الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا اتخذ الله ولدا : حكاية لطرف آخر من مقالاتهم الباطلة المحكية فيما سلف؛ معطوفة على ما قبلها من قوله (تعالى): وقالت ؛ إلخ.. لا على صلة "من"؛ لما بينهما من الجمل الكثيرة الأجنبية؛ والضمير لليهود؛ والنصارى؛ ومن شاركهم فيما قالوا من الذين لا يعلمون؛ وقرئ بغير واو؛ على الاستئناف؛ نزلت حين قالت اليهود: عزير ابن الله؛ والنصارى: المسيح ابن الله؛ ومشركو العرب: الملائكة بنات الله. والاتخاذ: إما بمعنى "الصنع"؛ و"العمل"؛ فلا يتعدى إلا إلى واحد؛ وإما بمعنى "التصيير"؛ والمفعول الأول محذوف؛ أي: صير بعض مخلوقاته ولدا؛ سبحانه : تنزيه؛ وتبرئة له (تعالى) عما قالوا؛ و"سبحان": علم للتسبيح؛ كـ "عثمان"؛ للرجل؛ وانتصابه على المصدرية؛ ولا يكاد يذكر ناصبه؛ أي: أسبح سبحانه؛ أي: أنزهه تنزيها لائقا به؛ وفيه من التنزيه البليغ من حيث الاشتقاق من "السبح"؛ الذي هو الذهاب والإبعاد في الأرض؛ ومن جهة النقل إلى التفعيل؛ ومن جهة العدول من المصدر إلى الاسم الموضوع له خاصة؛ لا سيما العلم المشير إلى الحقيقة الحاضرة في الذهن؛ ومن جهة إقامته مقام المصدر مع الفعل ما لا يخفى؛ وقيل: هو مصدر؛ كـ "غفران"؛ بمعنى "التنزه"؛ أي: تنزه بذاته تنزها حقيقا به؛ ففيه مبالغة من حيث إسناد البراءة إلى الذات المقدسة؛ وإن كان التنزيه اعتقاد نزاهته (تعالى) عما لا يليق به؛ لا إثباتها له (تعالى)؛ وقوله (تعالى): بل له ما في السماوات والأرض : رد لما زعموا؛ وتنبيه على بطلانه؛ وكلمة "بل": للإضراب عما يقتضيه مقالتهم الباطلة من مجانسته - سبحانه وتعالى - لشيء من المخلوقات؛ ومن سرعة فنائه المحوجة إلى اتخاذ ما يقوم مقامه؛ فإن مجرد الإمكان والفناء لا يوجب ذلك؛ ألا يرى أن الأجرام الفلكية؛ مع إمكانها وفنائها بالآخرة؛ مستغنية [ ص: 151 ] بدوامها؛ وطول بقائها عما يجري مجرى الولد من الحيوان؛ أي: ليس الأمر كما زعموا؛ بل هو خالق جميع الموجودات؛ التي من جملتها عزير؛ والمسيح؛ والملائكة؛ كل : التنوين عوض عن المضاف إليه؛ أي كل ما فيهما - كائنا ما كان - من أولي العلم؛ وغيرهم؛ له قانتون ؛ منقادون؛ لا يستعصي شيء منهم على تكوينه؛ وتقديره؛ ومشيئته؛ ومن كان هذا شأنه لم يتصور مجانسته لشيء؛ ومن حق الولد أن يكون من جنس الوالد؛ وإنما جيء بـ "ما" المختصة بغير أولي العلم تحقيرا لشأنهم؛ وإيذانا بكمال بعدهم عما نسبوا إلى بعض منهم. وصيغة جمع العقلاء في "قانتون"؛ للتغليب؛ أو: كل من جعلوه لله (تعالى) ولدا له قانتون؛ أي: مطيعون؛ عابدون له؛ معترفون بربوبيته (تعالى) ؛ كقوله (تعالى): أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية