الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق أي: متسابقين في العدو والرمي، وقد يشترك الافتعال والتفاعل كالانتضال والتناضل ونظائرهما وتركنا يوسف عند متاعنا أي: ما نتمتع به من الثياب والأزواد وغيرهما فأكله الذئب عقيب ذلك من غير مضي زمان يعتاد فيه التفقد والتعهد، وحيث لا يكاد يطرح المتاع عادة إلا في مقام يؤمن فيه الغوائل، لم يعهد تركه - عليه السلام - عنده من باب الغفلة وترك الحفظ الملتزم، لا سيما إذا لم يبرحوه ولم يغيبوا عنه، فكأنهم قالوا: إنا لم نقصر في محافظته، ولم نغفل عن مراقبته، بل تركناه في مأمننا ومجمعنا بمرأى منا؛ لأن ميدان السباق لا يكون عادة إلا بحيث يتراءى غايتاه، وما فارقناه إلا ساعة يسيرة بيننا وبينه مسافة قصيرة فكان ما كان.

                                                                                                                                                                                                                                      وما أنت بمؤمن لنا بمصدق لنا في هذه المقالة الدالة على عدم تقصيرنا في أمره ولو كنا عندك وفي اعتقادك صادقين موصوفين بالصدق والثقة؛ لشدة محبتك ليوسف ، فكيف وأنت سيئ الظن بنا غير واثق بقولنا؟!

                                                                                                                                                                                                                                      وكلمة (لو) في أمثال هذه المواقع لبيان تحقق ما يفيده الكلام السابق من الحكم الموجب أو المنفي على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بإدخالها على أبعدها منه، وأشدها منافاة له؛ ليظهر بثبوته أو انتفائه معه ثبوته أو انتفاؤه مع غيره من الأحوال بطريق الأولوية، لما أن الشيء متى تحقق مع المنافي القوي فلأن يتحقق مع غيره أولى، ولذلك لا يذكر معه شيء من سائر الأحوال، ويكتفي عنه بذكر الواو العاطفة للجملة على نظيرتها المقابلة لها الشاملة لجميع الأحوال، المغايرة لها عند تعددها، وقد مر تفصيله في سورة البقرة عند قوله تعالى: أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون وفي سورة الأعراف عند قوله تعالى: أولو كنا كارهين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية