الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم

                                                          بين الله تعالى أن من الإثم البالغ والضلال البعيد عبادة ما لا يضر ولا ينفع من جماد وغيره، ثم يبين سبحانه في هذه الآية أنه هو الذي ينفع ويضر والنفع يشاؤه لعباده والضرر يكتبه عليهم.

                                                          وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو المس إصابة الإحساس بالألم والانزعاج، وأنه لا كاشف له إلا الله، أي: رافعه ومزيله، وقد عبر سبحانه عن إزالته بالكشف; لأنه يكون كالغمة تصيب النفس وتستولي عليها ولا تنحسر إلا بأمر من الله تعالى. والضمير (هو) يعود على الله سبحانه وتعالى ذي الجلال والإكرام وهو يجب أن يكون مذكورا في النفس حاضرا في القلب دائما، فالضمير يعود إلى معلوم في النفوس والقلوب.

                                                          ويقول سبحانه: وإن يردك بخير فلا راد لفضله وهنا نجد إشارتين بيانيتين:

                                                          الإشارة الأولى - التعبير باسم الفاعل في قوله تعالى: فلا راد لفضله وهذا يفيد أنه لا يوجد من يستطيع رده فليس الكلام لمجرد الرد، بل هو نفي لوجود من يستطيع الرد ويقدر عليه. [ ص: 3646 ]

                                                          والإشارة الثانية - قوله تعالى: لفضله فيها إظهار في موضع الإضمار، ذلك لبيان أنه لفضل من الله ورحمة منه سبحانه وأنه واجب الشكر على هذه النعمة، وجاء التعبير هنا بقوله تعالى: وإن يردك بخير للإشارة إلى أن الخير مراد لله تعالى مقصود إنزاله بالشخص، وفي التعبير إبهام ثم بيان للتوكيد قال تعالى: وإن يردك ثم قال سبحانه: بخير فكان الأخير بيانا لإرادة الله تعالى بالعبد، ثم قال تعالى: يصيب به من يشاء من عباده أي: يصيب بهذا الفضل من تتعلق به مشيئة الله من عباده.

                                                          وتتعلق مشيئة الله بمن يسير في طريق الخير كما كتبه الله تعالى فيوصله إلى غايته، والخير المذكور في الآية هو النفع والهداية والاتجاه إلى الله ورجاء رحمته، ثم يختم الله تعالى هذه الآية بقوله: وهو الغفور الرحيم أي: أن مغفرته تعالى وقبوله التوبة هو الخير الذي يشاؤه لعباده، ومغفرته من رحمته، لأنه سبحانه يريد لهم الخير برحمته وفضله، والشيطان يسول لهم الشر، فالذين مكنوا الشيطان من نفوسهم حرموا من الخير، ومن أبعدوا وساوسه فقد اتجهوا إلى الله، وكل شيء بعلمه وتقديره سبحانه، كل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية