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ ، تَكْرِمَةً لَهُ ، وَخُصُوصِيَّةً ، وَلِأَنَّهُنَّ لَهُ أَزْوَاجٌ فِي الْآخِرَةِ ، وَقَدْ قُرِئَ : وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ ، وَلَا يُقْرَأُ بِهِ الْآنَ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُصْحَفَ ، وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [ النِّسَاءِ : 113 ] الْآيَةَ . قِيلَ : فَضْلُهُ الْعَظِيمُ بِالنُّبُوَّةِ ، وَقِيلَ : بِمَا سَبَقَ لَهُ فِي الْأَزَلِ ، وَأَشَارَ الْوَاسِطِيُّ إِلَى أَنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى احْتِمَالِ الرُّؤْيَةِ الَّتِي لَمْ يَحْتَمِلْهَا
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .