الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب أن من بعث بهدي لم يحرم عليه شيء بذلك 2093 - ( عن عائشة قالت { : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد [ ص: 127 ] هديه ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم } . رواه الجماعة ، وفي رواية { أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة أن عبد الله بن عباس قال : من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه ، فقالت عائشة : ليس كما قال ابن عباس : أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها بيده ثم بعث بها مع أبي ، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي } أخرجاه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            . قوله : ( إن زياد بن أبي سفيان ) وقع التحديث بهذا في زمن بني أمية ، وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد ابن أبيه . وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له : زياد بن عبيد وكانت أمه سمية مولاة الحارث بن كلدة الثقفي وهي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه فلما كان في أيام معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادا ولده فاستلحقه معاوية بذلك وخالف الحديث الصحيح { أن الولد للفراش وللعاهر الحجر } وذلك لغرض دنيوي . وقد أنكر هذه الواقعة على معاوية من أنكرها حتى قيلت فيها الأشعار ، منها قول القائل :

                                                                                                                                            ألا أبلغ معاوية بن حرب مغلغلة من الرجل اليماني أتغضب أن يقال أبوك عف
                                                                                                                                            وترضى أن يقال أبوك زان

                                                                                                                                            وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى أبي سفيان وما وقع من أهل العلم في زمان بني أمية فإنما هو تقية وذكر أهل الأمهات نسبته إلى أبي سفيان في كتبهم مع كونهم لم يؤلفوها إلا بعد انقراض عصر بني أمية محافظة منهم على الألفاظ التي وقعت من الرواة في ذلك الزمان كما هو دأبهم .

                                                                                                                                            وقد وقع في صحيح مسلم ابن زياد مكان زياد وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه والصواب زياد . وكذا قال النووي : وجميع من تكلم على صحيح مسلم . قوله : ( بيدي ) فيه دفع التجوز بأن يظن أن الفتل وقع بإذنها لو قالت فتلت فقط . قوله : ( مع أبي ) بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة يعني : أبا بكر الصديق رضي الله عنه واستفيد من ذلك أن وقت البعث كان في سنة تسع عام حجة أبي بكر بالناس وقد استدل بالحديثين على أنه لا يحرم على من بعث بهدي شيء من الأمور التي تحل له وبه قال الجمهور قال ابن عبد البر : خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء . وتعقب بأنه قد قال بمقالته جماعة من الصحابة كابن عمر رواه عنه ابن أبي شيبة وابن المنذر وقيس بن سعد رواه عنه سعيد بن منصور وابن المنذر أيضا وعلي عليه السلام وعمر رضي الله عنه رواه عنهما ابن أبي شيبة وابن المنذر أيضا . ومن غير الصحابة النخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون كما قال ابن المنذر ونقل عن أصحاب الرأي مثل قول ابن [ ص: 128 ] عباس : وهو خطأ عنهم كما قال الحافظ : وإلى مثل قول ابن عباس ذهبت الهادوية وليس في قول ابن عباس : ولا قول غيره من الصحابة حجة : ولا سيما إذا عارض الثابت عنه صلى الله عليه وسلم نعم احتجوا بما أخرجه أحمد والطحاوي والبزار من حديث جابر قال : { كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه . وقال إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي }

                                                                                                                                            قال في الفتح : وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده . ويجاب عنه بأنه قال في مجمع الزوائد بعد أن ذكره : رجال أحمد ثقات وذكره من طريق أخرى . وقال : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وإنما قال هكذا : ; لأن أحمد رواه عن عبد الرحمن بن عطاء أنه سمع ابني جابر يحدثان عن أبيهما فذكره وعبد الرحمن وثقه النسائي وقواه أبو حاتم . وقال البخاري : فيه نظر وبهذا يرد على المقبلي حيث قال : إن هذا الحديث أخرجه ابن النجار وغالب أحاديثه الضعف والظاهر أنه لا أصل لهذا الحديث انتهى . وقد أخرج النسائي من حديث جابر { أنهم كانوا إذا كانوا حاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعث الهدي فمن شاء أحرم ومن شاء ترك } هكذا في جامع الأصول وبه يحصل الجمع بين الأحاديث .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية