الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حلم ]

                                                          حلم : الحلم والحلم : الرؤيا ، والجمع أحلام . يقال حلم يحلم إذا رأى في المنام . ابن سيده حلم في نومه يحلم حلما واحتلم وانحلم ; قال بشر بن أبي خازم :


                                                          أحق ما رأيت أم احتلام ؟



                                                          ويروى أم انحلام . وتحلم الحلم : استعمله . وحلم به وحلم عنه وتحلم عنه : رأى له رؤيا أو رآه في النوم . وفي الحديث : " من تحلم ما لم يحلم كلف أن يعقد بين شعيرتين ، أي قال إنه رأى في النوم ما لم يره . وتكلف حلما : لم يره . يقال حلم ، بالفتح ، إذا رأى ، وتحلم إذا ادعى الرؤيا كاذبا ، قال : فإن قيل كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته ، فلم زادت عقوبته ووعيده وتكليفه عقد الشعيرتين ؟ قيل : قد صح الخبر أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة ، والنبوة لا تكون إلا وحيا ، والكاذب في رؤياه يدعي أن الله - تعالى - أراه ما لم يره ، وأعطاه جزءا من النبوة ، ولم يعطه إياه ، والكاذب على الله أعظم فرية ممن كذب على الخلق أو على نفسه . والحلم : الاحتلام أيضا ، يجمع على الأحلام . وفي الحديث : " الرؤيا من الله والحلم من الشيطان " ، والرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء ، ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن ، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح ; ومنه قوله : أضغاث أحلام ويستعمل كل واحد منهما موضع الآخر ، وتضم لام الحلم وتسكن . الجوهري : الحلم ، بالضم ، ما يراه النائم . وتقول : حلمت بكذا وحلمته أيضا ; قال :


                                                          فحلمتها وبنو رفيدة دونها     لا يبعدن خيالها المحلوم



                                                          ويقال : قد حلم الرجل بالمرأة إذا حلم في نومه أنه يباشرها . قال : وهذا البيت شاهد عليه . وقال ابن خالويه : أحلام نائم ثياب غلاظ . والحلم والاحتلام : الجماع ونحوه في النوم ، والاسم الحلم . وفي التنزيل العزيز : لم يبلغوا الحلم والفعل كالفعل . وفي الحديث : " أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أمر معاذا أن يأخذ من كل حالم دينارا يعني الجزية " ; قال أبو الهيثم : أراد بالحالم كل من بلغ الحلم وجرى عليه حكم الرجال ، احتلم أو لم يحتلم . وفي الحديث : " ( الغسل يوم الجمعة واجب على كل حالم إنما هو على من بلغ الحلم ) " أي بلغ أن يحتلم أو احتلم قبل ذلك ، وفي رواية : محتلم أي بالغ مدرك . والحلم ، بالكسر : الأناة والعقل ، وجمعه أحلام وحلوم . وفي التنزيل العزيز : أم تأمرهم أحلامهم بهذا قال جرير :


                                                          هل من حلوم لأقوام ، فتنذرهم     ما جرب الناس من عضي وتضريسي ؟



                                                          قال ابن سيده : وهذا أحد ما جمع من المصادر . وأحلام القوم : حلماؤهم ، ورجل حليم من قوم أحلام وحلماء ، وحلم ، بالضم ، يحلم حلما : صار حليما ، وحلم عنه وتحلم سواء . وتحلم : تكلف الحلم ; قال :

                                                          تحلم عن الأدنين واستبق ودهم ، ولن تستطيع الحلم حتى تحلما

                                                          وتحالم : أرى من نفسه ذلك وليس به . والحلم : نقيض السفه ; [ ص: 210 ] وشاهد حلم الرجل ، بالضم ، قول عبد الله بن قيس الرقيات :


                                                          مجرب الحزم في الأمور ، وإن     خفت حلوم بأهلها حلما



                                                          وحلمه تحليما : جعله حليما ; قال المخبل السعدي :


                                                          وردوا صدور الخيل حتى تنهنهت     إلى ذي النهى ، واستيدهوا للمحلم



                                                          أي أطاعوا الذي يأمرهم بالحلم ، وفي حديث النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في صلاة الجماعة : ( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ) أي ذوو الألباب والعقول ، واحدها حلم ، بالكسر ، وكأنه من الحلم الأناة والتثبت في الأمور ، وذلك من شعار العقلاء . وأحلمت المرأة إذا ولدت الحلماء . والحليم في صفة الله ، عز وجل : معناه الصبور ، وقال : معناه أنه الذي لا يستخفه عصيان العصاة ولا يستفزه الغضب عليهم ، ولكنه جعل لكل شيء مقدارا ، فهو منته إليه . وقوله - تعالى : إنك لأنت الحليم الرشيد قال الأزهري : جاء في التفسير أنه كناية عن أنهم قالوا : إنك لأنت السفيه الجاهل ، وقيل : إنهم قالوه على جهة الاستهزاء ; قال ابن عرفة : هذا من أشد سباب العرب أن يقول الرجل لصاحبه إذا استجهله يا حليم ! أي أنت عند نفسك حليم وعند الناس سفيه ; ومنه قوله ، عز وجل : ذق إنك أنت العزيز الكريم أي بزعمك وعند نفسك وأنت المهين عندنا . ابن سيده : الأحلام الأجسام ، قال : لا أعرف واحدها . والحلمة : الصغيرة من القردان ، وقيل : الضخم منها ، وقيل : هو آخر أسنانها ، والجمع الحلم وهو مثل العل ، وفي حديث ابن عمر : أنه كان ينهى أن تنزع الحلمة عن دابته ; الحلمة ، بالتحريك : القرادة الكبيرة . وحلم البعير حلما ، فهو حلم : كثر عليه الحلم ، وبعير حلم : قد أفسده الحلم من كثرتها عليه . الأصمعي : القراد أول ما يكون صغيرا قمقامة ، ثم يصير حمنانة ، ثم يصير قرادا ، ثم حلمة . وحلمت البعير : نزعت حلمه . ويقال : تحلمت القربة امتلأت ماء ، وحلمتها ملأتها . وعناق حلمة وتحلمة : قد أفسد جلدها الحلم ، والجمع الحلام . وحلمه : نزع عنه الحلم ، وخصصه الأزهري فقال : وحلمت الإبل أخذت عنها الحلم ، وجماعة تحلمة تحالم : قد كثر الحلم عليها . والحلم ، بالتحريك : أن يفسد الإهاب في الغمل ويقع فيه دود فيتثقب ، تقول منه : حلم ، بالكسر . والحلمة : دودة تكون بين جلد الشاة الأعلى وجلدها الأسفل ، وقيل : الحلمة دودة تقع في الجلد فتأكله ، فإذا دبغ وهى موضع الأكل فبقي رقيقا ، والجمع من ذلك كله حلم ، تقول منه : تعيب الجلد وحلم الأديم يحلم حلما ; قال الوليد بن عقبة بن أبي عقبة من أبيات يحض فيها معاوية على قتال علي ، عليه السلام ، ويقول له : أنت تسعى في إصلاح أمر قد تم فساده ، كهذه المرأة التي تدبغ الأديم الحلم الذي وقعت فيه الحلمة ، فنقبته وأفسدته فلا ينتفع به :


                                                          ألا أبلغ معاوية بن حرب     بأنك من أخي ثقة ، مليم
                                                          قطعت الدهر كالسدم المعنى     تهدر في دمشق وما تريم
                                                          فإنك والكتاب إلى علي     كدابغة وقد حلم الأديم
                                                          لك الويلات ، أقحمها عليهم     فخير الطالبي الترة الغشوم
                                                          فقومك بالمدينة قد تردوا     فهم صرعى كأنهم الهشيم
                                                          فلو كنت المصاب وكان حيا     تجرد لا ألف ولا سؤوم
                                                          يهنيك الإمارة كل ركب     من الآفاق ، سيرهم الرسيم



                                                          ويروى :


                                                          يهنيك الإمارة كل ركب     لانضاء الفراق بهم رسيم



                                                          قال أبو عبيد : الحلم أن يقع في الأديم دواب فلم يخص الحلم ; قال ابن سيده : وهذا منه إغفال . وأديم حلم وحليم : أفسده الحلم قبل أن يسلخ . والحلمة : رأس الثدي ، وهما حلمتان ، وحلمتا الثديين : طرفاهما . والحلمة : الثؤلول الذي في وسط الثدي . وتحلم المال : سمن . وتحلم الصبي والضب واليربوع والجرذ والقراد : أقبل شحمه وسمن واكتنز ; قال أوس بن حجر :


                                                          لحينهم لحي العصا فطردنهم     إلى سنة ، قردانها لم تحلم



                                                          ويروى : لحونهم ويروى : جرذانها ، وأما أبو حنيفة فخص به الإنسان . والحليم : الشحم المقبل ; وأنشد :


                                                          فإن قضاء المحل أهون ضيعة     من المخ في أنقاء كل حليم



                                                          وقيل : الحليم هنا البعير المقبل السمن فهو على هذا صفة ; قال ابن سيده : ولا أعرف له فعلا إلا مزيدا . وبعير حليم أي سمين . ومحلم في قول الأعشى :


                                                          ونحن غداة العين ، يوم فطيمة     منعنا بني شيبان شرب محلم



                                                          هو نهر يأخذ من عين هجر ; قال لبيد يصف ظعنا ويشبهها بنخيل كرعت في هذا النهر :


                                                          عصب كوارع في خليج محلم     حملت ، فمنها موقر مكموم



                                                          وقيل : محلم نهر باليمامة ; قال الشاعر :


                                                          فسيل دنا جباره من محلم



                                                          وفي حديث خزيمة وذكر السنة : وبضت الحلمة أي درت حلمة الثدي وهي رأسه ، وقيل : الحلمة نبات ينبت في السهل ، والحديث يحتملهما ، وفي حديث مكحول : في حلمة ثدي المرأة ربع ديتها .

                                                          [ ص: 211 ] وقتيل حلام : ذهب باطلا ; قال مهلهل :


                                                          كل قتيل في كليب حلام     حتى ينال القتل آل همام



                                                          والحلام والحلام : ولد المعز ; وقال اللحياني : هو الجدي والحمل الصغير ، يعني بالحمل الخروف . والحلام : الجدي يؤخذ من بطن أمه ; قال الأصمعي : الحلام والحلان ، بالميم والنون ، صغار الغنم . قال ابن بري : سمي الجدي حلاما لملازمته الحلمة يرضعها ; قال مهلهل :


                                                          كل قتيل في كليب حلام



                                                          ويروى : حلان ; والبيت الثاني :


                                                          حتى ينال القتل آل شيبان



                                                          يقول : كل من قتل من كليب ناقص عن الوفاء به إلا آل همام أو شيبان . وفي حديث عمر : أنه قضى في الأرنب يقتله المحرم بحلام ، جاء تفسيره في الحديث : أنه هو الجدي ، وقيل : يقع على الجدي والحمل حين تضعه أمه ، ويروى بالنون والميم ، بدل منها ، وقيل : هو الصغير الذي حلمه الرضاع أي سمنه فتكون الميم أصلية ; قال أبو منصور : الأصل حلان ، وهو فعلان من التحليل ، فقلبت النون ميما . وقال عرام : الحلان ما بقرت عنه بطن أمه فوجدته قد حمم وشعر ، فإن لم يكن كذلك فهو غضين ، وقد أغضنت الناقة إذا فعلت ذلك . وشاة حليمة : سمينة . ويقال : حلمت خيال فلانة ، فهو محلوم ; وأنشد بيت الأخطل :


                                                          لا يبعدن خيالها المحلوم



                                                          والحالوم ، بلغة أهل مصر : جبن لهم . الجوهري : الحالوم لبن يغلظ فيصير شبيها بالجبن الرطب وليس به . ابن سيده : الحالوم ضرب من الأقط . والحلمة : نبت ; قال الأصمعي : هي الحلمة والينمة ، وقيل : الحلمة نبات ينبت بنجد في الرمل في جعيثنة . لها زهر وورقها أخيشن عليه شوك كأنه أظافير الإنسان تطني الإبل وتزل أحناكها ، إذا رعته ، من العيدان اليابسة . والحلمة : شجرة السعدان وهي من أفاضل المرعى ، وقال أبو حنيفة : الحلمة دون الذراع ، لها ورقة غليظة وأفنان وزهرة كزهرة شقائق النعمان إلا أنها أكبر وأغلظ ، وقال الأصمعي : الحلمة نبت من العشب فيه غبرة له مس أخشن أحمر الثمرة ، وجمعها حلم ; قال أبو منصور : ليست الحلمة من شجر السعدان في شيء ; السعدان بقل له حسك مستدير له شوك مستدير ، والحلمة لا شوك لها ، وهي من الجنبة معروفة ; قال الأزهري : وقد رأيتها ، ويقال للحلمة الحماطة ، قال : والحلمة رأس الثدي في وسط السعدانة ; قال أبو منصور : الحلمة الهنية الشاخصة من ثدي المرأة وثندوة الرجل ، وهي القراد ، وأما السعدانة فما أحاط بالقراد مما خالف لونه لون الثدي ، واللوعة السواد حول الحلمة . ومحلم : اسم رجل ، ومن أسماء الرجل محلم ، وهو الذي يعلم الحلم ; قال الأعشى :


                                                          فأما إذا جلسوا بالعشي فأح     لام عاد ، وأيدي هضم



                                                          ابن سيده : وبنو محلم وبنو حلمة قبيلتان . وحليمة : اسم امرأة . ويوم حليمة : يوم معروف أحد أيام العرب المشهورة ، وهو يوم التقى المنذر الأكبر والحارث الأكبر الغساني ، والعرب تضرب به المثل في كل أمر متعالم مشهور فتقول : ما يوم حليمة بسر ، وقد يضرب مثلا للرجل النابه الذكر ، ورواه ابن الأعرابي وحده : ما يوم حليمة بشر ، قال : والأول هو المشهور ; قال النابغة يصف السيوف :


                                                          تورثن من أزمان يوم حليمة     إلى اليوم ، قد جربن كل التجارب



                                                          وقال الكلبي : هي حليمة بنت الحارث بن أبي شمر ، وجه أبوها جيشا إلى المنذر بن ماء السماء ، فأخرجت حليمة لهم مركنا فطيبتهم . وأحلام نائم : ضرب من الثياب ; قال ابن سيده : ولا أحقها . والحلام : اسم قبائل . وحليمات ، بضم الحاء : موضع ، وهن أكمات ببطن فلج ; وأنشد :


                                                          كأن أعناق المطي البزل     بين حليمات وبين الجبل
                                                          من آخر الليل ، جذوع النخل



                                                          أراد أنها تمد أعناقها من التعب . وحليمة على لفظ التحقير : موضع ; قال ابن أحمر يصف إبلا :

                                                          تتبع أوضاحا بسرة يذبل ، وترعى هشيما من حليمة باليا

                                                          ومحلم : نهر بالبحرين ; قال الأخطل :

                                                          تسلسل فيها جدول من محلم ، إذا زعزعتها الريح كادت تميلها

                                                          الأزهري : محلم عين ثرة فوارة بالبحرين وما رأيت عينا أكثر ماء منها ، وماؤها حار في منبعه ، وإذا برد فهو ماء عذب ; قال : وأرى محلما اسم رجل نسبت العين إليه ، ولهذه العين إذا جرت في نهرها خلج كثيرة ، تسقي نخيل جؤاثا وعسلج وقريات من قرى هجر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية