الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون .

                                                                                                                                                                                                                                      كما أرسلنا فيكم رسولا منكم : متصل بما قبله؛ والظرف الأول متعلق بالفعل؛ قدم على مفعوله الصريح لما في صفاته من الطول؛ والظرف الثاني متعلق بمضمر وقع صفة لـ "رسولا"؛ مبينة لتمام النعمة؛ أي: ولأتم نعمتي عليكم في أمر القبلة؛ أو في الآخرة؛ إتماما كائنا كإتمامي لها بإرسال رسول كائن منكم؛ فإن إرسال الرسول؛ لا سيما المجانس لهم؛ نعمة لا يكافئها نعمة قط؛ وقيل: متصل بما بعده؛ أي: "كما ذكرتم بالإرسال فاذكروني.. إلخ.."؛ وإيثار صيغة المتكلم مع الغير؛ بعد التوحيد فيما قبله؛ افتنان؛ وجريان على سنن الكبرياء؛ يتلو عليكم آياتنا : صفة ثانية لـ "رسولا"؛ كاشفة لكمال النعمة؛ ويزكيكم : عطف على "يتلو"؛ أي: يحملكم على ما تصيرون به أزكياء؛ ويعلمكم الكتاب والحكمة : صفة أخرى؛ مترتبة في الوجود على التلاوة؛ وإنما وسط بينهما التزكية التي [ ص: 179 ] هي عبارة عن تكميل النفس؛ بحسب القوة العملية؛ وتهذيبها المتفرع على تكميلها؛ بحسب القوة النظرية؛ الحاصل بالتعليم؛ المترتب على التلاوة؛ للإيذان بأن كلا من الأمور المترتبة نعمة جليلة؛ على حيالها؛ مستوجبة للشكر؛ فلو روعي ترتيب الوجود كما في قوله (تعالى): وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ؛ لتبادر إلى الفهم كون الكل نعمة واحدة؛ كما مر نظيره في قصة البقرة؛ وهو السر في التعبير عن القرآن تارة بـ "الآيات"؛ وأخرى بـ "الكتاب والحكمة"؛ رمزا إلى أنه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة؛ ولا يقدح فيه شمول الحكمة لما في تضاعيف الأحاديث الشريفة من الشرائع. وقوله - عز وجل -: ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون : صريح في ذلك؛ فإن الموصول؛ مع كونه عبارة عن الكتاب والحكمة قطعا؛ قد عطف تعليمه على تعليمهما؛ وما ذلك إلا لتفصيل فنون النعم في مقام يقتضيه؛ كما في قوله (تعالى): ونجيناهم من عذاب غليظ ؛ عقيب قوله (تعالى): نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ؛ والمراد بعدم علمهم أنه ليس من شأنهم أن يعلموه بالفكر؛ والنظر؛ وغير ذلك من طرق العلم؛ لانحصار الطريق في الوحي.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية