الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين

                                                                                                                                                                                                                                      قال قائل منهم هو يهوذا، وكان أحسنهم فيه رأيا، وهو الذي قال: فلن أبرح الأرض ... إلخ، وقيل: روبيل، وهو استئناف مبني على سؤال من سأل، وقال: أتفقوا على ما عرض عليهم من خصلتي الضيع أم خالفهم في ذلك أحد؟ فقيل: قال قائل منهم: لا تقتلوا يوسف أظهره في مقام الإضمار استجلابا لشفقتهم عليه، أو استعظاما لقتله وهو هو، فإنه يروى أنه قال لهم: القتل عظيم، ولم يصرح بنهيهم عن الخصلة الأخرى، وأحاله على أولوية ما عرضه عليهم بقوله: وألقوه في غيابت الجب أي: في قعره وغوره، سمي بها لغيبته عن عين الناظر، والجب البئر التي لم تطو بعد؛ لأنها أرض جبت جبا من غير أن يزاد على ذلك شيء، وقرأ نافع: (في غيابات الجب) في الموضعين كأن لتلك الجب غيابات، أو أراد بالجب الجنس، أي: في بعض غيابات الجب، وقرئ (غيابات) و(غيبة).

                                                                                                                                                                                                                                      يلتقطه يأخذه على وجه الصيانة عن الضياع والتلف، فإن الالتقاط أخذ شيء مشرف على الضياع بعض السيارة أي: بعض طائفة تسير في الأرض، واللام في السيارة كما في الجب، وما فيهما وفي (بعض) من الإبهام لتحقيق ما يتوخاه من ترويج كلامه بموافقته لغرضهم الذي هو تنائي يوسف عنهم بحيث لا يدرى أثره ولا يروى خبره، وقرئ (تلتقطه) على التأنيث؛ لأن بعض السيارة سيارة كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      كما شرقت صدر القناة من الدم



                                                                                                                                                                                                                                      ومنه: قطعت بعض أصابعه.

                                                                                                                                                                                                                                      إن كنتم فاعلين بمشورتي، لم يبت القول عليهم، بل إنما عرض [ ص: 257 ] عليهم ذلك تأليفا لقلبهم، وتوجيها لهم إلى رأيه، وحذرا من نسبتهم له إلى التحكم والافتيات، أو إن كنتم فاعلين ما أزمعتم عليه من إزالته من عند أبيه لا محالة، ولما كان هذا مظنة لسؤال سائل يقول: فما فعلوا بعد ذلك هل قبلوا ذلك منه أو لا؟ أجيب بطريق الاستئناف على وجه أدرج في تضاعيفه قبولهم لله بما سيجيء من قوله: وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب فقيل:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية