الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبيع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه زاد مسلم في رواية ولا يسم الرجل على سوم أخيه وقال البيهقي . إنها شاذة ولمسلم من حديث عقبة بن عامر لا يحل لمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر زاد البيهقي في البيع أيضا (حتى يذر) وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يبيع بعضكم على بيع بعض زاد الدارقطني إلا الغنائم والمواريث ولأصحاب السنن من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع حلسا وقدحا فيمن يزيد وحسنه الترمذي .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث السابع) وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يبيع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه فقد تقدم الكلام عليه .

                                                            (الحديث الثامن) عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبيع بعضكم على بيع بعض [ ص: 107 ] (فيه) فوائد:

                                                            (الأولى) أخرجه الشيخان ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه من هذا الوجه من طريق مالك وفي رواية للبخاري على بيع أخيه وفي رواية له ولمسلم زيادة فيه ولا تلقوا السلع حتى يبلغ بها إلى السوق كذا عند أبي داود ورواه الدارقطني في سننه من رواية عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المزايدة ولا يبع أحدكم على بيع أخيه إلا الغنائم والمواريث ومن رواية عمر بن مالك عن عبيد الله بن أبي جعفر عن زيد بن أسلم قال سمعت رجلا يقال له شهر كان تاجرا وهو يسأل عبد الله بن عمر عن بيع المزايدة فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أحد حتى يذر إلا الغنائم والمواريث ومن طريق الواقدي عن أسامة بن زيد الليثي عن عبيد الله بن أبي جعفر به مثله عبد الله بن لهيعة ضعيف عند الأكثر وعمر بن مالك هو الشرعبي موثق، وأخرج له مسلم والواقدي ضعيف عند المحدثين وأسامة بن زيد مختلف فيه فالإسناد الثاني من أسانيد الدارقطني هذه لا يأمن به.

                                                            (الثانية) تقدم الكلام على البيع على بيع أخيه وفي رواية الدارقطني استثناء الغنائم والمواريث ومقتضاها جواز البيع على البيع فيهما خاصة، وحكى الترمذي في جامعه عن أهل العلم أنهم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث وقال القاضي أبو بكر بن العربي : الباب واحد والمعنى مشترك لا يختص به غنيمة ولا ميراث وقال والدي - رحمه الله - في شرح الترمذي ، وإنما قيد ذلك بالغنيمة والميراث تبعا للحديث الوارد في ذلك فأورد هذا الحديث ثم قال: والظاهر أن الحديث خرج على الغالب وعلى ما كانوا يعتادون البيع فيه مزايدة وهي الغنائم والمواريث فإن وقع البيع في غيرهما مزايدة فالمعنى واحد كما قال ابن العربي والله أعلم.

                                                            (قلت) وقد يكون الميراث لواحد أو لجماعة ويتفقون على بيعه لشخص بثمن معين من غير طلب زيادة فلا تجوز الزيادة حينئذ وكذلك في الغنيمة فظهر أن هذا الاستثناء لا يصح التمسك به في جميع الصور لا عكسا ولا طردا، وإنما خرج على الغالب كما تقدم والله أعلم.

                                                            (الثالثة) تقدم حمل الحديث على ما إذا وقع الركون.

                                                            وأما ما دام صاحب المتاع [ ص: 108 ] طالبا للزيادة فإن المزايدة فيه جائزة ويدل لذلك الحديث الذي رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع حلسا وقد جاء فيمن يزيد هكذا ذكره الشيخ بهذا اللفظ في النسخة الكبرى من الأحكام وهذا اللفظ الذي أرادوه هو لفظ النسائي ؛ ولفظ الترمذي (باع حلسا) وقد جاء وقال من يشتري هذا الحلس والقدح فقال رجل آخذهما بدرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يزيد على درهم من يزيد على درهم فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه .

                                                            وقال هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان والعمل على هذا عند أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث، ولفظ أبي داود والنسائي أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال أما في بيتك شيء قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء قال ائتني بهما قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذين قال رجل أنا آخذهما بدرهم قال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع .

                                                            وقد تبين بهذه الرواية أن هذا المبيع لم يكن من غنيمة ولا ميراث (والحلس) بكسر الحاء المهملة، وإسكان اللام بعدها سين مهملة كساء رقيق يجعل تحت برذعة البعير وقال والدي - رحمه الله -: فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي باع القدح والحلس فقد يستدل به على بيع الحاكم على المعسر ولكن لم ينقل هنا أنه كان عليه دين حتى يبيع الحاكم عليه، وقد يقال: كانت نفقة أهله واجبة عليه فهي كالدين، وأراد الاكتساب بالسؤال فكره له النبي صلى الله عليه وسلم السؤال مع القدرة على الكسب فباع عليه بعض ما يملكه واشترى له [ ص: 109 ] به آلة يكتسب بها.

                                                            وقد يقال: هذا تصرف في ماله برضاه مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له التصرف في أموال أمته بما شاء. فتصرف له على وجه المصلحة والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية