الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل مبدأ التوبة ومنتهاها

والتوبة لها مبدأ ومنتهى ، فمبدؤها الرجوع إلى الله بسلوك صراطه المستقيم الذي نصبه لعباده ، موصلا إلى رضوانه ، وأمرهم بسلوكه بقوله تعالى : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل وبقوله : وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وبقوله : وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد .

ونهايتها الرجوع إليه في المعاد ، وسلوك صراطه الذي نصبه موصلا إلى جنته ، فمن رجع إلى الله في هذه الدار بالتوبة رجع إليه في المعاد بالثواب ، وهذا هو أحد التأويلات في قوله تعالى ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا قال البغوي وغيره : يتوب إلى الله متابا يعود إليه بعد الموت ، متابا حسنا يفضل على غيره فالتوبة الأولى - وهي قوله : ومن تاب - رجوع عن الشرك ، والثانية : رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة .

[ ص: 321 ] والتأويل الثاني : أن الجزاء متضمن معنى الأوامر ، والمعنى : ومن عزم على التوبة وأرادها ، فليجعل توبته إلى الله وحده ، ولوجهه خالصا ، لا لغيره .

التأويل الثالث : أن المراد لازم هذا المعنى ، وهو إشعار التائب وإعلامه بمن تاب إليه ، ورجع إليه ، والمعنى : فليعلم توبته إلى من ؟ ورجوعه إلى من ؟ فإنها إلى الله لا إلى غيره .

ونظير هذا - على أحد التأويلين - قوله تعالى ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته أي اعلم ما يترتب على من عصى أوامره ولم يبلغ رسالته .

والتأويل الرابع : أن التوبة تكون أولا بالقصد والعزم على فعلها ، ثم إذا قوي العزم وصار جازما وجد به فعل التوبة ، فالتوبة الأولى بالعزم والقصد لفعلها ، والثانية بنفس إيقاع التوبة وإيجادها ، والمعنى : فمن تاب إلى الله قصدا ونية وعزما ، فتوبته إلى الله عملا وفعلا ، وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية