قوله : ( والشفاعة التي ادخرها لهم حق ، كما روي في الأخبار ) .
ش :
nindex.php?page=treesubj&link=28768الشفاعة أنواع : منها ما هو متفق عليه بين الأمة ، ومنها ما خالف فيه
المعتزلة ونحوهم من أهل البدع .
[ ص: 283 ] النوع الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=30373الشفاعة الأولى ، وهي العظمى ، الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم من بين سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين ، صلوات الله عليهم أجمعين . في ( ( الصحيحين ) ) وغيرهما عن جماعة من الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين ، أحاديث الشفاعة .
منها : عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964280أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم ، فدفع إليه منها الذراع ، وكانت تعجبه ، فنهس منها نهسة ، ثم قال : أنا سيد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون لم ذلك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد [ واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون ] ، فيقول بعض الناس لبعض : ألا ترون ما أنتم فيه ؟ ألا ترون ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض : أبوكم آدم ، فيأتون آدم ، فيقولون : يا آدم ، أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول آدم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت ، نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح ، فيأتون نوحا ، فيقولون : يا نوح ، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسماك الله عبدا شكورا ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول نوح : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي ، نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى إبراهيم ، فيأتون إبراهيم ، فيقولون : يا إبراهيم ، أنت [ ص: 284 ] نبي الله وخليله من أهل الأرض ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وذكر كذباته ، نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى موسى ، فيأتون موسى : فيقولون : يا موسى ، أنت رسول الله ، اصطفاك الله برسالاته وبتكليمه على الناس ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم موسى : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها ، نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى عيسى ، فيأتون عيسى ، فيقولون : يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، قال : هكذا هو ، وكلمت الناس في المهد ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم عيسى : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن [ ص: 285 ] يغضب بعده مثله ، ولم يذكر له ذنبا ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فيأتوني ، فيقولون : يا محمد ، أنت رسول الله ، وخاتم الأنبياء ، غفر الله لك ذنبك ، ما تقدم منه وما تأخر ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فأقوم ، فآتي تحت العرش ، فأقع ساجدا لربي عز وجل ، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ، فيقال : يا محمد ، ارفع رأسك ، سل تعطه ، اشفع تشفع ، فأقول : يا رب أمتي أمتي ، يا رب أمتي أمتي ، يا رب أمتي أمتي ، فيقول : أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب ، ثم قال : والذي نفسي بيده ، لما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر ، أو كما بين مكة وبصرى .
أخرجاه في ( ( الصحيحين ) ) بمعناه ، واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12251للإمام أحمد .
والعجب كل العجب ، من إيراد الأئمة لهذا الحديث من أكثر طرقه ، لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى ، في مأتى الرب سبحانه وتعالى لفصل القضاء ، كما ورد هذا في حديث الصور ، فإنه المقصود في هذا المقام ، ومقتضى سياق أول الحديث ، فإن الناس إنما يستشفعون إلى
آدم فمن بعده من الأنبياء في أن يفصل بين الناس ويستريحوا من
[ ص: 286 ] مقامهم ، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه ، فإذا وصلوا إلى الجزاء إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار . وكان مقصود السلف - في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث - هو الرد على
الخوارج ومن تابعهم من
المعتزلة ، الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها ، فيذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم ، فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث .
وقد جاء التصريح بذلك في حديث الصور ، ولولا خوف الإطالة لسقته بطوله ، لكن من مضمونه : أنهم يأتون
آدم ثم
نوحا ، ثم
إبراهيم ، ثم
موسى ، ثم
عيسى ، ثم يأتون رسول الله
محمدا صلى الله عليه وسلم ، فيذهب فيسجد تحت العرش في مكان يقال له : الفحص ، فيقول الله : ما شأنك ؟ وهو أعلم ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=964281قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني ، في خلقك ، فاقض بينهم ، فيقول سبحانه وتعالى : شفعتك ، أنا آتيكم فأقضي بينهم ، قال : فأرجع فأقف مع الناس ، ثم ذكر انشقاق السماوات ، وتنزل الملائكة في الغمام ، ثم يجيء الرب سبحانه وتعالى لفصل القضاء ، والكروبيون والملائكة المقربون يسبحون بأنواع التسبيح ، قال : فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه ، ثم يقول : إني أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع أقوالكم ، وأرى أعمالكم ، فأنصتوا إلي ، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ، إلى [ ص: 287 ] أن قال : فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة ، قالوا : من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة ؟ فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم ، إنه خلقه الله بيده ، ونفخ فيه روحه ، وكلمه قبلا ، فيأتون آدم ، فيطلبون ذلك إليه ، وذكر نوحا ، ثم إبراهيم ، ثم موسى ، ثم عيسى ، ثم محمدا صلى الله عليه وسلم . . . إلى أن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فآتي الجنة ، فآخذ بحلقة الباب ، ثم أستفتح ، فيفتح لي ، فأحيي ويرحب بي ، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا ، فيأذن لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه ، ثم يقول الله لي : ارفع يا محمد ، واشفع تشفع ، وسل تعطه ، فإذا رفعت رأسي ، قال الله - وهو أعلم - : ما شأنك ؟ فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة ، فيقول الله عز وجل : قد شفعتك ، وأذنت لهم في دخول الجنة . . . الحديث . رواه الأئمة :
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في تفسيره ،
[ ص: 288 ] nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ،
nindex.php?page=showalam&ids=12201وأبو يعلى الموصلي ،
والبيهقي وغيرهم .
النوع الثاني والثالث من الشفاعة :
nindex.php?page=treesubj&link=30373شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة ، وفي أقوام آخرين قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلونها .
النوع الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=30373شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل الجنة فيها
[ ص: 289 ] فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم . وقد وافقت
المعتزلة هذه الشفاعة خاصة ، وخالفوا فيما عداها من المقامات ، مع تواتر الأحاديث فيها .
النوع الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=30373الشفاعة في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب ، ويحسن أن يستشهد لهذا النوع بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=5735عكاشة بن محصن ، حين دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعله من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، والحديث مخرج في ( ( الصحيحين ) ) .
النوع السادس :
nindex.php?page=treesubj&link=30373الشفاعة في تخفيف العذاب عمن يستحقه ، كشفاعته في عمه
أبي طالب أن يخفف عنه عذابه . ثم قال
القرطبي في التذكرة بعد ذكر هذا النوع : فإن قيل : فقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=48فما تنفعهم شفاعة الشافعين ( المدثر : 48 ) . قيل له : لا تنفعه في الخروج من النار ، كما تنفع عصاة الموحدين ، الذين يخرجون منها ويدخلون الجنة .
[ ص: 290 ] النوع السابع :
nindex.php?page=treesubj&link=30373شفاعته أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنة ، كما تقدم . وفي صحيح
مسلم عن
أنس رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964282أنا أول شفيع في الجنة .
قَوْلُهُ : ( وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ ) .
ش :
nindex.php?page=treesubj&link=28768الشَّفَاعَةُ أَنْوَاعٌ : مِنْهَا مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ ، وَمِنْهَا مَا خَالَفَ فِيهِ
الْمُعْتَزِلَةُ وَنَحْوُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ .
[ ص: 283 ] النَّوْعُ الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30373الشَّفَاعَةُ الْأُولَى ، وَهِيَ الْعُظْمَى ، الْخَاصَّةُ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . فِي ( ( الصَّحِيحَيْنِ ) ) وَغَيْرِهِمَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، أَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ .
مِنْهَا : عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964280أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ مِنْهَا الذِّرَاعُ ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ، ثُمَّ قَالَ : أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَلْ تَدْرُونَ لِمَ ذَلِكَ ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ [ وَاحِدٍ يَسْمَعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسُ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ ] ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ : أَلَا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ : أَبُوكُمْ آدَمُ ، فَيَأْتُونَ آدَمَ ، فَيَقُولُونَ : يَا آدَمُ ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ آدَمُ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ ، فَيَأْتُونَ نُوحًا ، فَيَقُولُونَ : يَا نُوحُ ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ نُوحٌ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ ، فَيَقُولُونَ : يَا إِبْرَاهِيمُ ، أَنْتَ [ ص: 284 ] نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى ، فَيَأْتُونَ مُوسَى : فَيَقُولُونَ : يَا مُوسَى ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ، فَيَأْتُونَ عِيسَى ، فَيَقُولُونَ : يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، قَالَ : هَكَذَا هُوَ ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ [ ص: 285 ] يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَأْتُونِي ، فَيَقُولُونَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ ، غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ ، مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَأَقُومُ ، فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبَلِي ، فَيُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ ، ارْفَعْ رَأْسَكَ ، سَلْ تُعْطَهْ ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي ، يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي ، يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي ، فَيَقُولُ : أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَبْوَابِ ، ثُمَّ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لِمَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى .
أَخْرَجَاهُ فِي ( ( الصَّحِيحَيْنِ ) ) بِمَعْنَاهُ ، وَاللَّفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ .
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ ، مِنْ إِيرَادِ الْأَئِمَّةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَكْثَرِ طُرُقِهِ ، لَا يَذْكُرُونَ أَمْرَ الشَّفَاعَةِ الْأُولَى ، فِي مَأْتَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِفَصْلِ الْقَضَاءِ ، كَمَا وَرَدَ هَذَا فِي حَدِيثِ الصُّورِ ، فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمُقَامِ ، وَمُقْتَضَى سِيَاقِ أَوَّلِ الْحَدِيثِ ، فَإِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يَسْتَشْفِعُونَ إِلَى
آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ النَّاسِ وَيَسْتَرِيحُوا مِنْ
[ ص: 286 ] مُقَامِهِمْ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سِيَاقَاتُهُ مِنْ سَائِرِ طُرُقِهِ ، فَإِذَا وَصَلُوا إِلَى الْجَزَاءِ إِنَّمَا يَذْكُرُونَ الشَّفَاعَةَ فِي عُصَاةِ الْأُمَّةِ وَإِخْرَاجَهُمْ مِنَ النَّارِ . وَكَانَ مَقْصُودُ السَّلَفِ - فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ مِنَ الْحَدِيثِ - هُوَ الرَّدُّ عَلَى
الْخَوَارِجِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ ، الَّذِينَ أَنْكَرُوا خُرُوجَ أَحَدٍ مِنَ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهَا ، فَيَذْكُرُونَ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ النَّصُّ الصَّرِيحُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ ، فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنَ الْبِدْعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْأَحَادِيثِ .
وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ ، وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَسُقْتُهُ بِطُولِهِ ، لَكِنْ مِنْ مَضْمُونِهِ : أَنَّهُمْ يَأْتُونَ
آدَمَ ثُمَّ
نُوحًا ، ثُمَّ
إِبْرَاهِيمَ ، ثُمَّ
مُوسَى ، ثُمَّ
عِيسَى ، ثُمَّ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَذْهَبُ فَيَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ فِي مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ : الْفَحْصُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : مَا شَأْنُكَ ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=964281قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ ، فَشَفِّعْنِي ، فِي خَلْقِكَ ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ ، فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : شَفَّعْتُكَ ، أَنَا آتِيكُمْ فَأَقْضِي بَيْنَهُمْ ، قَالَ : فَأَرْجِعُ فَأَقِفُ مَعَ النَّاسِ ، ثُمَّ ذَكَرَ انْشِقَاقَ السَّمَاوَاتِ ، وَتَنَزُّلَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْغَمَامِ ، ثُمَّ يَجِيءُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِفَصْلِ الْقَضَاءِ ، وَالْكَرُوبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ يُسَبِّحُونَ بِأَنْوَاعِ التَّسْبِيحِ ، قَالَ : فَيَضَعُ اللَّهُ كُرْسِيَّهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ أَرْضِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : إِنِّي أُنْصِتُ لَكُمْ مُنْذُ خَلَقْتُكُمْ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا أَسْمَعُ أَقْوَالَكُمْ ، وَأَرَى أَعْمَالَكُمْ ، فَأَنْصِتُوا إِلَيَّ ، فَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ وَصُحُفُكُمْ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ، إِلَى [ ص: 287 ] أَنْ قَالَ : فَإِذَا أَفْضَى أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، قَالُوا : مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَنَدْخُلُ الْجَنَّةَ ؟ فَيَقُولُونَ : مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ ، إِنَّهُ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيهِ رُوحَهُ ، وَكَلَّمَهُ قَبْلًا ، فَيَأْتُونَ آدَمَ ، فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ ، وَذَكَرَ نُوحًا ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ ، ثُمَّ مُوسَى ، ثُمَّ عِيسَى ، ثُمَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . . . إِلَى أَنْ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَآتِي الْجَنَّةَ ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ ، ثُمَّ أَسْتَفْتِحُ ، فَيُفْتَحُ لِي ، فَأُحُيِّي وَيُرَحَّبُ بِي ، فَإِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَنَظَرْتُ إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ خَرَرْتُ لَهُ سَاجِدًا ، فَيَأْذَنُ لِي مِنْ حَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ بِشَيْءٍ مَا أَذِنَ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ لِي : ارْفَعْ يَا مُحَمَّدُ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، فَإِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي ، قَالَ اللَّهُ - وَهُوَ أَعْلَمُ - : مَا شَأْنُكَ ؟ فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ ، فَشَفِّعْنِي فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : قَدْ شَفَّعْتُكَ ، وَأَذِنْتُ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ . . . الْحَدِيثَ . رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ :
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ ،
[ ص: 288 ] nindex.php?page=showalam&ids=14687وَالطَّبَرَانِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12201وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ .
النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنَ الشَّفَاعَةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=30373شَفَاعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَامٍ قَدْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ ، فَيَشْفَعُ فِيهِمْ لِيَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ، وَفِي أَقْوَامٍ آخَرِينَ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ أَنْ لَا يَدْخُلُونَهَا .
النَّوْعُ الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30373شَفَاعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فِيهَا
[ ص: 289 ] فَوْقَ مَا كَانَ يَقْتَضِيهِ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ . وَقَدْ وَافَقَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ خَاصَّةً ، وَخَالَفُوا فِيمَا عَدَاهَا مِنَ الْمَقَامَاتِ ، مَعَ تَوَاتُرِ الْأَحَادِيثِ فِيهَا .
النَّوْعُ الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30373الشَّفَاعَةُ فِي أَقْوَامٍ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَيَحْسُنُ أَنْ يُسْتَشْهَدَ لِهَذَا النَّوْعِ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=5735عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ ، حِينَ دَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَالْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي ( ( الصَّحِيحَيْنِ ) ) .
النَّوْعُ السَّادِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30373الشَّفَاعَةُ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّهُ ، كَشَفَاعَتِهِ فِي عَمِّهِ
أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ عَذَابُهُ . ثُمَّ قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا النَّوْعِ : فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=48فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ( الْمُدَّثِّرِ : 48 ) . قِيلَ لَهُ : لَا تَنْفَعُهُ فِي الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ ، كَمَا تَنْفَعُ عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ ، الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ .
[ ص: 290 ] النَّوْعُ السَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30373شَفَاعَتُهُ أَنْ يُؤْذَنَ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ . وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964282أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ .