الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : مر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرقات المدينة فنظر إلى امرأة ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان : أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجابا به، فبينا الرجل يمشي إلى جنب حائط وهو ينظر إليها، إذ استقبله الحائط فشق أنفه، فقال : والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه أمري، فأتاه فقص عليه قصته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «هذا عقوبة ذنبك» وأنزل الله : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 17 ] وأخرج عبد بن حميد عن قتادة : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم أي : عما لا يحل لهم، ويحفظوا فروجهم أي : عما لا يحل لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم قال : من شهواتهم مما يكره الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم يعني : يحفظوا أبصارهم، ف (من) هنا صلة في الكلام . يعني : يحفظوا أبصارهم عما لا يحل لهم النظر إليه، ويحفظوا فروجهم عن الفواحش، ذلك أزكى لهم يعني غض البصر وحفظ الفرج .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية قال : كل آية في القرآن يذكر فيها حفظ الفرج فهو من الزنى، إلا هذه الآية في "النور" : ويحفظوا فروجهم ، ويحفظن فروجهن فهو ألا يراها أحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وأبو داود ، والترمذي ، [ ص: 18 ] والنسائي ، وابن ماجه ، عن بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده، قال : قلت : يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال : «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» قلت : يا نبي الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال : «إن استطعت ألا يراها أحد فلا يرينها» . قلت : إذا كان أحدنا خاليا؟ قال : «فالله أحق أن يستحيا منه من الناس» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، عن العلاء بن زياد قال : كان يقال : لا تتبعن بصرك حسن رداء امرأة، فإن النظر يجعل شهوة في القلب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : الشيطان من الرجل على ثلاثة منازل؛ على عينه وقلبه وذكره . وهو من المرأة على ثلاثة : على عينها وقلبها وعجزها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن مردويه ، عن جرير البجلي قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، [ ص: 19 ] فأمرني أن أصرف بصري .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو داود ، والترمذي ، والبيهقي في "سننه"، عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : «لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن مردويه ، من حديث علي، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، والخرائطي في "مكارم الأخلاق"، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا تجلسوا في المجالس، فإن كنتم لابد فاعلين فردوا السلام، وغضوا الأبصار، واهدوا السبيل، وأعينوا على الحمولة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، ومسلم ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إياكم والجلوس على الطرقات» . قالوا : يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا، نتحدث فيها . فقال : «إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه» . قالوا : وما حق الطريق [ ص: 20 ] يا رسول الله؟ قال : «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو القاسم البغوي في "معجمه"، والطبراني ، والخطيب وابن النجار ، عن أبي أمامة، سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول : «اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة : إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذ اؤتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف، غضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والحكيم في "نوادر الأصول"، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ما من مسلم ينظر إلى امرأة أول رمقة، ثم يغض بصره، إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العين النظر، وزنى اللسان المنطق، وزنى الأذنين الاستماع، وزنا اليدين البطش، وزنى الرجلين الخطو، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج [ ص: 21 ] يصدق ذلك أو يكذبه» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم ، وصححه، وتعقب، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه إيمانا يجد حلاوته في قلبه» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا ، والديلمي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل عين باكية يوم القيامة إلا عينا غضت عن محارم الله، وعينا سهرت في سبيل الله، وعينا خرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله» .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية