الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951318من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ، ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ، ما كان العبد في عون أخيه ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما جلس قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه رواه مسلم .
هذا الحديث خرجه مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، واعترض عليه غير واحد من الحفاظ في تخريجه ، منهم الفضل الهروي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=12309أسباط بن محمد رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ؛ قال : حدثت عن أبي صالح ، فتبين أن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش لم يسمعه من أبي صالح ولم يذكر من حدثه به عنه ، ورجح الترمذي وغيره هذه الرواية ، وزاد بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش في [ ص: 285 ] متن الحديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=951319ومن أقال مسلما أقال الله عثرته يوم القيامة .
وخرجا في " الصحيحين " من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951249المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم ، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951320من نفس عن مؤمن كربة من كربه ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر على مؤمن عورته ، ستر الله عورته ، ومن فرج عن مؤمن كربة ، فرج الله عنه كربته .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=209مسلمة بن مخلد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951321من ستر مسلما في الدنيا ، ستره الله في الدنيا والآخرة ، ومن نجى مكروبا ، فك الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته .
فقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951322من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة هذا يرجع إلى أن nindex.php?page=treesubj&link=29468الجزاء من جنس العمل ، وقد تكاثرت النصوص بهذا المعنى ، كقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951323إنما يرحم الله من عباده الرحماء ، [ ص: 286 ] وقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=951324إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا .
والكربة : هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الكرب ، وتنفيسها أن يخفف عنه منها ، مأخوذ من تنفيس الخناق ، كأنه يرخى له الخناق حتى يأخذ نفسا ، والتفريج أعظم من ذلك ، وهو أن يزيل عنه الكربة ، فتفرج عنه كربته ، ويزول همه وغمه ، فجزاء التنفيس التنفيس ، وجزاء التفريج التفريج ، كما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وقد جمع بينهما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة .
وخرج الترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=951325أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع ، أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة ، وأيما مؤمن سقى مؤمنا على ظمإ ، سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم ، وأيما مؤمن كسا مؤمنا على عري ، كساه الله من خضر الجنة . وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بالشك في رفعه ، وقيل : إن الصحيح وقفه .
[ ص: 287 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا بإسناده عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط ، وأجوع ما كانوا قط ، وأظمأ ما كانوا قط ، وأنصب ما كانوا قط ، فمن كسا لله عز وجل كساه الله ، ومن أطعم لله عز وجل أطعمه الله ، ومن سقى لله عز وجل سقاه الله ، ومن عفا لله عز وجل أعفاه الله .
وخرج البيهقي من حديث أنس مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=951326أن رجلا من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على أهل النار ، فيناديه رجل من أهل النار : يا فلان ، هل تعرفني ؟ فيقول : لا والله ما أعرفك ، من أنت ؟ فيقول : أنا الذي مررت بي في دار الدنيا ، فاستسقيتني شربة من ماء ، فسقيتك ، قال : قد عرفت ، قال : فاشفع لي بها عند ربك ، قال : فيسأل الله عز وجل ، ويقول : شفعني فيه ، فيأمر به ، فيخرجه من النار .
وقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=951327كربة من كرب يوم القيامة ، ولم يقل : من كرب الدنيا والآخرة كما قيل في التيسير والستر ، وقد قيل في مناسبة ذلك : إن الكرب هي الشدائد العظيمة ، وليس كل أحد يحصل له ذلك في الدنيا ، بخلاف الإعسار والعورات المحتاجة إلى الستر ، فإن أحدا لا يكاد يخلو في الدنيا من ذلك ، ولو بتعسر الحاجات المهمة . وقيل : لأن كرب الدنيا بالنسبة إلى كرب الآخرة كلا شيء ، فادخر الله جزاء تنفيس الكرب عنده ، لينفس به كرب الآخرة ، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951328يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فيسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، وتدنو الشمس منهم ، فيبلغ الناس من الغم [ ص: 288 ] والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون ، فيقول الناس بعضهم لبعض : ألا ترون ما بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم عند ربكم ؟ ، وذكر حديث الشفاعة ، خرجاه بمعناه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وخرجا من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951329تحشرون حفاة عراة غرلا ، قالت : فقلت : يا رسول الله ، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : الأمر أشد من أن يهمهم ذلك .
وخرجا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951331يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم ولفظه nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري ، ولفظ مسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951332إن العرق ليذهب في الأرض سبعين باعا ، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم .
وخرج مسلم من حديث المقداد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951333تدنو الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين ، فتصهرهم الشمس ، فيكونون في [ ص: 289 ] العرق قدر أعمالهم ، فمنهم من يأخذه إلى عقبيه ، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من يأخذه إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه إلجاما .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : الأرض كلها يوم القيامة نار ، والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها ، فيعرق الرجل حتى يرشح عرقه في الأرض قدر قامة ، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه ، وما مسه الحساب ، قال : فمم ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : مما يرى الناس يصنع بهم .
وقال أبو موسى : الشمس فوق رءوس الناس يوم القيامة ، وأعمالهم تظلهم أو تضحيهم .
وفي " المسند " من حديث nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=951334كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس .
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951335ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة . وهذا أيضا يدل على أن الإعسار قد يحصل في الآخرة ، وقد وصف الله يوم القيامة بأنه عسير وأنه على الكافرين غير يسير ، فدل على أنه يسير على غيرهم ، وقال : nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=26وكان يوما على الكافرين عسيرا [ الفرقان : 26 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=18512_18511والتيسير على المعسر في الدنيا من جهة المال يكون بأحد أمرين : إما بإنظاره إلى الميسرة ، وذلك واجب ، كما قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة [ البقرة : 280 ] ، وتارة بالوضع عنه إن كان غريما ، وإلا فبإعطائه ما يزول به إعساره ، وكلاهما له فضل عظيم . [ ص: 290 ] وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951336كان تاجر يداين الناس ، فإذا رأى معسرا قال لصبيانه : تجاوزوا عنه ، لعل الله أن يتجاوز عنا ، فتجاوز الله عنه .
وفيهما عن حذيفة nindex.php?page=showalam&ids=91وأبي مسعود الأنصاري سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=951337مات رجل فقيل له ، فقال : كنت أبايع الناس ، فأتجاوز عن الموسر ، وأخفف عن المعسر وفي رواية قال : كنت أنظر المعسر ، وأتجوز في السكة ، أو قال : في النقد ، فغفر له . وخرجه مسلم من حديث أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم . وفي حديثه : فقال الله : nindex.php?page=hadith&LINKID=951338نحن أحق بذلك منه ، تجاوزوا عنه .
وخرج أيضا من حديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951339من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة ، فلينفس عن معسر ، أو يضع عنه .
وخرج أيضا من حديث أبي اليسر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951340من أنظر معسرا ، أو وضع عنه ، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
وفي " المسند " عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951341من أراد أن تستجاب [ ص: 291 ] دعوته ، أو تكشف كربته ، فليفرج عن معسر .
وقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951342ومن ستر مسلما ، ستره الله في الدنيا والآخرة . هذا مما تكاثرت النصوص بمعناه . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951343من ستر عورة أخيه المسلم ، ستر الله عورته يوم القيامة ، ومن كشف عورة أخيه المسلم ، كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=951344من ستر مؤمنا في الدنيا على عورة ، ستره الله عز وجل يوم القيامة .
وقد روي عن بعض السلف أنه قال : أدركت قوما لم يكن لهم عيوب ، فذكروا عيوب الناس ، فذكر الناس لهم عيوبا ، وأدركت أقواما كانت لهم عيوب ، فكفوا عن عيوب الناس ، فنسيت عيوبهم أو كما قال .
وشاهد هذا حديث أبي برزة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951345يا معشر من آمن بلسانه ، ولم يدخل الإيمان في قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من اتبع عوراتهم ، تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته .
[ ص: 292 ] خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وأبو داود ، وخرج الترمذي معناه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
واعلم أن الناس على ضربين : أحدهما : من كان مستورا لا يعرف بشيء من المعاصي ، فإذا وقعت منه هفوة ، أو زلة ، فإنه لا يجوز كشفها ، ولا هتكها ، ولا التحدث بها ، لأن ذلك غيبة محرمة ، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص ، وفي ذلك قد قال الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=19إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة [ النور : 19 ] . والمراد : nindex.php?page=treesubj&link=18084إشاعة الفاحشة على المؤمن المستتر فيما وقع منه ، أو اتهم به وهو بريء منه ، كما في قصة الإفك . قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمر بالمعروف : اجتهد أن تستر العصاة ، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام ، وأولى الأمور ستر العيوب ، ومثل هذا لو جاء تائبا نادما وأقر بحد ، ولم يفسره ، لم يستفسر ، بل يؤمر بأن يرجع ويستر نفسه ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية ، وكما لم يستفسر الذي قال : " أصبت حدا ، فأقمه علي " . ومثل هذا لو أخذ بجريمته ، ولم يبلغ الإمام ، فإنه يشفع له حتى لا يبلغ الإمام . وفي مثله جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951346أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم . خرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث عائشة .
[ ص: 293 ] والثاني : من كان مشتهرا بالمعاصي ، معلنا بها لا يبالي بما ارتكب منها ، ولا بما قيل له فهذا هو الفاجر المعلن ، وليس له غيبة ، كما نص على ذلك nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري وغيره ، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره لتقام عليه الحدود . صرح بذلك بعض أصحابنا ، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951347واغد يا أنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت ، فارجمها . ومثل هذا لا يشفع له إذا أخذ ، ولو لم يبلغ السلطان ، بل يترك حتى يقام عليه الحد لينكف شره ، ويرتدع به أمثاله . قال مالك : nindex.php?page=treesubj&link=24359_10647من لم يعرف منه أذى للناس ، وإنما كانت منه زلة ، فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام ، وأما nindex.php?page=treesubj&link=10647_24359من عرف بشر أو فساد ، فلا أحب أن يشفع له أحد ، ولكن يترك حتى يقام عليه الحد ، حكاه ابن المنذر وغيره .
وكره nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد رفع الفساق إلى السلطان بكل حال ، وإنما كرهه لأنهم غالبا لا يقيمون الحدود على وجهها ، ولهذا قال : إن علمت أنه يقيم عليه الحد فارفعه ، ثم ذكر أنهم ضربوا رجلا فمات : يعني أنه لم يكن قتله جائزا .
ولو تاب أحد من الضرب الأول ، كان الأفضل له أن يتوب فيما بينه وبين الله تعالى ، ويستر على نفسه .
وأما الضرب الثاني ، فقيل : إنه كذلك ، وقيل : بل الأولى له أن يأتي الإمام ، ويقر على نفسه بما يوجب الحد حتى يطهره .
قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=951348والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : nindex.php?page=hadith&LINKID=951349ومن كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته . وقد سبق في شرح الحديث الخامس والعشرين والسادس والعشرين nindex.php?page=treesubj&link=18572فضل قضاء الحوائج والسعي [ ص: 294 ] فيها . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث عمر مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=951350nindex.php?page=treesubj&link=30502أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن : كسوت عورته ، أو أشبعت جوعته ، أو قضيت له حاجة .
وبعث nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري قوما من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم : مروا nindex.php?page=showalam&ids=15603بثابت البناني ، فخذوه معكم ، فأتوا ثابتا ، فقال : أنا معتكف ، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه ، فقال : قولوا له : يا أعمش أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة ؟ فرجعوا إلى ثابت ، فترك اعتكافه ، وذهب معهم .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من حديث ابنة nindex.php?page=showalam&ids=211لخباب بن الأرت ، قالت : nindex.php?page=hadith&LINKID=951351خرج خباب في سرية ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهدنا حتى يحلب عنزة لنا في جفنة لنا ، فتمتلئ حتى تفيض ، فلما قدم خباب حلبها ، فعاد حلابها إلى ما كان .
[ ص: 295 ] وكان nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق يحلب للحي أغنامهم ، فلما استخلف ، قالت جارية منهم : الآن لا يحلبها ، فقال أبو بكر : بلى وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله ، أو كما قال .
وإنما كانوا يقومون بالحلاب ، لأن العرب كانت لا تحلب النساء منهم ، وكانوا يستقبحون ذلك ، فكان الرجال إذا غابوا ، احتاج النساء إلى من يحلب لهن . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لقوم : لا تسقوني حلب امرأة .
وكان عمر يتعاهد الأرامل يستقي لهن الماء بالليل ، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة ، فدخل إليها طلحة نهارا ، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة ، فسألها : ما يصنع هذا الرجل عندك ؟ قالت : هذا مذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني ، ويخرج عني الأذى ، فقال طلحة : ثكلتك أمك طلحة ، عثرات عمر تتبع ؟ !
وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهم كل يوم ، فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن .
وقال مجاهد : صحبت nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في السفر لأخدمه ، فكان يخدمني .
وكان كثير من الصالحين يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم .
[ ص: 296 ] وصحب رجل قوما في الجهاد ، فاشترط عليهم أن يخدمهم ، وكان إذا أراد أحد منهم أن يغسل رأسه أو ثوبه ، قال : هذا من شرطي ، فيفعله ، فمات فجردوه للغسل ، فرأوا على يده مكتوبا : من أهل الجنة ، فنظروا ، فإذا هي كتابة بين الجلد واللحم .
وفي " الصحيحين " nindex.php?page=hadith&LINKID=951353عن أنس ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ، فمنا الصائم ، ومنا المفطر ، قال : فنزلنا منزلا في يوم حار ، أكثرنا ظلا صاحب الكساء ، ومنا من يتقي الشمس بيده ، قال : فسقط الصوام وقام المفطرون ، وضربوا الأبنية وسقوا الركاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذهب المفطرون اليوم بالأجر .
ويروى عن رجل من أسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بطعام في بعض أسفاره ، فأكل منه وأكل أصحابه ، وقبض الأسلمي يده ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك ؟ فقال : إني صائم ، قال : فما حملك على ذلك ؟ قال : معي ابناي يرحلان لي ويخدماني ، فقال : ما زال لهم الفضل عليك بعد .
وفي " مراسيل أبي داود " عن أبي قلابة أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدموا يثنون على صاحب لهم خيرا ، قالوا : ما رأينا مثل فلان قط ، ما كان في مسير إلا كان في قراءة ، ولا نزلنا منزلا إلا كان في صلاة ، قال : فمن كان يكفيه ضيعته ؟ حتى ذكر : من كان يعلف جمله أو دابته ؟ قالوا : نحن ، قال : فكلكم خير منه .
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951355ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى [ ص: 297 ] الجنة ، وقد روى هذا المعنى nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وسلوك الطريق لالتماس العلم يدخل فيه سلوك الطريق الحقيقي ، وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلماء ، ويدخل فيه سلوك الطرق المعنوية المؤدية إلى حصول العلم ، مثل حفظه ، ودارسته ، ومذاكرته ، ومطالعته ، وكتابته ، والتفهم له ، ونحو ذلك من الطرق المعنوية التي يتوصل بها إلى العلم .
وقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=951356سهل الله له به طريقا إلى الجنة قد يراد بذلك أن الله يسهل له العلم الذي طلبه ، وسلك طريقه ، وييسره عليه ، فإن العلم طريق موصل إلى الجنة ، وهذا كقوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=17ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [ القمر : 17 ] . قال بعض السلف : هل من طالب علم فيعان عليه ؟ .
وقد يراد أيضا : أن nindex.php?page=treesubj&link=18483الله ييسر لطالب العلم إذا قصد بطلبه وجه الله الانتفاع به والعمل بمقتضاه ، فيكون سببا لهدايته ولدخول الجنة بذلك .
ومثل النبي صلى الله عليه وسلم حملة العلم الذي جاء به بالنجوم التي يهتدى بها في الظلمات ، ففي " المسند " عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951357إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء ، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، فإذا انطمست النجوم ، أوشك أن تضل الهداة .
nindex.php?page=treesubj&link=18467_18468_18469وما دام العلم باقيا في الأرض ، فالناس في هدى ، وبقاء العلم بقاء حملته ، فإذا ذهب حملته ومن يقوم به ، وقع الناس في الضلال ، كما في " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951358إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الناس ، ولكن يقبضه بقبض العلماء ، فإذا لم يبق عالم ، اتخذ الناس رؤساء جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا .
nindex.php?page=hadith&LINKID=951359وذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوما رفع العلم ، فقيل له : كيف يذهب العلم وقد قرأنا القرآن ، وأقرأناه نساءنا وأبناءنا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى ، فماذا تغني عنهم ؟ فسئل nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت عن هذا [ ص: 299 ] الحديث ، فقال : لو شئت لأخبرتك بأول علم يرفع من الناس : الخشوع ، وإنما قال عبادة هذا لأن العلم قسمان : أحدهما : ما كان ثمرته في قلب الإنسان ، وهو العلم بالله تعالى ، وأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله المقتضية لخشيته ، ومهابته ، وإجلاله ، والخضوع له ، ومحبته ، ورجائه ، ودعائه ، والتوكل عليه ، ونحو ذلك ، فهذا هو العلم النافع ، كما قال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : إن أقواما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، ولكن إذا وقع في القلب ، فرسخ فيه نفع .
وقال الحسن : nindex.php?page=treesubj&link=18467العلم علمان : علم على اللسان ، فذاك حجة الله على ابن آدم ، وعلم في القلب ، فذاك العلم النافع .
والقسم الثاني : العلم الذي على اللسان ، وهو حجة الله كما في الحديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=951360القرآن حجة لك أو عليك ، nindex.php?page=treesubj&link=18466فأول ما يرفع من العلم : العلم النافع ، وهو العلم الباطن الذي يخالط القلوب ويصلحها ، ويبقى علم اللسان حجة ، فيتهاون الناس به ، ولا يعملون بمقتضاه ، لا حملته ولا غيرهم ، ثم يذهب هذا العلم [ ص: 300 ] بذهاب حملته ، فلا يبقى إلا القرآن في المصاحف ، وليس ثم من يعلم معانيه ، ولا حدوده ، ولا أحكامه ، ثم يسرى به في آخر الزمان ، فلا يبقى في المصاحف ولا في القلوب منه شيء بالكلية ، وبعد ذلك تقوم الساعة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951361لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، وقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951362لا تقوم الساعة وفي الأرض أحد يقول : الله الله .
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951363وما جلس قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده . هذا يدل على استحباب nindex.php?page=treesubj&link=24914_32755الجلوس في المساجد لتلاوة القرآن ومدارسته ، وهذا إن حمل على تعلم القرآن وتعليمه ، فلا خلاف في استحبابه ، وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " عن عثمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951364خيركم من تعلم القرآن وعلمه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14510أبو عبد الرحمن السلمي : فذاك الذي أقعدني في مقعدي هذا ، وكان قد علم القرآن في زمن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان حتى بلغ nindex.php?page=showalam&ids=15699الحجاج بن يوسف .
[ ص: 301 ] وإن حمل على ما هو أعم من ذلك ، دخل فيه الاجتماع في المسجد على دراسة القرآن مطلقا ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يأمر من يقرأ القرآن ليسمع قراءته ، كما كان nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود يقرأ عليه ، وقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951365إني أحب أن أسمعه من غيري وكان عمر يأمر من يقرأ عليه وعلى أصحابه وهم يسمعون ، فتارة يأمر أبا موسى ، وتارة يأمر nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر .
وسئل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : nindex.php?page=treesubj&link=24582أي العمل أفضل ؟ قال ذكر الله ، وما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتعاطون فيه كتاب الله فيما بينهم ويتدارسونه ، إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها ، وكانوا أضياف الله ما داموا على ذلك حتى يفيضوا في حديث غيره . وروي مرفوعا والموقوف أصح .
وروى يزيد الرقاشي عن أنس قال : كانوا إذا صلوا الغداة ، قعدوا حلقا حلقا ، يقرءون القرآن ، ويتعلمون الفرائض والسنن ، ويذكرون الله عز وجل .
وروى عطية عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما من قوم صلوا صلاة الغداة ، ثم قعدوا في مصلاهم ، يتعاطون كتاب الله ، ويتدارسونه ، إلا وكل بهم ملائكة يستغفرون لهم حتى يخوضوا في حديث غيره وهذا يدل على استحباب nindex.php?page=treesubj&link=24914_32755الاجتماع بعد صلاة الغداة لمدارسة القرآن ، ولكن عطية فيه ضعف .
وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=15703حرب الكرماني بإسناده عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي أنه سئل عن الدراسة بعد صلاة الصبح ، فقال : أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=15714حسان بن عطية أن أول من أحدثها في مسجد دمشق هشام بن إسماعيل المخزومي في خلافة nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، فأخذ الناس بذلك .
[ ص: 302 ] وبإسناده عن nindex.php?page=showalam&ids=15995سعيد بن عبد العزيز ، وإبراهيم بن سليمان : أنهما كانا يدرسان القرآن بعد صلاة الصبح ببيروت nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي في المسجد لا يغير عليهم .
وذكر حرب أنه رأى أهل دمشق وأهل حمص ، وأهل مكة ، وأهل البصرة ، يجتمعون على القرآن بعد صلاة الصبح ، لكن أهل الشام يقرءون القرآن كلهم جملة من سورة واحدة بأصوات عالية ، وأهل مكة وأهل البصرة يجتمعون ، فيقرأ أحدهم عشر آيات ، والناس ينصتون ، ثم يقرأ آخر عشر آيات ، حتى يفرغوا . قال حرب : وكل ذلك حسن جميل .
وقد أنكر ذلك مالك على أهل الشام . قال زيد بن عبيد الدمشقي : قال لي nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس : بلغني أنكم تجلسون حلقا تقرءون ، فأخبرته بما كان يفعل أصحابنا ، فقال مالك : عندنا كان المهاجرون والأنصار ما نعرف هذا ، قال : فقلت : هذا طريف ؟ قال : وطريف رجل يقرأ ويجتمع الناس حوله ، فقال : هذا عن غير رأينا .
قال أبو مصعب nindex.php?page=showalam&ids=14905وإسحاق بن محمد الفروي : سمعنا nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس يقول : الاجتماع بكرة بعد صلاة الفجر لقراءة القرآن بدعة ، ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا العلماء بعدهم على هذا ، كانوا إذا صلوا يخلو كل بنفسه ، ويقرأ ، ويذكر الله عز وجل ، ثم ينصرفون من غير أن يكلم بعضهم بعضا ، اشتغالا بذكر الله ، فهذه كلها محدثة .
وقال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : لم تكن القراءة في المسجد من أمر الناس القديم ، وأول من أحدث ذلك في المسجد nindex.php?page=showalam&ids=15699الحجاج بن يوسف ، قال مالك : وأنا أكره ذلك الذي يقرأ في المسجد في المصحف . وقد روى هذا كله أبو بكر النيسابوري في " كتاب مناقب مالك رحمه الله " .
واستدل الأكثرون على nindex.php?page=treesubj&link=24914استحباب الاجتماع لمدارسة القرآن في الجملة [ ص: 303 ] بالأحاديث الدالة على استحباب الاجتماع للذكر ، nindex.php?page=treesubj&link=28894والقرآن أفضل أنواع الذكر ، ففي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951367لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم ، قال : فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ، قال : فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم ما يقول عبادي قالوا يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك ، قال : فيقول هل رأوني ، قال : فيقولون لا والله ما رأوك ، قال : فيقول وكيف لو رأوني ، قال : يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وتحميدا وأكثر لك تسبيحا ، قال : يقول فما يسألوني ، قال : يسألونك الجنة ، قال : يقول وهل رأوها ، قال : يقولون لا والله يا رب ما رأوها ، قال : يقول فكيف لو أنهم رأوها ، قال : يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة ، قال : فمم يتعوذون ، قال : يقولون من النار ، قال : يقول وهل رأوها ، قال : يقولون لا والله يا رب ما رأوها ، قال : يقول فكيف لو رأوها ، قال : يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة ، قال : فيقول فأشهدكم أني قد غفرت لهم ، قال : يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة ، قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم
وفي " صحيح مسلم " عن معاوية nindex.php?page=hadith&LINKID=951368أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه ، فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله عز وجل ، ونحمده لما هدانا للإسلام ومن علينا به ، فقال : آلله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذلك ، قال : أما إني لم أستحلفكم لتهمة لكم ، إنه أتاني جبريل ، فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة .
[ ص: 304 ] وخرج الحاكم من حديث معاوية ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوما فدخل المسجد ، فإذا هو بقوم في المسجد قعود ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أقعدكم ؟ فقالوا : صلينا الصلاة المكتوبة ، ثم قعدنا نتذاكر الله عز وجل ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا ذكر شيئا تعاظم ذكره .
وفي المعنى أحاديث أخر متعددة .
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن nindex.php?page=treesubj&link=24914_32755جزاء الذين يجلسون في بيت الله يتدارسون كتاب الله أربعة أشياء : أحدها : تنزل السكينة عليهم ، وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951370كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس ، فتغشته سحابة ، فجعلت تدور وتدنو ، وجعل فرسه ينفر منها ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فقال : تلك السكينة تنزلت للقرآن .
وفيهما أيضا عن أبي سعيد nindex.php?page=hadith&LINKID=951371أن nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده ، إذ جالت فرسه ، فقرأ ، ثم جالت أخرى ، فقرأ ، ثم جالت أيضا ، فقال أسيد : فخشيت أن تطأ يحيى - يعني ابنه - قال : فقمت إليها ، فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أراها ، قال : فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فقال صلى الله عليه وسلم : تلك الملائكة كانت تستمع لك ، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم واللفظ لمسلم فيهما .
[ ص: 305 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن سعد بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مجلس ، فرفع بصره إلى السماء ، ثم طأطأ بصره ، ثم رفعه ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله تعالى - يعني أهل مجلس أمامه - فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة ، فلما دنت منهم تكلم رجل منهم بباطل ، فرفعت عنهم وهذا مرسل .
وخرج الحاكم من حديث nindex.php?page=hadith&LINKID=951373سلمان أنه كان في عصابة يذكرون الله تعالى ، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما كنتم تقولون ؟ فإني رأيت الرحمة تنزل عليكم ، فأردت أن أشارككم فيها .
وخرج البزار من حديث أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951374إن لله سيارة من الملائكة ، يطلبون حلق الذكر ، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم ، ثم بعثوا رائدهم إلى السماء إلى رب العزة تبارك وتعالى فيقولون : ربنا أتينا على عباد من عبادك [ ص: 306 ] يعظمون آلاءك ، ويتلون كتابك ، ويصلون على نبيك ، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم ، فيقول الله تبارك وتعالى : غشوهم برحمتي ، فيقولون : ربنا ، إن فيهم فلانا الخطاء ، إنما اعتنقهم اعتناقا ، فيقول تعالى : غشوهم برحمتي ، [ فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم ] .
والثالث : أن الملائكة تحف بهم ، وهذا مذكور في الأحاديث التي ذكرناها ، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المتقدم : فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12251للإمام أحمد : علا بعضهم على بعض حتى يبلغوا العرش .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15802خالد بن معدان ، يرفع الحديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=951375إن لله ملائكة في الهواء ، يسيحون بين السماء والأرض ، يلتمسون الذكر ، فإذا سمعوا قوما يذكرون الله تعالى ، قالوا : رويدا زادكم الله ، فينشرون أجنحتهم حولهم حتى يصعد كلامهم إلى العرش . خرجه الخلال في كتاب " السنة " .
والرابع : أن الله يذكرهم فيمن عنده ، وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951376يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم .
قال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : يأمر الله بالصراط ، فيضرب على جهنم ، فيمر الناس على قدر أعمالهم زمرا زمرا ، أوائلهم كلمح البرق ، ثم كمر الريح ، ثم كمر الطير ، ثم كمر البهائم ، حتى يمر الرجل سعيا ، وحتى يمر الرجل مشيا ، حتى يمر آخرهم يتلبط على بطنه ، فيقول : يا رب لم أبطأت بي ؟ فيقول إني لم أبطئ بك ، إنما أبطأ بك عملك .
وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حين أنزل عليه : nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين [ الشعراء : 214 ] : nindex.php?page=hadith&LINKID=951379يا معشر قريش ، اشتروا أنفسكم من الله ، لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا nindex.php?page=showalam&ids=18عباس بن عبد المطلب ، لا أغني عنك من الله شيئا ، يا [ ص: 309 ] صفية عمة رسول الله ، لا أغني عنك من الله شيئا ، يا nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بنت محمد ، سليني ما شئت ، لا أغني عنك من الله شيئا .
وفي رواية خارج " الصحيحين " : إن أوليائي منكم المتقون لا يأتي الناس بالأعمال ، وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم ، فتقولون : يا محمد ، فأقول : قد بلغت .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن أوليائي المتقون يوم القيامة ، وإن كان نسب أقرب من نسب ، يأتي الناس بالأعمال وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم تقولون : يا محمد ، يا محمد ، فأقول هكذا وهكذا وأعرض في كلا عطفيه .
وخرج البزار من حديث رفاعة بن رافع nindex.php?page=hadith&LINKID=951382أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لعمر : اجمع لي قومك يعني : قريشا ، فجمعهم ، فقال : إن أوليائي منكم المتقون ، فإن كنتم أولئك فذاك ، وإلا فانظروا ، لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالأثقال ، فيعرض عنكم . وخرجه الحاكم مختصرا وصححه .
وفي " المسند " عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل nindex.php?page=hadith&LINKID=951383أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن ، خرج معه يوصيه ، ثم التفت ، وأقبل بوجهه إلى المدينة ، فقال : إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا . وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، وزاد فيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=951384إن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي ، وليس كذلك ، إن أوليائي منكم المتقون ، من كانوا وحيث كانوا .
[ ص: 310 ] ويشهد لهذا كله ما في " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=951385إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء ، وإنما وليي الله وصالحو المؤمنين يشير إلى أن ولايته لا تنال بالنسب وإن قرب ، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح ، فمن كان أكمل إيمانا وعملا ، فهو أعظم ولاية له ، سواء كان له منه نسب قريب ، أو لم يكن ، وفي هذا المعنى يقول بعضهم :
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالا على النسب لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك الشقي أبا لهب