الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      142- وقال: (ادخلوا في السلم كافة)

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 180 ] و"السلم": الإسلام. وقوله: (وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون) ذلك: الصلح. وقد قال بعضهم في "السلم": "الصلح. وقال: (ويلقوا إليكم السلم) وهو الاستسلام. وقال: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) أي: قالوا "براءة منكم" لأن "السلام" في بعض الكلام هو: البراءة. يقول: "إنما فلان سلام بسلام" أي: لا يخالط أحدا. قال الشاعر [ أمية بن أبي الصلت ]:


                                                                                                                                                                                                                      (148) سلامك ربنا في كل فجر بريئا ما تغنثك الذموم

                                                                                                                                                                                                                      يعني تأونك، يقول: "براءتك". وقال: (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام) [ ص: 181 ] وهذا فيما يزعم المفسرون: قالوا خيرا. كأنه - والله أعلم - سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيرا، فلما عرف أنهم موحدون قال: "سلام عليكم" فسلم عليهم. فهذا الوجه رفع على الابتداء. وقال بعضهم: "ما كان من كلام الملائكة فهو نصب وما كان من الإنسان فهو رفع في السلام". وهذا ضعيف ليس بحجة. وقال: (فاصفح عنهم وقل سلام) فهذا يجوز على معنى: "سلام عليكم" في التسليم. أو يكون على البراءة إلا أنه جعله خبرا لمبتدأ كأنه قال "أمري سلام". أي: أمري براءة منكم، وأضمر الاسم كما يضمر الخبر. وقال الشاعر [ ذو الرمة ]:


                                                                                                                                                                                                                      (149) فيا ظبية الوعساء بين جلاجل     وبين النقا آأنت أم أم سالم

                                                                                                                                                                                                                      على: "أأنت هي أم أم سالم " أي: أشكلت علي بشبه أم سالم بك. وكل هذا قد أضمر الخبر فيه. ومثل ذلك: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) فلما قال: (أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) كان فيه دليل على معنى: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح، ومن أنفق من بعد الفتح، أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء.

                                                                                                                                                                                                                      وقال: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) لأن كل اسم على "فعلة" خفيف إذا جمع حرك ثانيه بالضم نحو" ظلمات" و"غرفات" لأن مخرج الحرفين بلفظ واحد إذا قرب أحدهما من صاحبه أيسر عليهم. وقد فتحه بعضهم فقال: "الركبات" و"الغرفات" و"الظلمات"، وأسكن بعضهم ما كان من الواو كما يسكن ما كان من الياء نحو: "كليات" وأسكن اللام لئلا تحول الياء واوا فأسكنها في "خطوات"

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 182 ] لأن الواو أخت الياء. وما كان على "فعلة" نحو: "سلوة" و"شهوة" حرك ثانيه في الجمع بالفتح نحو: "سلوات" و"شهوات" فإذا كان أوله مكسورا كسر ثانيه نحو: "كسرة" و"كسرات"، و"سدرة"، و"سدرات". وقد فتح بعضهم ثاني هذا كما فتح ثاني المضموم واستثقل الضمتين والكسرتين. وما كان من نحو هذا ثانيه واو أو ياء أو التقى فيه حرفان من جنس واحد لم يحرك، نحو: "دومة" و"دومات"، و"عوذة" و"عوذات" وهي: المعاذة، و"بيضة" و"بيضات" ، و"ميتة" و"ميتات". لأن هذا لو حرك لتغير وصار ألفا فكان يغير بناء الاسم فاستثقلوا ذلك. وقالوا: "عضة" و"عضات" فلم يحركوا لأن هذا موضع تتحرك فيه لام الفعل فلا يضعف ولولا أنه حرك لضعف.

                                                                                                                                                                                                                      وأكثر في "الظلمات" و"الكسرات" وما أشبههما أن يحرك الثاني على الأول. وقد دعاهم ذلك إلى أن قالوا "اذكر" فضموا "الألف" لضمة الكاف وبينهما حرف فذلك أخلق.

                                                                                                                                                                                                                      وقد قال بعضهم: "أنا أنبوءك" و"أنا أجوءك" فضم الباء والجيم لضمة الهمزة ليجعلهما على لفظ واحد، فهذا أشد من ذاك. وقال: "هذا هو منحدر من الجبل" يريد "منحدر" فضم الدال لضمة الراء، كما ضم الباء والجيم في "أنبوءك" و "أجوءك".

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية