الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب في أن الدفع لا يلزم المصول عليه ويلزم الغير مع القدرة 2444 - ( عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما يمنع أحدكم إذا جاء من يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم القاتل في النار والمقتول في الجنة } رواه أحمد )

                                                                                                                                            2445 - ( وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { في الفتنة كسروا فيها قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة ، فإن دخل على أحدكم بيته فليكن كخير ابني آدم } رواه الخمسة إلا النسائي )

                                                                                                                                            2446 - ( وعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي قال : أرأيت إن دخل علي بيتي فبسط يده إلي ليقتلني ؟ قال : كن كابن آدم } رواه أحمد وأبو داود والترمذي ) .

                                                                                                                                            2447 - ( وعن سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة } رواه أحمد )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عمر أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وأخرج نحوه أبو داود من حديثه بلفظ : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل [ ص: 392 ] هكذا : أي : فليمد رقبته ، فالقاتل في النار والمقتول في الجنة } .

                                                                                                                                            وحديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان وصححه القشيري في الاقتراح على شرط الشيخين وقال الترمذي : حسن غريب ا هـ وفي إسناده عبد الرحمن بن ثروان ، تكلم فيه بعضهم ووثقه يحيى بن معين واحتج به البخاري وحديث سعد بن أبي وقاص حسنه الترمذي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ، ورجال إسناده ثقات إلا حسين بن عبد الرحمن الأشجعي وقد وثقه ابن حبان

                                                                                                                                            وحديث سهل بن حنيف أخرجه أيضا الطبراني ، وفي إسناده ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات ، يشهد لصحته حديث البراء بن عازب عند البخاري وغيره وفيه الأمر بسبع والنهي عن سبع ، ومن السبع المأمور بها نصر المظلوم وحديث أبي موسى عند البخاري وغيره بلفظ { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا } وحديث { انصر أخاك ظالما أو مظلوما } أخرجه البخاري وغيره وفي الباب عن أبي بكرة بنحو حديث سعد عند أبي داود وعن أبي هريرة بنحوه أيضا عند البخاري ومسلم وعن ابن مسعود بنحوه عند أبي داود وعن خريم بن فاتك بنحوه أيضا عند أبي داود وعن أبي ذر عند أبي داود والترمذي بلفظ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا أبا ذر قلت : لبيك وسعديك ، قال : كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم ؟ قلت : ما خار الله لي ورسوله ، قال : عليك بمن أنت منه ، قلت : يا رسول الله أفلا آخذ سيفي فأضعه على عاتقي ؟ قال : شاركت القوم إذن ، قلت : فما تأمرني ؟ قال : تلزم بيتك ، قلت : فإن دخل علي بيتي ؟ قال : فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه } وعن المقداد بن الأسود عند أبي داود قال { أيم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاثا : إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر فواها } معنى قوله " فواها " التلهف

                                                                                                                                            وعن أبي بكرة غير الحديث الأول عند الشيخين وأبي داود والنسائي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، قال : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه أراد قتل صاحبه } وعن خالد بن عرفطة عند أحمد والحاكم والطبراني وابن قانع بلفظ : { ستكون بعدي فتنة واختلاف ، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل } وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وقد أخرجه الطبراني من حديث حذيفة ومن حديث خباب وعن أبي واقد وخرشة أشار إلى ذلك الترمذي قوله : ( كسروا فيها قسيكم ) قيل المراد الكسر حقيقة ليسد عن نفسه باب هذا القتال ، وقيل هو مجاز ، والمراد ترك القتال

                                                                                                                                            ويؤيد الأول " واضربوا بسيوفكم الحجارة " قال النووي : والأول أصح قوله : ( القاعد فيها خير من القائم . . . إلخ ) معناه بيان خطر الفتنة والحث على تجنبها والهرب [ ص: 393 ] منها ومن التسبب في شيء من أسبابها ، فإن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها قوله : ( كن كابن آدم ) يعني : الذي قال لأخيه لما أراد قتله { لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك } كما حكى الله ذلك في كتابه والأحاديث المذكورة في الباب تدل على مشروعية ترك المقاتلة وعدم وجوب المدافعة عن النفس والمال وقد اختلف العلماء في ذلك ، فقالت طائفة : لا يقاتل في فتن المسلمين وإن دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله ، ولا تجوز له المدافعة عن نفسه ، ; لأن الطالب متأول ، وهذا مذهب أبي بكرة الصحابي وغيره وقال ابن عمر وعمران بن حصين وغيرهما : لا يدخل فيها لكن إن قصد دفع عن نفسه قال النووي : فهذان المذهبان متفقان على ترك الدخول في جميع فتن المسلمين قال القرطبي : اختلف السلف في ذلك فذهب سعد بن أبي وقاص وعبد الله ابن عمر ومحمد بن مسلمة وغيرهم إلى أنه يجب الكف عن المقاتلة فمنهم من قال : يجب عليه أن يلزم بيته وقالت طائفة : يجب عليه التحول عن بلد الفتنة أصلا

                                                                                                                                            ومنهم من قال : يترك المقاتلة حتى لو أراد قتله لم يدفعه عن نفسه ومنهم من قال : يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله ، وهو معذور إن قتل أو قتل وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين ، وكذا قال النووي وزاد أنه مذهب عامة علماء الإسلام واستدلوا بقوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } قال النووي : وهذا هو الصحيح ، وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق ، أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما

                                                                                                                                            قال : ولو كان كما قال الأولون لظهر الفساد واستطال أهل البغي والمبطلون ا هـ وقال بعضهم بالتفصيل ، وهو أنه إذا كان القتال بين طائفتين لا إمام لهم فالقتال ممنوع يومئذ ، وتنزل الأحاديث على هذا وهو قول الأوزاعي كما تقدم وقال الطبري : إنكار المنكر واجب على من يقدر عليه فمن أعان المحق أصاب ومن أعان المخطئ أخطأ ، وإن أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها وذهب البعض إلى أن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين ، وأن النهي مخصوص بمن خوطب بذلك

                                                                                                                                            وقيل : إن النهي إنما هو في آخر الزمان حيث يحصل التحقق أن المقاتلة إنما هي في طلب الملك ، وقد أتى هذا في حديث ابن مسعود ، فأخرج أبو داود عنه أنه قال له وابصة بن معبد : ومتى ذلك يا ابن مسعود ؟ فقال : تلك أيام الهرج وهو حيث لا يأمن الرجل جليسه ، ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور قول الله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقوله تعالى: { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ونحو ذلك من الآيات والأحاديث ، ويؤيده أيضا الآيات والأحاديث الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وسيأتي للمقام زيادة تحقيق في باب ما جاء في توبة [ ص: 394 ] القاتل من كتاب القصاص

                                                                                                                                            وحديث سهل بن حنيف وما ورد في معناه يدل على أنه يجب نصر المظلوم ودفع من أراد إذلاله بوجه من الوجوه ، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا ، وهو مندرج تحت أدلة النهي عن المنكر




                                                                                                                                            الخدمات العلمية