الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 186 ] ( أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ( 9 ) وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب ( 10 ) فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ( 11 ) له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم ( 12 ) شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ( 13 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( أم اتخذوا ) بل اتخذوا ، أي : الكافرون ، ( من دونه ) أي : من دون الله ، ( أولياء فالله هو الولي ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : وليك يا محمد وولي من اتبعك ، ( وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ( وما اختلفتم فيه من شيء ) من أمر الدين ، ( فحكمه إلى الله ) يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يزيل الريب ، ( ذلكم الله ) الذي يحكم بين المختلفين هو ( ربي عليه توكلت وإليه أنيب ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ( فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) من مثل خلقكم حلائل ، قيل : إنما قال " من أنفسكم " لأنه خلق حواء من ضلع آدم . ( ومن الأنعام أزواجا ) أصنافا ذكورا وإناثا ، ( يذرؤكم ) يخلقكم ، ( فيه ) أي : في الرحم . وقيل : في البطن . وقيل : على هذا الوجه من الخلقة . قال مجاهد : نسلا بعد نسل من الناس والأنعام . وقيل : " في " بمعنى الباء ، أي : يذرؤكم به . وقيل : معناه يكثركم بالتزويج . ( ليس كمثله شيء ) " مثل " صلة ، أي : ليس هو كشيء ، فأدخل المثل للتوكيد كقوله : " فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " ( البقرة - 137 ) ، وقيل : الكاف صلة ، مجازه : ليس مثله شيء . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ليس له نظير . ( وهو السميع البصير ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ( له مقاليد السماوات والأرض ) مفاتيح الرزق في السموات والأرض . قال الكلبي : المطر والنبات . ( يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) لأن مفاتيح الرزق بيده ، ( إنه بكل شيء عليم ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : ( شرع لكم من الدين ) بين وسن لكم ، ( ما وصى به نوحا ) وهو أول أنبياء الشريعة . قال مجاهد : أوصيناك وإياه يا محمد دينا واحدا . ( والذي أوحينا إليك ) من [ ص: 187 ] القرآن وشرائع الإسلام ، ( وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ) واختلفوا في وجه الآية : فقال قتادة : تحليل الحلال وتحريم الحرام . وقال الحكم : تحريم الأمهات والبنات والأخوات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد : لم يبعث الله نبيا إلا وصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة له ، فذلك دينه الذي شرع لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو التوحيد والبراءة من الشرك . وقيل : هو ما ذكر من بعد ، وهو قوله : ( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة .

                                                                                                                                                                                                                                      ( كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ) من التوحيد ورفض الأوثان ثم قال : ( الله يجتبي إليه من يشاء ) يصطفي إليه من عباده من يشاء ، ( ويهدي إليه من ينيب ) يقبل إلى طاعته .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية