الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط

                                                                                                                                                                                                                                      فلما رأى أيديهم لا تصل إليه لا يمدون إليه أيديهم للأكل نكرهم أي: أنكرهم، يقال: نكره وأنكره واستنكره بمعنى، وإنما أنكرهم؛ لأنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف، ولم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يجئ بخير، وقد روي أنهم كانوا ينكتون بقداح كانت في أيديهم في اللحم، ولا تصل إليه أيديهم، وهذا الإنكار منه - عليه الصلاة والسلام - راجع إلى فعلهم المذكور، وأما إنكاره المتعلق بأنفسهم فلا تعلق له برؤية عدم أكلهم، وإنما وقع ذلك عند رؤيته لهم لعدم كونهم من جنس ما كان يعهده من الناس، ألا يرى إلى قوله تعالى في سورة الذاريات: سلام قوم منكرون ، وأوجس منهم أي: أحس أو أضمر من جهتهم خيفة لما ظن أن نزولهم لأمر أنكره الله تعالى عليه، أو لتعذيب قومه، وإنما أخر [ ص: 225 ] المفعول الصريح عن الظرف؛ لأن المراد الإخبار بأنه - عليه الصلاة والسلام - أوجس من جهتهم شيئا هو الخيفة، لا أنه أوجس الخيفة من جهتهم لا من جهة غيرهم، وتحقيقه أن تأخير ما حقه التقديم يوجب ترقب النفس إليه فيتمكن عند وروده عليها فضل تمكن.

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا لا تخف ما قالوه بمجرد ما رأوا منه مخايل الخوف إزالة له منه، بل بعد إظهاره - عليه الصلاة والسلام – له، قال تعالى في سورة الحجر: قال إنا منكم وجلون ولم يذكر ذلك ههنا اكتفاء بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      إنا أرسلنا ظاهره أنه استئناف في معنى التعليل للنهي المذكور، كما أن قوله تعالى: "إنا نبشرك" تعليل لذلك، فإن إرسالهم إلى قوم آخرين يوجب أمنهم من الخوف، أي: أرسلنا بالعذاب إلى قوم لوط خاصة، إلا أنه ليس كذلك فإن قوله تعالى: قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين صريح في أنهم قالوه جوابا عن سؤاله - عليه الصلاة والسلام - وقد أوجز الكلام اكتفاء بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية