[ ص: 4031 ] وقد ذكر سبحانه بعض نعمه فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=32412_32413_32415_32433_32446_34255_34276_34277_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32الله الذي خلق السماوات والأرض وأنـزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار .
ذكر سبحانه وتعالى أن المشركين بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا لله أندادا من حجارة وجعلوها آلهة، وفي هذه الآية يذكر بعض نعمه على الوجود كله فقال تعالت كلماته.
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32الله الذي خلق السماوات والأرض صدر الآية الكريمة بلفظ الجلالة مفيض النعم، لتربية المهابة، ولمقابلة عبادته - وهو الواحد الأحد الفرد الصمد - بعبادة الأوهام والضلال، و (الله) لفظ الجلالة: مبتدأ، والموصول هو خبره، فهو تعريف لله تعالى بأنه الذي خلق السماوات والأرض، خلق سبحانه وتعالى السماء ببروجها ونجومها وكواكبها، والأرض بطبقاتها وجبالها وما أودع ببطنها من أحجار وفلزات ومعادن جامدة وسائلة، اقرأ قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=6أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=7والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تبصرة وذكرى لكل عبد منيب nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9ونـزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10والنخل باسقات لها طلع نضيد nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج
هذا هو الإله القادر القاهر الغالب، وهو الجدير بأن يعبد لما أنشأ وأبدع وأنعم. ثم ذكر نعمته في تلاقي السماء بالأرض، يجمع بينهما الذي يسقي الأنفس والثمرات، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32وأنـزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم أفرد السماء هنا وجمع السماوات في الخلق؛ لأن الماء ينزل من المزن السحاب الثقال المملوءة ماء وسميت سحابا؛ لأنها فوق الأرض التي تمطرها، أما السماوات فتحيط بالأرض كأنها الشيء الصغير في داخل قبة، وإن هذا الماء هو الذي تخرج منه الثمرات؛ ولذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32فأخرج به من الثمرات والثمرات جمع ثمرة وهو ما تنتجه الأرض من زروع وغراس وكروم، ونخيل، ومن الثمرات تكون المطاعم
[ ص: 4032 ] والملابس والمساكن اليدوية والأخشاب وغير ذلك.
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32رزقا بمعنى مرزوق كمطحن بمعنى مطحون، أي: إنه يرزقكم إياه ويجيء إليكم سهلا بغير مشقة إلا العمل الذي يكون سببا مقترنا بالعطاء وليس منشئا له، فالله هو الرزاق ذو القوة المتين.
و (من) في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32من الثمرات بيانية لتنوعها، والمعنى فأخرج من الثمرات المتنوعة المختلفة الفوائد التي ترجع بأحسن الفوائد.
وإن هذه الثمرات تنقل من أرض إلى أرض، وإنه ثبت الآن أن خير السبل البحار وما كان ذلك معروفا عند
العرب، بل النقل عند
العرب كان بالجمال التي كانت تسمى أو سميت سفن الصحراء، ولكن القرآن أنزل من حميد يعلم ما كان وما يكون، فهو يعلم أنه سيكون زمن يكون النقل بالبحار في جله، وفي الأرض في قلة؛ ولذا قال عز من قائل:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ومعنى سخرها مكن الإنسان من صناعتها واستخدامها وجعلها تعلو في البحر سائرة من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق، حاملة خيرات وفيرة من أرض إلى أرض أخرى، هذه الخيرات كثيرة، وبذلك تكون الخيرات موزعة في الأرض بالقسطاس لولا ظلم الإنسان.
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32وسخر لكم الأنهار وهي المجاري العذبة
كنهر النيل ودجلة والفرات وسيحون وجيحون، ومعنى سخرها سهلها وتكون في البلاد التي تقل أمطارها، ولا يكفي ما تنزل السماء من ماء لسقيها وزرعها، وسمي النهر نهرا لأنه ينهرها ويشقها ويجري فيها، والأنهار الكبار تمخر فيها السفن كالبحار، والله هو الرزاق.
[ ص: 4031 ] وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ بَعْضَ نِعَمِهِ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=32412_32413_32415_32433_32446_34255_34276_34277_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ .
ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَجَعَلُوا للَّهِ أَنْدَادًا مِنْ حِجَارَةٍ وَجَعَلُوهَا آلِهَةً، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ يَذْكُرُ بَعْضَ نِعَمِهِ عَلَى الْوُجُودِ كُلِّهِ فَقَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ صَدَّرَ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ مُفِيضِ النِّعَمِ، لِتَرْبِيَةِ الْمَهَابَةِ، وَلِمُقَابَلَةِ عِبَادَتِهِ - وَهُوَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ - بِعِبَادَةِ الْأَوْهَامِ وَالضَّلَالِ، وَ (اللَّهُ) لَفْظُ الْجَلَالَةِ: مُبْتَدَأٌ، وَالْمَوْصُولُ هُوَ خَبَرُهُ، فَهُوَ تَعْرِيفٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، خَلَقَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى السَّمَاءَ بِبُرُوجِهَا وَنُجُومِهَا وَكَوَاكِبِهَا، وَالْأَرْضَ بِطَبَقَاتِهَا وَجِبَالِهَا وَمَا أَوْدَعَ بِبَطْنِهَا مِنْ أَحْجَارٍ وَفِلِزَّاتٍ وَمَعَادِنَ جَامِدَةٍ وَسَائِلَةٍ، اقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=6أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=7وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=8تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9وَنَـزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=10وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ
هَذَا هُوَ الْإِلَهُ الْقَادِرُ الْقَاهِرُ الْغَالِبُ، وَهُوَ الْجَدِيرُ بِأَنْ يُعْبَدَ لِمَا أَنْشَأَ وَأَبْدَعَ وَأَنْعَمَ. ثُمَّ ذَكَرَ نِعْمَتَهُ فِي تَلَاقِي السَّمَاءِ بِالْأَرْضِ، يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الَّذِي يَسْقِي الْأَنْفُسَ وَالثَّمَرَاتِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32وَأَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ أَفْرَدَ السَّمَاءَ هُنَا وَجَمَعَ السَّمَاوَاتِ فِي الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْزِلُ مِنَ الْمُزْنِ السَّحَابِ الثِّقَالِ الْمَمْلُوءَةِ مَاءً وَسُمِّيتْ سَحَابًا؛ لِأَنَّهَا فَوْقَ الْأَرْضِ الَّتِي تُمْطِرُهَا، أَمَّا السَّمَاوَاتُ فَتُحِيطُ بِالْأَرْضِ كَأَنَّهَا الشَّيْءُ الصَّغِيرُ فِي دَاخِلِ قُبَّةٍ، وَإِنَّ هَذَا الْمَاءَ هُوَ الَّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ الثَّمَرَاتُ؛ وَلِذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ وَالثَّمَرَاتُ جَمْعُ ثَمَرَةٍ وَهُوَ مَا تُنْتِجُهُ الْأَرْضُ مِنْ زُرُوعٍ وَغِرَاسٍ وَكُرُومٍ، وَنَخِيلٍ، وَمِنَ الثَّمَرَاتِ تَكُونُ الْمَطَاعِمُ
[ ص: 4032 ] وَالْمَلَابِسُ وَالْمَسَاكِنُ الْيَدَوِيَّةُ وَالْأَخْشَابُ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32رِزْقًا بِمَعْنَى مَرْزُوقٍ كَمَطْحَنٍ بِمَعْنَى مَطْحُونٍ، أَيْ: إِنَّهُ يَرْزُقُكُمْ إِيَّاهُ وَيَجِيءُ إِلَيْكُمْ سَهْلًا بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ إِلَّا الْعَمَلَ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا مُقْتَرِنًا بِالْعَطَاءِ وَلَيْسَ مُنْشِئًا لَهُ، فَاللَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ.
وَ (مِنَ) فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32مِنَ الثَّمَرَاتِ بَيَانِيَّةٌ لِتَنَوُّعِهَا، وَالْمَعْنَى فَأَخْرَجَ مِنَ الثَّمَرَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْفَوَائِدَ الَّتِي تَرْجِعُ بِأَحْسَنِ الْفَوَائِدِ.
وَإِنَّ هَذِهِ الثَّمَرَاتِ تُنْقَلُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ، وَإِنَّهُ ثَبَتَ الْآنَ أَنَّ خَيْرَ السُّبُلِ الْبِحَارُ وَمَا كَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا عِنْدَ
الْعَرَبِ، بَلِ النَّقْلُ عِنْدَ
الْعَرَبِ كَانَ بِالْجِمَالِ الَّتِي كَانَتْ تُسَمَّى أَوْ سُمِّيَتْ سُفُنَ الصَّحْرَاءِ، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ مِنْ حَمِيدٍ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَكُونُ زَمَنٌ يَكُونُ النَّقْلُ بِالْبِحَارِ فِي جُلِّهِ، وَفِي الْأَرْضِ فِي قِلَّةٍ؛ وَلِذَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَمَعْنَى سَخَّرَهَا مَكَّنَ الْإِنْسَانَ مِنْ صِنَاعَتِهَا وَاسْتِخْدَامِهَا وَجَعَلَهَا تَعْلُو فِي الْبَحْرِ سَائِرَةً مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ وَمِنَ الْغَرْبِ إِلَى الشَّرْقِ، حَامِلَةً خَيْرَاتٍ وَفِيرَةً مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى، هَذِهِ الْخَيْرَاتُ كَثِيرَةٌ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْخَيْرَاتُ مُوَزَّعَةً فِي الْأَرْضِ بِالْقِسْطَاسِ لَوْلَا ظُلْمُ الْإِنْسَانِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَهِيَ الْمَجَارِي الْعَذْبَةُ
كَنَهْرِ النِّيلِ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ، وَمَعْنَى سَخَّرَهَا سَهَّلَهَا وَتَكُونُ فِي الْبِلَادِ الَّتِي تَقِلُّ أَمْطَارُهَا، وَلَا يَكْفِي مَا تُنْزِلُ السَّمَاءُ مِنْ مَاءٍ لِسَقْيِهَا وَزَرْعِهَا، وَسُمِّيَ النَّهْرُ نَهْرًا لِأَنَّهُ يَنْهَرُهَا وَيَشُقُّهَا وَيَجْرِي فِيهَا، وَالْأَنْهَارُ الْكِبَارُ تَمْخُرُ فِيهَا السُّفُنُ كَالْبَحَّارِ، وَاللَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ.