الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ( 83 ) )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " وتلك حجتنا " قول إبراهيم لمخاصميه من قومه المشركين : " أي الفريقين أحق بالأمن " أمن يعبد ربا واحدا مخلصا له الدين والعبادة ، أم من يعبد أربابا كثيرة ؟ وإجابتهم إياه بقولهم : " بل من يعبد ربا واحدا أحق بالأمن " وقضاؤهم له على أنفسهم ، فكان في ذلك قطع عذرهم وانقطاع حجتهم ، واستعلاء حجة إبراهيم عليهم . فهي الحجة [ ص: 505 ] التي آتاها الله إبراهيم على قومه ، كالذي : -

13513 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن رجل ، عن مجاهد : " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه " قال : هي " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " .

13514 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : قال إبراهيم حين سأل : " أي الفريقين أحق بالأمن " قال : هي حجة إبراهيم وقوله : " آتيناها إبراهيم على قومه " يقول : لقناها إبراهيم وبصرناه إياها وعرفناه " على قومه نرفع درجات من نشاء " .

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة الحجاز والبصرة : " نرفع درجات من نشاء " بإضافة " الدرجات " إلى " من " بمعنى : نرفع الدرجات لمن نشاء .

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة نرفع درجات من نشاء بتنوين " الدرجات " بمعنى : نرفع من نشاء درجات .

و " الدرجات " جمع " درجة " وهي المرتبة . وأصل ذلك مراقي السلم ودرجه ، ثم تستعمل في ارتفاع المنازل والمراتب .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : هما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القرأة ، متقارب معناهما . وذلك أن من رفعت درجته ، فقد رفع في الدرج ومن رفع في الدرج ، فقد رفعت درجته . فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب في ذلك . [ ص: 506 ]

فمعنى الكلام إذا : " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه " فرفعنا بها درجته عليهم ، وشرفناه بها عليهم في الدنيا والآخرة . فأما في الدنيا ، فآتيناه فيها أجره وأما في الآخرة ، فهو من الصالحين " نرفع درجات من نشاء " أي بما فعل من ذلك وغيره .

وأما قوله : " إن ربك حكيم عليم " فإنه يعني : إن ربك ، يا محمد ، " حكيم " في سياسته خلقه ، وتلقينه أنبياءه الحجج على أممهم المكذبة لهم ، الجاحدة توحيد ربهم ، وفي غير ذلك من تدبيره " عليم " بما يئول إليه أمر رسله والمرسل إليهم ، من ثبات الأمم على تكذيبهم إياهم ، وهلاكهم على ذلك ، أو إنابتهم وتوبتهم منه بتوحيد الله - تعالى ذكره - وتصديق رسله ، والرجوع إلى طاعته .

يقول - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : فأتس ، يا محمد ، في نفسك وقومك المكذبيك ، والمشركين ، بأبيك خليلي إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ، واصبر على ما ينوبك منهم صبره ، فإني بالذي يئول إليه أمرك وأمرهم عالم ، وبالتدبير فيك وفيهم حكيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية