الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
444 حديث رابع لهشام بن عروة

مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : خسفت الشمس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس فقام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم قام فأطال القيام ، وهو دون القيام الأول ، ثم ركع فأطال الركوع ، وهو دون الركوع الأول ، ثم رفع فسجد ، ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك ، ثم انصرف وقد تجلت الشمس ، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله وكبروا وتصدقوا ، ثم قال : يا أمة محمد ، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ، يا أمة محمد ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا .

[ ص: 116 ]

التالي السابق


[ ص: 116 ] قال أهل اللغة : خسفت إذا ذهب ضوؤها ولونها ، وكسفت إذا تغير لونها . يقال : بئر خسيف إذا ذهب ماؤها ، وفلان كاسف اللون ، أي : متغير اللون ، ومنهم من يجعل الخسوف والكسوف واحدا ، والأول أولى والله أعلم .

وقد تقدم القول في معاني هذا الحديث وما للعلماء في صلاة الخسوف من المذاهب والمعاني ممهدا في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب ، فلا معنى لإعادة ذلك هاهنا .

وفي هذا الحديث حجة الشافعي في قوله : إن الإمام يخطب في الكسوف بعد الصلاة كالعيدين والاستسقاء ، ألا ترى إلى قوله في هذا الحديث : ثم انصرف وقد تجلت فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ، وهو قول الطبري .

وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : لا خطبة في الخسوف ، والحجة لهم أن خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ إنما كانت لأن الناس كانوا يقولون كسفت الشمس لموت إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم - فخطبهم ليعلمهم بأنه ليس كذلك ، وأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته .

واحتج الشافعي ومن قال بقوله في أن القمر يصلى لكسوفه كما يصلى في كسوف الشمس سواء في جماعة وعلى هيئتها بقوله - صلى الله عليه وسلم - : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة عند خسوفهما ، ولم يخص إحداهما دون الأخرى بشيء وصلى عند كسوف الشمس ، فكان القمر في حكم ذلك عند كسوفه إذ لم ينقل عنه خلاف ذلك - صلى الله عليه وسلم - في القمر .

[ ص: 117 ] وقال مالك وأبو حنيفة : يصلي الناس عند كسوف القمر وحدانا ركعتين ركعتين ركعتين ، ولا يصلون جماعة ، وكذلك القول عند أبي حنيفة في كسوف الشمس في هيئة الصلاة .

وقال الليث وعبد العزيز بن أبي سلمة : لا يجمع فيها ولكن يصلونها منفردين على هيئة الصلاة في كسوف الشمس ، وقال الشافعي وأصحابه والطبري : الصلاة في خسوف الشمس والقمر سواء على هيئة واحدة ركعتان في كل ركعة ركوعان جماعة ، وروي ذلك عن عثمان بن عفان وابن عباس ، وقد مضت هذه الآثار مهذبة في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب والحمد لله .




الخدمات العلمية