الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " أفرأيت الذي كفر بآياتنا " في سبب نزولها قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : ما روى البخاري ومسلم في " الصحيحين " من حديث مسروق عن خباب [ بن الأرت ] ، قال : كنت رجلا قينا ; [ أي : حدادا ] ، وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : [ لا ] والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، فقلت : لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث . قال : فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيتك ، فنزلت فيه هذه الآية إلى قوله تعالى : " فردا " .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنها نزلت في الوليد بن المغيرة ، وهذا مروي عن الحسن ، والمفسرون على الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " لأوتين مالا وولدا " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر بفتح الواو . وقرأ حمزة والكسائي بضم الواو . وقال الفراء : وهما لغتان ، كالعدم والعدم ، وليس يجمع ، وقيس تجعل الولد جمعا ، والولد بفتح الواو واحدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأين زعم هذا الكافر أن يؤتى المال والولد ، فيه قولان : أحدهما : أنه أراد في الجنة على زعمكم . والثاني : في الدنيا . قال ابن الأنباري : وتقدير الآية : أرأيته مصيبا ؟ [ ص: 261 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " أطلع الغيب " قال ابن عباس في رواية : أعلم ما غاب عنه حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا ؟ وقال في رواية أخرى : أنظر في اللوح المحفوظ ؟

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " أم اتخذ عند الرحمن عهدا " فيه ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أم قال : لا إله إلا الله ، فأرحمه بها ؟ قاله ابن عباس . والثاني : أم قدم عملا صالحا فهو يرجوه ؟ قاله قتادة . والثالث : أم عهد إليه أنه يدخله الجنة ؟ قاله ابن السائب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " كلا " ; أي : ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتى المال والولد . ويجوز أن يكون معنى " كلا " : أي : إنه لم يطلع الغيب ، ولم يتخذ عند الله عهدا . " سنكتب ما يقول " ; أي : سنأمر الحفظة بإثبات قوله عليه لنجازيه به ، " ونمد له من العذاب مدا " ; أي : نجعل بعض العذاب على إثر بعض . وقرأ أبو العالية الرياحي ، وأبو رجاء العطاردي : ( سيكتب ) ، ( ويرثه ) بياء مفتوحة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ونرثه ما يقول " فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : نرثه ما يقول إنه له في الجنة ، فنجعله لغيره من المسلمين ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره الفراء .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : نرث ما عنده من المال والولد ، بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه ، وهو مروي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال قتادة . قال الزجاج : المعنى : سنسلبه المال والولد ونجعله لغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ويأتينا فردا " ; أي : بلا مال ولا ولد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية