الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        112 [ ص: 101 ] ( 20 ) باب إعادة الجنب الصلاة وغسله إذا صلى ولم يذكر . وغسله ثوبه .

                                                                                                                        92 - مالك : عن إسماعيل بن حكيم أن عطاء بن يسار أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر في صلاة من الصلوات ، ثم أشار بيديه أن امكثوا . فذهب ، ثم رجع وعلى جلده أثر الماء .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        2907 - قد ذكرنا عطاء بن يسار وأخويه بما يجب ، من ذكر المولد ، والوفاة ، والحال ، واللقاء في التمهيد .

                                                                                                                        [ ص: 102 ] 2908 - وهذا حديث منقطع . وقد روي متصلا مسندا من حديث أبي هريرة ، وحديث أبي بكرة ، وقد ذكرت طرقها في التمهيد .

                                                                                                                        2909 - وفي بعضها : " أنه كبر " كما في حديث مالك ، وفي بعضها أنه " قام في مصلاه " وفي بعضها أنه لما انصرف " كبر " وفي رواية الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة لهذا الحديث : " فقال لهم : مكانكم " وفي حديث أبي بكرة : " فأومأ [ ص: 103 ] رسول الله بيده : أن مكانكم " وكلامه وإشارته في ذلك سواء ؛ لأنه كان في غير صلاة .

                                                                                                                        2910 - أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الحميد بن أحمد ، حدثنا الخضر بن داود ، حدثنا أبو بكر الأثرم ، قال : سألت أحمد بن حنبل عن حديث أبي بكرة : أن النبي - عليه السلام - " أشار أن امكثوا . فذهب ، ثم رجع ، وعلى جلده أثر الغسل ، فصلى بهم : " ما وجهه ؟ قال : وجهه أنه ذهب ، فاغتسل . قيل له : كان جنبا ؟ قال : نعم .

                                                                                                                        2911 - ثم قال : يرويه بعض الناس أنه كبر ، وبعضهم يقول : لم يكبر . قيل له : فلو فعل هذا إنسان اليوم أكنت تذهب إليه ؟ قال : نعم .

                                                                                                                        2912 - قال أبو عمر : من ذكر أنه كبر زاد زيادة حافظ يجب قبولها ، وفي حديث مالك وغيره أنه كبر على ما قد أوردناه في التمهيد .

                                                                                                                        2913 - ومن روى ، أو اعتقد أنه لم يكبر فقد أراح نفسه من الكلام في هذا الباب . وإنما القول والتوجيه فيه على من روى أنه كبر ، ثم قال لهم ، وأشار إليهم : أن امكثوا .

                                                                                                                        2914 - وقد ظن بعض شيوخنا أن في إشارته إليهم : أن امكثوا دليلا على أنه إذا انصرف إليهم بنى بهم ؛ لأنه لم يتكلم . وهذا جهل ، وغلط فاحش . ولا يجوز عند أحد من العلماء أن يبني أحد على ما صنع من صلاته وهو غير طاهر . ولا يخلو أمره عليه [ ص: 104 ] السلام إذا رجع من أحد ثلاثة أوجه :

                                                                                                                        2915 - إما أن يكون بنى على التكبيرة التي كبرها وهو جنب ، وبنى القوم معهم على تكبيرهم فإن كان هذا فهو منسوخ بالسنة والإجماع .

                                                                                                                        2916 - أما السنة فقوله عليه السلام : " لا يقبل الله صلاة بغير طهور " فكيف يبني على ما صلى وهو غير طاهر ؟ وتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة ، فكيف يجتزئ بها ، وقد عملها على غير طهارة ؟ هذا لا يظنه ذو لب ، ولا يقوله أحد ؛ لأن علماء المسلمين مجمعون على أن الإمام وغيره من المصلين لا يبني أحد منهم على شيء عمله في صلاته وهو على غير طهارة ، وإنما اختلفوا في بناء المحدث على ما قد صلى وهو طاهر قبل حدثه .

                                                                                                                        2917 - وقد بينا ذلك فيما مضى من هذا الكتاب في باب بناء الراعف ، والحمد لله .

                                                                                                                        2918 - والوجه الآخر أن يكون - عليه السلام - حين انصرف بعد غسله استأنف صلاته واستأنفها أصحابه معه بإحرام جديد ، وأبطلوا إحرامهم ، وإن كانوا قد أحرموا معه ، وكان لهم أن يعتدوا به لو استخلف من يتم بهم .

                                                                                                                        2919 - فإن كان هذا فليس في الحديث معنى يشكل حينئذ على مذهب من روى أنه كبر ثم أشار إليهم أن امكثوا ثم انصرف .

                                                                                                                        2920 - وأما من روى أنه لم يكبر أولا ، وكبر لما انصرف فليس في روايته شيء [ ص: 105 ] يحتاج إلى قول غير انتظار الإمام إذا كان في الوقت سعة ، وهذا أمر مجتمع على جوازه ولا مدخل أيضا للقول فيه .

                                                                                                                        2921 - والوجه الثالث أن يكون النبي - عليه السلام - كبر محرما مستأنفا لصلاته ، وبنى القوم خلفه على ما مضى من إحرامهم . فهذا وإن كان فيه النكتة المجيزة لصلاة القوم خلف الإمام الجنب لاستجزائهم بإحرامهم فإنه لا يصح ، ولا يخرج على مذهب مالك ؛ لأنه حينئذ يكون إحرام القوم قبل إحرام إمامهم .

                                                                                                                        2922 - وهذا غير جائز عند مالك وجمهور الفقهاء ، وإنما أجازه الشافعي في أحد قوليه .

                                                                                                                        2923 - والصحيح عن الشافعي ما ذكره البويطي وغيره عنه : أن إحرام المأموم لا يصح إلا بعد تكبيرة إمامه في إحرامه ومن كبر قبل إمامه فلا صلاة له . لا يحتمل الحديث غير هذه الأوجه ، ولا يخلو من أحدها . وليس في شيء منها ما يدل على جواز صلاة المأموم الطاهر خلف الإمام الجنب على مذهب مالك ، فتدبره تجده كذلك إن شاء الله .

                                                                                                                        2924 - وأما الشافعي فيصح الاستدلال بهذا الحديث على أصله في أن صلاة القوم عنده غير مرتبطة بصلاة إمامهم ؛ لأن الإمام قد تبطل صلاته ، وتصح صلاة من خلفه . وقد تبطل صلاة المأموم ، وتصح صلاة الإمام ( بوجوه أيضا كثيرة ) فلذلك لم تكن صلاتهما مرتبطة ، ولذلك لم يضرهم ( عنده ) اختلاف نياتهم ونيته في صلاة واحدة ، لأن كلا يصلي بنفسه ، ولا يحتمل فرضا عن صاحبه . [ ص: 106 ] 2925 - ولذلك أجاز في أحد قوليه إحرام المأمومين قبل إمامهم ، وإن كان لا يستحب لهم ذلك ؛ لأنه مستحيل أن يدخلوا في صلاة إمامهم ولم يدخل فيها بعد . ولأصحابه دلائل واحتجاجات للقولين ليس كتابنا هذا موضعا لذكرها .

                                                                                                                        2926 - وجملة قول مالك وأصحابه في إمام أحرم بقوم ، فذكر أنه جنب أو على غير وضوء - أنه يخرج ويقدم رجلا ، فإن خرج ولم يقدم أحدا قدموا لأنفسهم من يتم بهم الصلاة ، فإن لم يفعلوا وصلوا أفرادا أجزأتهم صلاتهم ، فإن انتظروه ، ولم يقدموا أحدا لم تفسد صلاتهم .

                                                                                                                        2927 - وروى يحيى بن يحيى عن ابن نافع قال : إذا انصرف الإمام ، ولم يقدم ، وأشار إليهم امكثوا - كان حقا عليهم ألا يقدموا أحدا حتى يرجع فيتم بهم .

                                                                                                                        2928 - قال أبو عمر : قوله : فيتم بهم لا يصح في الجنب وغير المتوضئ ، وإنما يصح فيمن أحدث .

                                                                                                                        2929 - وأما من لم يكن على طهارة فإنه يبتدئ بهم ، لا يتم . وقد أوضحنا هذا بما يغني عن تكراره .

                                                                                                                        2930 - وقد جعل قوم منهم الشافعي وداود بن علي هذا الحديث أصلا في ترك الاستخلاف لمن أحدث في صلاته .

                                                                                                                        2931 - فقال الشافعي : الاختيار عندي إذا أحدث الإمام حدثا لا تجوز معه الصلاة : من رعاف ، أو انتقاض وضوء ، أو غيره - أن يصلي القوم فرادى ، ولا يقدموا أحدا ، فإن قدموا ، أو قدم الإمام رجلا فأتم بهم ما بقي من صلاتهم - أجزأتهم صلاتهم .

                                                                                                                        [ ص: 107 ] 2932 - قال وكذلك لو أحدث الإمام الثاني ، والثالث ، والرابع .

                                                                                                                        2933 - قال : ولو أن إماما كبر ، وقرأ وركع ، أو لم يركع حتى ذكر أنه على غير طهارة فكان خروجه أو غسله قريبا - فلا بأس أن يقف الناس في صلاتهم حتى يتوضأ ويرجع فيستأنف ، ويتمون لأنفسهم كما فعل رسول الله - عليه السلام - حين ذكر أنه جنب فانتظره القوم ، فاستأنف لنفسه ؛ لأنه لا يعتد بتكبيرة كبرها وهو جنب ، ويتم القوم لأنفسهم ؛ لأنهم لو أتموا لأنفسهم حين خرج عنهم إمامهم أجزأتهم صلاتهم .

                                                                                                                        2934 - قال : وإن كان خروج الإمام يتباعد ، أو طهارته تثقل صلوا لأنفسهم .

                                                                                                                        2935 - قال : وسواء أشار إليهم أن ينتظروه أو كلمهم لأنهم في غير صلاة ، فإن انتظروه وكان قريبا فحسن ، وإن خالفوه فصلوا لأنفسهم فرادى ، أو قدموا غيره أجزأتهم صلاتهم .

                                                                                                                        2936 - قال : والاختيار عندي للمأمومين إذا فسدت على الإمام صلاته أن يبنوا فرادى ، ولا ينتظروه . وليس أحد كرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        2937 - قال الشافعي : ولو أن إماما صلى ركعة ، ثم ذكر أنه جنب ، فخرج واغتسل . وانتظره القوم فرجع فبنى على الركعة فسدت عليه وعليهم صلاتهم ؛ [ ص: 108 ] لأنهم يأتمون به عالمين أن صلاته فاسدة . وليس له أن يبني على ركعة صلاها جنبا .

                                                                                                                        2938 - قال : ولو علم بعضهم ، ولم يعلم بعض فسدت صلاة من علم ذلك منهم .

                                                                                                                        2939 - قال أبو عمر : احتج من أجاز انتظار القوم للإمام إذا أحدث بحديث هذا الباب ، وفيه ما ذكرنا من الاختلاف في تكبيره ، - عليه السلام - .

                                                                                                                        2940 - واحتج أيضا بما حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم ، قال حدثنا محمد بن معاوية ، قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب ، قال حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب صلى بالناس ، فأهوى بيده ، فأصاب فرجه ، فأشار إليهم : كما أنتم ، فخرج ، فتوضأ ، ثم رجع فأعاد .

                                                                                                                        2941 - قال أبو عمر : كذا قال " فأعاد " وفيه نظر .

                                                                                                                        2942 - وقد تقدم في مس الذكر في بابه ما يكفي ، وكذلك في بناء الراعف والمحدث .

                                                                                                                        2943 - وقال داود : إذا أحدث الإمام في صلاته صلى القوم أفرادا .

                                                                                                                        2944 - وأما أهل الكوفة وأكثر أهل المدينة فقائلون : بالاستخلاف لمن نابه شيء في صلاته ، فإن جهل الإمام ، ولم يستخلف تقدمهم واحد منهم ، بإذنهم ، أو بغير إذنهم ، وأتم بهم . وذلك عندهم عمل مستفيض .

                                                                                                                        2945 - إلا أن أبا حنيفة إنما يرى الاستخلاف لمن أحرم وهو طاهر ثم أحدث ، ولا يرى لإمام جنب أو على غير وضوء ، إذا ذكر ذلك في صلاته أن يستخلف .

                                                                                                                        [ ص: 109 ] 2946 - وليس في هذه المسألة عندي موضع للاستخلاف ؛ لأن القوم عندهم في غير صلاة هم وإمامهم .

                                                                                                                        2947 - قال أبو عمر : لا تتبين لي حجة من كره الاستخلاف استدلالا بحديث هذا الباب ؛ لأن رسول الله ليس في الاستخلاف كغيره ؛ إذ لا عوض منه ، مع سعة الوقت . ولا يجوز لأحد أن يتقدم بين يديه إلا بإذنه . وقد قال لهم : " مكانكم " فلزمهم أن ينتظروه ، وهذا إذا صح أنه تركهم في صلاة ، وقد قيل إنه لم يكن كبر .

                                                                                                                        2948 - وقد قال بعض من روى أنه كبر : إنهم استأنفوا معه . فلو صح هذا بطلت النكتة التي منها نزع من كره الاستخلاف .

                                                                                                                        2949 - وقد أجمع المسلمون على الاستخلاف فيمن يقيم لهم أمر دينهم ودنياهم ، والصلاة أعظم الدين .

                                                                                                                        2950 - وفي حديث سهل بن سعد دليل على جواز الاستخلاف لتأخر أبي بكر ، وتقدم النبي - عليه السلام - في تلك الصلاة .

                                                                                                                        2951 - وحسبك بما مضى عليه عمل الناس .

                                                                                                                        2952 - وسيأتي القول في حديث سهل بن سعد في بابه من هذا الكتاب ، إن شاء الله .

                                                                                                                        2953 - ذكر مالك حديث عمر بن الخطاب حين صلى وهو جنب ، ثم ذكر فاغتسل ، وغسل ثوبه ، وأعاد صلاته من أربعة طرق ، عن هشام بن عروة منها طريقان ، وطريق عن إسماعيل بن أبي حكيم ، وطريق عن يحيى بن سعيد . وليس في شيء منها [ ص: 110 ] أن القوم الذين صلوا خلفه أعادوا . وفي جميعها غسل المني من ثوبه ، واغتساله ، وإعادته صلاته ، ولا في شيء منها أنه صلى بالناس ، إلا في حديث يحيى بن سعيد ، وهو أحسنها ، ومعلوم أنه كان إمامهم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية